عاطف عبد الغني يكتب: ساويرس والإخوان لماذا اتفقا على كراهية عبد الناصر؟

بيان

مقدمة:

بين الحين والأخر أراجع “أرشيفى” ليس من منطلق الحنين للماضى “النوستالجيا”.

عادة المراجعة – بالنسبة لى – ليست عاطفية بقدر ماهى عقلية، تعيد تنشيط الذاكرة، فالأرشيف أشبه بصندوق المجوهرات، وحين افتحه أجد فيه من أفكار وآراء ومعلومات ما يصلح كثيرا لتفسير ما يحدث فى الحاضر، من أحداث، ويفسر سلوكيات الناس الذين نعرفهم “المشاهير، وكذا المجاهيل الذين لا نعرفهم، وتوجهات هؤلاء وأولئك التى ننساها مع مرور السنين وتغير الأحوال.

وفى عدد مجلة أكتوبر الصادر بتاريخ : 01 – 11 – 2015 وجدت هذا المقال الذى نستطيع أن نفهم منه لماذا يهاجم نجيب ساويرس الرئيس جمال عبد الناصر.

وحاولت فى المقال أن أقرن وأقارن بين كراهية ساويرس، وجماعة الإخوان الإرهابية للرئيس عبد الناصر، وكلاهما (ساويرس الفرد والجماعة التنظيم) فى رأيىّ يمينى شمولى، مع الفارق القيمى الذى يدين به ساويرس، والجماعة، ودون إطالة فى التقديم اتصور أن المقال مفتاح أحد الأبواب التى تفضى إلى مغلق من مغاليق نجيب ساويرس، وجماعة الإخوان.

المقال:

حزب المصريين الأحرار حزب نجيب ساويرس (رأس حربة آل ساويرس) الذى أعلن رسميًا عن ميلاد حزبه عقب الثورة الينايرية ب 65 يومًا، وليس معنى هذا أن مؤسس الحزب وصاحبه لم يكن يلعب سياسة قبل هذا التاريخ.. بلى.. كان يلعب سياسة بدماغ أعلى من ناطحة سحاب، فالسياسة ليست فقط فى الأداء العلنى والمزاحمة بالأكتاف على رئاسة الأحزاب أو الالتحاق بالبرلمان.

(1)

السياسة يمكن أن تمارس من المدرجات، والمباراة يمكن أن تدار من منصة «الكوتش» المهم أن تملك أدواتك، إمكانياتك، خطة للعب ومستهدف يتم الوصول إليه عبر خطوات زمنية (يقال عليها خطط زمنية) وفريق جيد يتولى التنفيذ، وأنا لا أتحدث هنا عن مباراة فى كرة القدم ولكن أستلهم واقعا سياسيا يشكل مستقبل مصر التى يتبارى على رقعتها خلال ربع القرن الأخير كثير من اللاعبين، فقط كان الإخوان أكثرهم خطفا للعيون وتأثيرا على العقول، وقد حصلوا على فرصتهم بالوصول إلى السلطة التى كانوا ينشدون الوصول إليها قبل ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن ماضية، ثم فقدوها وفى الغالب لن يحصلوا على مثلها مرة أخرى قبل ثلاثة أرباع قرن قادمة (هذا إذا كانت الجماعة مازالت موجودة من الأساس).
وفى سنوات الوجود الكاشف والعلنى والصريح للإخوان ما بعد ثورة 25 يناير لم ينجحوا فى نشر أيديولوجيتهم، بل لم ينجحوا فى شىء بقدر نجاحهم فى إقناع الأغلبية المصرية بأن جماعتهم فاشلة وخائنة للوطن لأنها بعيدة عن الهوية المصرية فى بعديها القومى وحتى الدينى، وهاهم السلفيون يسيرون على نفس الدرب المفضى إلى نفس النهاية دون مراجعة حقيقية للمنهج والمرتكزات والبرامج وهى قواعد أيديولوجية وفقهية ليست لها علاقة بالتزاماتهم القانونية التى أجبروا عليها مثل قبول ترشح الأقباط والنساء على قوائمهم، وفى انتظار مصير السلفيين السياسى فى القادم من الأيام نعود إلى ساويرس وحزبه «المصريين الأحرار».

(2)

هاجس أساسى تلحظه من التكرار الوارد فى مقدمة برنامج الحزب المعلن على صفحة موقعه الرسمى، هذا الهاجس يتمثل فى كلمتين «الهوية المصرية»، ويمكنك أن تحصى هذا الوصف وسوف تجد أنه تكرر فى مقدمة برنامج الحزب سبع مرات بالإضافة إلى مرة ثامنة فى باب البرنامج الأول، ثمانى مرات ضمن حوالى 800 كلمة تتحدث عن الهوية المصرية فتصفها أنها ركيزة الحزب، والشخصية القومية الجامعة، ويتوعد الحزب أنه سوف يتصدى لأى محاولات لطمس (الهوية المصرية) التى هى تراكمات عبر الأزمان.. وفى ضمائر المصريين.. وهذا الكلام المزركش بالوطنية ينتهى بالجملة الختامية فى مقدمة برنامج الحزب وفيها الآتى: «إن التجارب الماضية التى حاولت الخروج عن الهوية المصرية، وأفقدت المصريين لشخصيتهم القومية، والمحاولات المستميتة لإحلال رؤوس قومية وأممية محلها قد أصابتنا جميعًا بحالة من الالتباس السياسى والانقسام الاجتماعى طوال الحقبة الماضية، ولقد جاءت ثورة 25 يناير لتعيد الإمساك بخيط الأمل فى طاقتنا الدولية المبدعة الخلاقة لتعيدنا إلى مصر وتعيد مصر إلينا، فمصر هى الأمل والمبتغى والرجاء.. انتهت مقدمة برنامج الحزب التى تم تخصيصها تقريبًا للهوية المصرية لكن الكلام لم ينته لأنه كلام كاشف وفاضح وأقول لكم كيف..؟!

