سوريا بين سندان أنقرة ومطرقة موسكو.. طموح تركيا وحسابات روسيا
سوريا من: أشرف التهامي
“تباين المصالح بين الروس والأتراك وانعكاس ذلك على سوريا المحصورة بين سندان أنقرة ومطرقة موسكو، هذا هو العنوان المناسب للتقرير الآتى.
مؤشرات عديدة ظهرت قبل الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة في شهر مايو 2023 بما يشبه استدارة تركية جديدة في السياسة الخارجية، وزيادة التعاون مع الشركاء ضمن “الناتو”، وتطوير التعاون الاقتصادي مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث وافق مجلس النواب التركي في مارس 2023 على انضمام فنلندا التي تمتلك حدودا طويلة مع روسيا إلى “الناتو”، بالتوازي مع خوض أنقرة مفاوضات جادة مع الغرب لرفع العقوبات عن قطاع الصناعات الدفاعية، وإتمام صفقة شراء طائرات F16 ومستلزمات لتحديث سلاح الجو التركي.
ماذا حدث؟
بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، ازدادت المؤشرات على عودة تركيا لسياسة خارجية تقليدية باتت فيما يبدو تنعكس على العلاقات التركية الروسية، إذ ألغى الرئيس الروسي بوتين في مطلع فبراير الجاري زيارة كانت مرتقبة إلى تركيا، وتم تأجيلها بشكل مبدئي إلى شهر مايو من العام الحالي.
الاجراءات التركية للتقارب مع الغرب على حساب روسيا
1- لتفويت الفرصة على إذكاء روسيا لنزاع جديد في الخاصرة الأوروبية يسهم في حرف الأنظار عن الحرب في أوكرانيا أرسل الجيش التركي كتيبة خاصة إلى كوسوفو من أجل المساهمة في فض الاشتباك بين الصرب والألبان في يونيو 2023،
2- التزمت البنوك التركية بشكل أكبر بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، مع تكليف فريق اقتصادي جديد متناغم مع الأسواق الغربية والمعايير الأوروبية ممثلاً بنائب الرئيس جودت يلماز، ووزير المالية محمد شيمشك، وإدارة للمصرف المركزي.
3- بات كثير من البنوك التركية منذ منتصف يناير الماضي يمتنع عن قبول التحويلات المالية القادمة من روسيا.
4- قيدت الحكومة التركية كثيراً من عملية تسجيل الشركات لصالح رجال الأعمال الروس.
5-ازدادت حالات إلغاء الإقامة في تركيا للمواطنين الروس.
تقويض تركي لإجراءات روسيا للضغط على أوروبا
في شهر يناير الماضي توصلت تركيا إلى تفاهم مع إيطاليا لزيادة التعاون في مكافحة الهجرة قبالة السواحل الليبية المطلة على أوروبا، كما دخلت أنقرة في محادثات مع اليونان للتوصل إلى اتفاقية حول مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر عملية إغراق أوروبا بموجات الهجرة انطلاقاً من الأراضي الليبية من أهم الأوراق التي تستخدمها روسيا وحلفاؤها الليبيون المحليون من أجل الضغط على أوروبا.
المكافآت االغربية لتركيا بعد الاجراءات التركية ضد روسيا
في نهاية يناير الماضي أخطرت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بالموافقة على بيع طائرات f16 إلى تركيا، كما أعلنت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الموافقة على الصفقة، وذلك بعد أيام قليلة من موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي.
واستأنفت كندا بيع الأسلحة إلى تركيا، كما أقرت كل من السويد وفنلندا آليات للتعاون مع تركيا بخصوص مكافحة حزب العمال الكردستاني الانفصالي.
انعكاس فتور العلاقات الروسية التركية على سوريا
في أواخر يناير الماضي أعلن المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألسكندر لافرنتييف عن توقف مسار التطبيع بين تركيا والدولة السورية “إلى حد ما” منذ نهاية عام 2023، موضحاً أنه لا لقاء قريبا بين الرئيس أردوغان والرئيس الأسد.
ومنذ انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية في مايو 2023، نفت الرئاسة التركية أن يكون هناك نية لعقد لقاء بين الرئيس التركي وبشار الأسد.
ومع جمود مسار التفاوض الرباعي الذي ترعاه روسيا وإيران، ويهدف إلى عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، انعقدت الجولة 21 من مسار أستانا الخاص بتنسيق النشاط الميداني في شمال غربي سوريا، مما يشير إلى تمسك أنقرة بهذا المسار وعدم موافقتها على استبداله بالمسار الرباعي.
ومن البداية، كانت الاستجابة التركية لمطالب روسيا من العوامل الأساسية التي دفعت باتجاه إطلاق مسار التطبيع بين تركيا والدولة السورية، حيث كانت أنقرة تبحث عن إنجاز مشاريع تتعلق بالطاقة، بالتوازي مع انزعاج الجانب التركي من تجاهل الولايات المتحدة الأميركية لمخاوف أنقرة المتعلقة بدعم واشنطن لحزب العمال الكردستاني الانفصالي.
طالع المزيد:
– سرب من الطائرات المسيرة الانتحارية تضرب قاعدة للجيش الأمريكي فى سوريا
ومنذ منتصف عام 2023 حتى مطلع العام الحالي، وسع الجيش التركي من عمليات مكافحة الإرهاب في شمال شرقي سوريا، وباتت الطائرات التركية تنفذ ضربات ضد قيادات حزب العمال الكردستاني الانفصالي في عمق دير الزور والحسكة، وتركز على البنية التحتية مثل منشآت الغاز والنفط، من دون اعتراض أميركي، الأمر الذي دفع قائد قوات قسد الانفصالية – الارهابي مظلوم عبدي نهاية عام 2023 إلى انتقاد ضعف الموقف الأميركي حيال الهجمات التركية على شمال شرقي سوريا، مشيراً إلى أنها تفقد الأكراد الانفصاليين الثقة بالأمريكان.
الخلاصة
على الرغم من المتغيرات التي تمر بها السياسات التركية، من غير المتوقع حصول قطيعة مع الروس، أو السماح بتدهور العلاقات إلى درجة كبيرة، بحكم المصالح الاقتصادية التي تربط الطرفين.
ونظراً لحاجة الجانبين للتنسيق الميداني والسياسي في سوريا وليبيا، لكن يمكن القول إن ما يحصل يعبر عن تباين المصالح بين الطرفين.