طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (16)
بيان
ظلال كثيفة من الغموض تحيط بالمشهد بأكمله خلال الأيام الماضية على المستويين العسكرى والسياسى فى حرب غزة لجميع الأطراف الفاعلة في الصراع سواء المشاركة فعليا فى الميدان أو الأطراف المساندة أو حتى الأطراف الوسيطة.
لنبدأ بالطرف الإسرائيلي الذى يلفه الغموض من جميع الاتجاهات سواء على صعيد العمليات العسكرية أو على صعيد مجلس الوزراء بأطيافه المتنوعة، فنجد فجوة واسعة بين رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي وبين الحكومة عبر عنها رئيس الأركان مباشرة بتصريحه أنه لم يتلق حتى الآن ردا واضحا عن الخطط السياسية فى قطاع غزة بعد إنتهاء الحرب أو ما يطلق عليه اليوم التالى للحرب وهو الرد الذى سيبنى عليه الجيش الإسرائيلي مستقبل عملياته.
على الصعيد السياسى نجد الغموض وصل إلى حد التخبط الذى دفع يائير لابيد المعارض إلى إعلان قبوله الدخول إلى الحكومة الإسرائيلية لمنعها من السقوط حال انسحاب بن جفير وسيموريتش المتطرفان اللذان يهددان بإسقاط الحكومة إذا قبلت بصفقة تبادل للأسرى يتم بموجبها وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة وإطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين وهو ماتسبب فى استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية التى أوعزت إلى يائير لابيد بالموافقة على الانضمام إلى الحكومة لإتمام الصفقة على الرغم من استمرار وجود نتنياهو على رأس الحكومة وهو ماكان يرفضه لابيد فى بداية الحرب.
على الطرف المقابل نجد غموض على الجانب الفلسطيني سببه تباين الرؤى بين المستوى العسكرى الذى يمثله يحيى السنوار عقل حماس المفكر ومحمد الضيف القائد الميدانى لحماس في غزة من جهة وبين قادة المكتب السياسي لحركة حماس وعلى قمته إسماعيل هنية وباقى القادة.
وسبب التباين يتجلى في إصرار السنوار والضيف على الوقف الكامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة وتبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين وهو مايرفضه نتنياهو وصقور اليمين المتطرف في إسرائيل.
ونتج عن ذلك فشل كل المبادرات السابقة التى اعتمدت على هدن مؤقتة رفضها السنوار بعنف فانتقلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقسيم الوقف الفوري لإطلاق النار إلى هدن طويلة تستمر ثلاثة أشهر يتخللها تبادل الأسرى مع تعهد بعدم مواصلة إسرائيل بعد هذه الهدن للحرب من جديد وهو ماتدرسه حماس بعمق بعد تلقى مقترحات لقاء باريس بين رؤساء أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والمصرية بالإضافة إلى وزير الخارجية القطرى وتلى ذلك حضور إسماعيل هنية إلى القاهرة لتلقى المقترحات تمهيدا لدراستها والرد عليها.
الولايات المتحدة تتحرك على هذا المسار بحزمة إجراءات مستقبلية أعلنت عنها وفى مقدمتها الاعتراف بدولة فلسطينية دون انتظار، ودمج إسرائيل والدولة الفلسطينية المعترف بها أمريكيا مع دول الشرق الأوسط والتعهد بعدم استخدام الفيتو ضد قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة وتشجيع معظم الدول على الاعتراف بهذه الدولة.
وفى رأيى الشخصى فإن مداهمة الوقت لبايدن واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية يضغط بشدة للوصول لتفاهمات وقف الحرب بشكل يرضى جميع الأطراف ويغطى الفشل الأمريكى على كل جبهات مواجهتها مع أذرع إيران في المنطقة وفى مقدمتها الحوثيين والفصائل العراقية المسلحة وهو ما أدى مؤخرا إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة بالأردن.
وللتغطية على هذا الفشل استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة تعبير الإحتفاظ بحق الرد فى الوقت والمكان المناسبين.
ولأول مرة تجد مصر نفسها داخل الصراع بعد إعلان نتنياهو ضرورة الاحتلال العسكرى لمحور فيلادلفيا وهو مارفضته مصر تماما وأعلنت أنه تهديد مباشر لبنود معاهدة كامب ديفيد وهو ماجعل إسرائيل تتراجع بسرعة وتقدم مقترحا بديلا بالتواجد التكنولوجى بديلا عن التواجد العسكرى وذلك بإقامة سور حديدى فاصل تحت الأرض على طول محور فيلادلفيا وهو ماتدرسه مصر حاليا.
الغموض على الجبهة الشمالية يتمثل في فجوة بين إعلان محور المقاومة عن الرد على سلسلة الاغتيالات التى تعرض لها قادة الحرس الثورى الايرانى وقادة حزب الله وبين الرد الذى يراه البعض ضعيفا رغم ارتفاع وتيرة قصف حزب الله لمواقع الجيش الإسرائيلى وقواعده في شمال إسرائيل وكذلك الصمت السورى المتواصل رغم تكثيف إسرائيل لقصفها لدمشق ومحيطها.
على الجبهة الجنوبية في اليمن تمثل الغموض فى انخفاض وتيرة العمليات الحوثية ضد الأهداف والسفن العسكرية والمدنية الأمريكية والبريطانية رغم رفع الولايات المتحدة لوتيرة قصفها للأهداف الحوثية.
الغموض سيظل سيد الموقف على جميع الأطراف والجبهات حتى ظهور ملامح خطة تخرج بالموقف كله من عنق الزجاجة التى تطبق على رقاب الجميع.