(3)

عندما يقر مؤسسو الحزب وواضعو برنامجه أن التجارب السياسية الماضية التى مرت بها مصر حاولت باستماتة إحلال رؤوس قومية فمعنى ذلك أن الحزب يرفض وينبذ البُعد القومى (العربى) فى الهوية المصرية هذه واحدة، وعندما يعطفون على هذه المحاولات المستهجنة والتجارب الماضية محاولات إحلال الفكر الأممى فقد يبدو للبعض أنهم يقصدون الشيوعية الأممية لكنهم أيضا يقصدون – بالتأكيد – الإخوان الذين ينادون بالخلافة وأستاذية العالم، وفى هذا خلط كبير واستغلال لرفض المصريين للإخوان وفكرتهم القاصرة عن البعد الإسلامى للهوية المصرية، وكذا رؤيتهم للإسلام فى بُعده العالمى.. وليس معنى هذا إننى استيعد البعدين الإسلامى والقومى، بل على العكس فالمكونان أساسيان فى الهوية المصرية ناهيك عن أنهما بُعدان ودائرتان مؤثرتان جدًا فى الوجود المصرى ذاته وأمنه القومى والدليل على ما أقول صراعات مصر التاريخية ضد أعدائها، وأذكّر ساويرس وأصحابه أن مصر الإسلامية هى التى حاربت الصليبيين، ومن بعدهم التتار، وردت هجماتهما على الشرق كله، وأن مصر الإسلامية العربية تبرز هنا القومية هى التى حاربت إسرائيل فى حروب سنوات 1948، 56، 67، 73 ومن قبل الأخيرة حرب الاستنزاف، ولم تفعل ذلك إلا لأن المكون الإسلامى القومى بعد أساسى فى هويتها، وأنصح ساويرس وأصحابه أن يعودوا إلى مؤلفات رفيق حبيب المسيحى القبطى عن الهوية المصرية بمكوناتها الثقافية التى أهمها الإسلام.. وحبيب لم يشوه فهمه هذا إلا انضمامه لحزب الحرية والعدالة ووقوعه فى فخ استعانة الإخوان به لتجميل وجههم (السياسى وليس العقائدى).
لذلك لن يخدعنى حزب ساويرس إذا ذكر فى مقدمته أن الدين مكون من مكونات الهوية المصرية، وهو عمومًا لم يحدد أى دين يقصد، فالبعض يرى البوذية دين، والبهائية دين وعبادة البيت الأبيض الكائن فى واشنطن دين، والحج إلى السفارة الأمريكية فى جاردن سيتى شعيرة مقدسة للرفعة والترقى.. وليس هناك مرجعية فى الليبرالية الجديدة ليبرالية حزب ساويرس.. ولكن شعارها افعل ما شئت وقت شئت وبالكيفية التى تشاء، فالنموذج المعرفى الليبرالى المعتمد لديها ولدى حزب ساويرس بالتبعية هو المرجع الليبرالى على النسق الغربى ويتلخص فى أن الإنسان سيد هذا الكون ولا سيد فوقه.

(4)

لقد كان للإخوان نصيب كبير فى برلمان 2012 وكان لهم مرشد يأتمرون بأمره وينتهون بنواهيه وكانت لهم أيديولوجية أممية تتلخص فى السعى لإحياء الخلافة.. ولحزب ساويرس فى البرلمان القادم – حسب المؤشرات الأولى المعلنة – نصيب لن يكون قليلاً وللحزب أيضا مرشد وأيديولوجية أممية رأس حربتها أمريكا ووصفها العولمة التى تنادى بإنشاء حكومة عالمية وتسعى لتنميط البشر على مثال الإنسان الكوكبى بقيمه المستمدة من الفكر الليبرالى الجديد فى جانبه الاجتماعى، والرأسمالى فى جانبه الاقتصادى.. وساويرس يؤمن بهذا ويعمل عليه ويشجعه وسوف نقول فى مقالات تالية: كيف، ولماذا، ونعطى أمثلة للمذاكرة، والاسترشاد والمراجعة فالامتحان القادم على مصر صعب جدًا.

خاتمة:

أما وقد قرأت المقال ففى التالى خلاصته:

ساويرس الذى يتبنى أفكار “النيوليبرالية” والعولمة ويطبق بامتياز منظومات ما بعد الرأسمالية وتوجهات السوق المفتوح.. لابد أن يكره عبد الناصر الاشتراكى، القومى، العروبى.

كان مدخلى فى المقال هو المنطلق الذى أسس عليه المهندس نجيب حزب “المصريين الأحرار” مع ملاحظة أن عمر هذا الحزب الذى يبلغ الآن نحو 13 عاما قد تغيرت شخوصه وأفكاره التى تأسس عليها بصورة كبيرة.

ومثل ساويرس، كرهت الإخوان جمال عبد الناصر ليس فقط لأنه أفسد لها مخططات إحياء الخلافة “العثمانلية” ولكن أيضا لأنه قيد حركة الجماعة فى الوصول إلى حكم مصر، للوثوب من خلال امتلاك هذه السلطة لتسخير مقدرات مصر ومكانتها لتنفيذ مخططاتها، ولهذا كرهت الجماعة – التنظيم، عبد الناصر وحاربته طوال كل هذه السنين التى تربو على ثلاثى أرباع القرن.

طالع أيضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى