طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (14)

بيان

تطورات ضخمة شهدتها عملية طوفان الأقصى على جميع جبهات القتال العسكرية وكذلك الساحة السياسية والقانونية على مستوى العالم.
نبدأ من حرب غزة والتى تجاوزت يومها المائة بنفس قواعد اليوم الأول للحرب، فإسرائيل وحتى هذه اللحظة لم تحقق هدف واحد من أهداف الحرب التى أعلنها نتنياهو قبل انطلاق الحملة العسكرية على قطاع غزة.
وفى المقابل فإن الفصائل الفلسطينية أثبتت قوة غير متوقعة بعد هذه الفترة الطويلة من المواجهات مع الجيش الإسرائيلى سواء بتكبيده خسائر فادحة بشريا ولوجستيا، أو الاحتفاظ فى نفس الوقت بما لديها من رهائن لم تنجح إسرائيل في تحرير رهينة واحدة منها، ودون أدنى إستعداد في مجرد التفكير فى التخلى عن سلاحها وأهدافها حتى أن الناطق العسكرى لحركة الجهاد الإسلامي أبو حمزة أعلن بكل وضوح فى بيان عسكرى أن من يفكر في نزع سلاح الفصائل سننزع روحه.
بهذا الثبات الرهيب تواجه إسرائيل أزمة كبيرة وتشعر يوما بعد يوم بعمق مستنقع غزة وبفداحة محاولة الخروج منه.

وألقى هذا المستنقع بظلاله الكثيفة على الكابينت الإسرائيلى وتمثلت هذه الظلال في منع نتنياهو للمرة الثانية للموساد والشاباك من حضور اجتماعات مجلس الحرب ووصلت الأمور بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الإعلان صراحة أنه على نتنياهو أن يختار بين معسكر التطرف بقيادة بن غفير وسيموتريتش، وبين معسكر يرضى أمريكا.

وللمرة الخامسة ترسل الولايات المتحدة وزير خارجيتها بلينكن في جولة بدأت هذه المرة من تركيا وليس من إسرائيل وشملت للمرة الأولى الإجتماع بمحمود عباس أبومازن رئيس السلطة الفلسطينية والذى يرفض نتنياهو تماما وجوده في أى مستقبل للقضية الفلسطينية وهذه إشارة أمريكية واضحة لإسرائيل على ضرورة وجود السلطة الفلسطينية فى المعادلة المستقبلية لغزة بصفة خاصة وللقضية الفلسطينية بصفة عامة.

وفى خضم هذا الارتباك الإسرائيلى فى جبهة غزة نجد ارتباكا أشد على الجبهة الشمالية مع لبنان والتى حاولت إسرائيل فرض معادلة جديدة عليها باستهداف وسام الطويل القيادى بحزب الله وأحد رؤوس قوة الرضوان وهى قوة النخبة داخل قوات حزب الله اللبناني مما ضاعف الضغط على حزب الله للرد وهو ماقام به على مرحلتين باستهداف قاعدة ميرون الجوية وتعطيل قدرة هذه القاعدة التى تمثل مدى الرؤية لإسرائيل فى الشمال.

وأعلن حزب الله أن استهداف هذه القاعدة يأتى كرد أولى على إغتيال صالح العرورى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت ثم جاء الرد على اغتيال وسام الطويل باستهداف مقر القيادة العسكرية الشمالية الإسرائيلية وهو رد فى إطار قواعد الإشتباك دون فتح الحرب مع إسرائيل إلى نطاق أوسع وفى إطار الصبر الإستراتيجي الذى أعلنه مرشد إيران على خامنئي.
الجبهة العراقية لم تكن أقل سخونة من جبهتى غزة ولبنان فقد طالب محمد شياع السودانى رئيس الوزراء العراقى بانسحاب سريع لقوات التحالف التى تقودها أمريكا من العراق بعد اغتيال أبو تقوى قائد حركة النجباء التابعة للحشد الشعبى العراقى وهو ما اعتبره السودانى اعتداءا على السيادة العراقية.
ويعتبر هذا الموقف أحد أهم الآثار الجانبية للحرب على غزة والتى تدفع فيها الولايات المتحدة الأمريكية ثمنا باهظا لتأييدها لإسرائيل.
وليس هذا فقط بل امتد الثمن الأمريكى إلى البحر الأحمر بعد استهداف الحوثيين لسفينة أمريكية مما اضطر أمريكا إلى توجيه ضربات لخمس محافظات يمنية بالإشتراك مع بريطانيا التى استهدف الحوثيين أيضا إحدى سفنها وأدى الهجوم الأمريكى البريطانى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة ستة آخرون.

وخرج المتحدث العسكرى اليمنى يحيى سريع ليعلن استمرار استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل بالإضافة إلى أن كافة المصالح الأمريكية والبريطانية أصبحت أهدافا مشروعة لهجمات الحوثيين وهو ثمن ضخم تدفعه أمريكا بتورطها الكبير المساند لإسرائيل.
التطور الفريد من نوعه هو وضع إسرائيل لأول مرة في تاريخها فى قفص الإتهام ومثولها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاى بتهمة الإبادة الجماعية لشعب غزة بعد رفع جنوب أفريقيا لهذه القضية ضد إسرائيل وتدعيمها لدعواها بكافة الأدلة التي تؤكد قيام إسرائيل بهذه الجريمة وهى خطوة لم تقم بها أى من الدول العربية والإسلامية وجاء الرد الإسرائيلى فى المحكمة الدولية باهتا يلقى باللوم على حماس فى إشعال الحرب ويردد الاسطوانة المشروخة بأن إسرائيل تدافع عن نفسها دون الالتفات إلى أن إسرائيل سلطة احتلال وليس لها الحق بالدفاع عن نفسها.

كما ردد المحامين الإسرائيليين أن استهداف إسرائيل للأطفال مشروع بسبب استخدام حماس للأطفال دون سن الخامسة عشر فى صفوف مقاتلو حماس وهو تضليل واضح الحقيقة.
كل الجبهات مشتعلة حول إسرائيل التى لم تكن تتوقع أبدا أن تصل بها عملية طوفان الأقصى إلى هذه الآفاق من التوتر والفشل والارتباك.
الأيام القادمة ستحمل أحداثا كبيرة لكنها ستظل بعيدة عن المشهد الختامى للحرب والذى يبدو أنه مستمر حتى إشعارا أخر.

اقرأ أيضا:

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (13)

زر الذهاب إلى الأعلى