القس بولا فؤاد رياض يكتب: عاماً جديداً مباركاً
بيان
انتهى عام بكل ما يحمله من أحداث ومواقف في حياة كل إنسان فينا ونحن في بداية سنة جديدة واستقبلنا عاماً جديداً (٢٠٢٤) نتمنى أن تكون عاماً مثمراً نحقق فيه كل أهدافنا الروحية والإجتماعية ليتنا في أخر هذا العام نجلس إلى ذواتنا ونفكر في خطايانا ونلوم أنفسنا على عيوبنا ونقائصنا ونقارن ماوصلنا إليه بالمستويات العليا ولا نعذر أنفسنا مهما كانت الظروف ونبعد عن تبرير الذات لأن هذا لا يرضي الله ولا ينقينا ولا يقودنا إلى التوبة.
حياتنا على الأرض هي قصيرة جداً
الوقت له ثمن عالي في حياة الإنسان على الأرض الوقت غالي لأنه قصير وأزمنة بقائنا على الأرض محدودة ويجب على الإنسان أن يقضيه في مخافة الله ، هو زمن الرأفة والرحمة ، هو زمن التوبة والسير في وصايا الله ، والسلوك بتدقيق وحكمة ، هو زمن الإصلاح لتطهير ضمائرنا ونفوسنا الداخلية ، هو زمن نمو الحب الإلهي في داخلنا وتصفية النفس من ادران الخطية لكي تكون نفوسنا مقدسة ومستعدة ونشيطة ، الوقت هو زمن الإتجار ووزناتنا ومواهبنا فلا يجب فقط ان نقدم حياتنا كلها إلى الله ولكن ايضاً نقدم في حياتنا على الأرض الموهبة التي حصلنا عليها فكيف نحصل في زمن غربتنا على الأرض على نعم إلهية ولا نتاجر بها كلاً حسب موهبته بروح التواضع والحب الأخوي.
ماذا تعني كلمة الوقت ؟
الوقت هو الحياة من هذا المنطلق نستطيع أن نقول أنه إذا فقد الإنسان وقته فقد حياته وإذا استثمره ربح حياته فالوقت الذي بين يديك ماهو إلا لحظات تتليها دقائق وساعات تعقبها أيام قلائل وشهور تفنيها سنين صغائر.
هناك لحظات ودقائق مصيرية في حياة البشرية كلحظة غضب جامحة قد يرتكب فيها الإنسان جريمة بشعة تؤدي به إلى السجن مدى الحياة أو غفلة قائد سيارة قطار أو سفينة تؤدي إلى هلاكه هو ومن معه وفي لحظة قد يتخذ المسؤول قرار خاطئاً قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لأمة عظيمة
وعلى العكس من ذلك نرى قراراً حكيماً لقائد عظيم يجلب الخير والنعيم لشعبه.
هناك فريق لا يعملون حساباً للدقائق والثواني فحسب بل أيضاً يقضون الساعات والأيام والشهور والسنين في العبث واللهو والرحلات والمقابلات والمجاملات العائلية والإجتماعية غير المجدية.
حقاً إنهم يقتلون الوقت وفي النهاية يكتشفون أنهم قتلوا مع الوقت حياتهم.
وعلى عكس ذلك نرى قوماً يعملون حساباً للوقت فكل دقيقة بل كل ثانية لها حسابها الخاص عندهم .
فهم أشخاص منظمون يعرفون كيف يستغلون الوقت. ولسان حالهم “اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.
نعم تستطيع أخي أن تفتدى الوقت لتحقق أعظم النتائج لك ولأسرتك ولوطنك ولكل من حولك .
“مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة” (أفسس ٥ :١٦)
والذي لا يستغل وقته فى معرفة الله والتفاني في خدمته يكتشف في النهاية أنه خسر الحياة الأرضية والحياة الأبدية .
حقاً إن الوقت قصير جداً أعلم يا أخي حقيقة هامة وهي أن وقت الحياة الذي نعيشه على الأرض قصير جداً.
حتى أن حكيم الأجيال سليمان يقول في سفر الجامعة “للولادة وقت وللممات وقت”
( دون أن يذكر فترة الحياة الأرضية بين وقت الميلاد ووقت الممات وهذا لشعوره بقصر وقت الحياة وإليك عزيزى القارىء بعض التشبيهات المنتقاة من كلمة الله لتوضح لك مدى قصر الحياة الأرضية
١ – غربة :
إن حياة الإنسان على الأرض عبارة عن فترة
تغرب عن وطنه الأصلى فالغريب يشتاق باستمرار ويتوق دائماً لوطنه لذلك يقول أبو الاباء يعقوب لفرعون “أيام سنى غربتى مئة وثلاثون سنة قليلة
و ردية” . ( تك ٩:٤٧ )
٢ – خيمة :
وتشبه الحياة على الأرض كخيمة تنصب ثم تقلع . مسكنى قد إنقلع وانتقل عنى كخيمة الراعي »
( أش ١٢:٣٨ )
٣ – قصة :
وما حياتنا إلا قصة لها بداية ولها نهاية تبدأ بالولادة
وتنتهى بالموت ( الانتقال )
“أفنينا سنينا كقصة”. ( مز ۸:۹۰ )
٤- أشبار :
يا المحدودية عمر الإنسان إنه يقاس بالشبر كما تقاس الأشياء المادية.
“هوذا جعلت أيامي أشباراً” (مز ٣٩: ٥)
٥- حلم :
يا لها من دهشة أن حياة الإنسان كالحلم ينتهى سريعاً .
“كحلم عند التيقظ يا رب عند التيقظ تحتقر خيالهم” ( مز ۲۰:۷۳ )
٦ – ظل :
هذه هي الحياة الأرضية أنها تشبه الظل .
“لأنه من يعرف ما هو خير للإنسان في الحياة مدة أيام حياته باطلة التي يقضيها كالظل لأنه من يخبر الإنسان بما يكون بعده تحت الشمس”. ( جامعة ١٢:٦ )
۷ – بخار :
عندما نرفع غطاء وعاء بداخله ماء يغلى يصعد منه سحب من البخار وسريعا ما تختفى ، هكذا حياة الإنسان .
” أنتم الذين لا يعرفون أمر الغد لأنه ما هي حياتكم إنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل “. ( يعقوب ١٤:٤ )
لقد استعرضنا بعض التشبيهات من كلمة الله التي تبين لنا أن الحياة التي نعيشها على الأرض ما هي إلا حياة قليلة قصيرة بل الأكثر من هذا ما يقوله عنها داود النبي :
“وعمرى كلا شيء قدامك” . ( مز ٤:٣٩ )
يجب علينا أن نستغل الوقت حتى نتمتع بالحياة الأبدية الثمينة الغالية التي لا تنتهى .
يحتاج كلاً منا إلى جلسة هادئة مع نفسه يفتش داخل نفسه ويفحصها ويحاول أن يخرج من كل هذا بخطة جديدة للعام الجديد
خطة عمل أو خطة عملية ومنهج حياة لأن الكثير منا يعيش في دوامة ولا يعرف كيف يسير أو إلى أين يسير
إن بداية عام جديد هي مناسبة هامة لمحاسبة النفس (لوم النفس )
لمعرفة حقيقة نفسك ، لكي لا تلوم الآخرين ، لتنقية النفس وإصلاحها، لتقديم توبة صادقة لله ، للصُلح والسلام مع الناس ومع الآخرين
لذلك علينا أن نُدقق في كل دقيقة وكل تصرف
فكل دقيقة هي جزء من حياتنا وكل تصرف هو جزء من تاريخنا وكل دقيقة تمضي لا نستطيع أن نسترجعها وكل تاريخ لنا لا نستطيع أن نلغيه أو ننكر وقوعه وقد أعطانا العمر لكي نستغله للخير ونحب الله فيه.
أعطانا الله هذا العام الجديد (٢٠٢٤) ليكون عاماً للحب والخير وإذا ضاع هذا العام بغير ثمر يكون هدف الله من إعطائه لنا لم يتحقق
هذا العام الجديد هو صفحة بيضاء لم نكتب فيها شيئاً بعد
تُرى ماذا ستكتبه في هذه الصفحة من صفحات تاريخك ؟
ماذا ستسجله على نفسك؟
ماذا ستحاسب عليه؟
أعتبر هذا العام الجديد وزنة تتاجر بيها وتربح
كل دقيقة من دقائقه الدسمة والمثمرة والمملوءة بالخير والبركة لنا وللآخرين
كل وقت مملوء بالخير هو الذي سيُحسب من عمرنا
الوقت الحي في حياتنا أما الأوقات التي لا تُستغل في حياتنا فهي ميتة لا تُحسب من الحياة ، بل قد تُميت غيرها معها .
فكم من أوقات ضاعت من أعمارنا ولم تحسب لنا ؟
وكم من أوقات حية مثمرة محسوبة من عمرنا ؟
وأجمل ما في هذا العام وجود فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لنكمل معاً مسيرة التنمية وبناء مصر الجديدة وإستكمال ما تم إنجازة لرفعة شأن وطننا الغالي مصر. ونتمنى من كل قلوبنا أن يسود السلام في قطاع غزة وكل بقاع العالم عاماً سعيداً ومباركاً لجميع الشعب المصري.
تحيا مصر…تحيا مصر… تحيا مصر
………………………………………………………………
كاتب المقال: كاهن كنيسة مارجرجس المطرية القاهرة