طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (21)
بيان
كما توقعت تماما فى مقالاتى السابقة بأن يكون الفشل من نصيب جهود الهدنة فى غزة وذلك في الوقت الذى أكد فيه معظم المحللين قرب دخول الهدنة حيز التنفيذ قبل حلول شهر رمضان المبارك وبالطبع فإننى استندت فى توقعاتى إلى عدة نقاط أهمها الصعوبة البالغة لموقف الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس نتيجة ارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من ثلاثين ألف شهيد وكسر رقم المصابين حاجز السبعين ألف مصاب وهى أرقام ضاغطة على المفاوض الفلسطيني الذى لن يقلل بأقل من وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة وهو مالن تقبله أبدا الولايات المتحدة الأمريكية قبل ربيبتها إسرائيل.
أما النقطة الثانية والأخطر من وجهة نظرى فهى انحسار أوراق الضغط الفلسطينية ووصولها إلى ورقة واحدة ضاغطة على الشعب الإسرائيلى قبل ضغطها على “كابينت” الحرب الإسرائيلى وهى ورقة الأسرى التى ينصب إهتمام الإسرائيلى على التخلص منها سواء القادة الذين يريدون إطلاق أيديهم في الدخول إلى رفح أو الأهالى الذين يرغبون في رجوع ذويهم إلى المنازل.
وتبقى النقطة الثالثة فاصلة وهى إعلان حماس أن إسرائيل لن تحصل بالتفاوض على مالم تستطع الحصول عليه بالحرب.
وبالطبع فإن حماس مدفوعة فى ذلك بالموقف الميدانى الأسطورى لمقاتليها والصمود في وجه جيش الدفاع الإسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة.
ولموقف حماس والجهاد الإسلامي الميدانى علامات بارزة أهمها إستمرار مقاتليها بنفس الكفاءة بعد دخول الحرب شهرها السادس وإظهار ذلك بالعمليات المصورة لقنص الجنود والضباط الإسرائيليين وكذلك الدبابات والجرافات والعربات المدرعة وهى بالطبع جزء بسيط من العمليات حيث لاتسمح طبيعة أغلب العمليات بالتصوير.
ويكمن الحادث الأبرز في إعلان حماس عن إسقاط قذيفتين على تجمعات للجنود الإسرائيليين من خلال طائرة مسيرة وهو السلاح الذى استخدمته حماس فى بدايات الحرب ثم توقفت طويلا عن استخدامه فظن الجيش الإسرائيلى أن هذا السلاح قد نتهى.
من ناحية أخرى أشهرت حماس من جديد أبرز أسلحة ضغطها على الجميع فى إسرائيل بإذاعة شريط مصور لمقتل سبعة من الرهائن الإسرائيليين بينهم ثلاثة من مؤسسى دولة وجيش إسرائيل كانوا قد أرسلوا نداءات لمجلس الحرب الإسرائيلى تحت عنوان لاتتركونا نشيخ وقامت حماس بالكشف عن هوية الأربعة الآخرين.
واستكملت حماس أوراق ضغطها بتسجيل مصور لابوعبيدة المتحدث العسكرى بإسم حماس وأعلن فيها أن نتنياهو يرغب فى إستعادة الأسرى فى توابيت وكذلك لم ينس أبو عبيدة التأكيد على أن الجوع ونقص الدواء يصيب الأسرى الإسرائيليين بنفس القدر الذى يصيب به الشعب الفلسطيني في غزة.
وعلى الجانب المقابل يجد مجلس الحرب الإسرائيلى مفاجآت صادمة فى إنتظاره بظهور فيديو لجندى إسرائيلى يقتل مسن معاق فلسطينى أعزل بدماء باردة ويوثق بتليفونه لعملية الإغتيال.
وليس هذا هو الأمر كله فقد ظهر شريط مصور آخر لطائرة مسيرة تقتل شاب فلسطينى أعزل ثم تقرب الصورة لإظهاره مضطرجا في دماءه.
ويبقى التحدى الأكبر أمام نتنياهو ومجلس حربه وهو الفشل الذريع في تحقيق أهدافه من حرب غزة وهو مايدفعه دفعا إلى محاولة فتح جبهة الشمال باجتياح برى لجنوب لبنان وهو فى رأيى ماسيضيف فشلا جديدا إلى سلسلة فشل نتنياهو التى كانت آخر حلقاتها رفض اليهود المتدينيين التام للتجنيد في الجيش الإسرائيلى وإعلان الحاخام الأكبر أنه سيترك إسرائيل ومعه الحيرديم إذا أقر نتنياهو ذلك وهو مادفع جانتس إلى مهاجمة الحاخام واتهامه بالتخلى عن إسرائيل وخاصة وأنه يتلقى راتبه من الحكومة الإسرائيلية.
وفى الجانب الثالث تقف الولايات المتحدة الأمريكية متربعة على أكبر فشل سياسى وعسكرى فى تاريخ الولايات المتحدة فمنذ بداية الحرب يسيطر التردد والتراجع عن المواقف على صورة الإدارة الأمريكية فقد أعلنت منذ بداية الحرب عن رغبتها في عدم توسيع نطاق للحرب بل وأرسلت مدمرتين إلى شرق البحر المتوسط ولكنها مالبثت أن سحبتهما بعد ذلك ثم توسعت دائرة الصراع وشاركت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها عن طريق الصدام مع الحوثيين وعسكرة البحر الأحمر ونتج عن ذلك ضربات موجعة سددها الحوثيين للسفن الحربية والمدنية الأمريكية والبريطانية ولم تنجح ضربات أمريكا فى تقليل قدرات الحوثيين وليس القضاء عليها.
ولعل أبرز مظاهر العجز الأمريكى هو الرئيس جو بايدن الذى سجل أرقاما قياسية فى تراجعه عن تصريحاته فقد أكد مرارا وتكرارا أن الهدنة قبل شهر رمضان مؤكدة وهو مالم يحدث ثم أعلن عن صعوبة هذه الهدنة ثم أعلن أن الأمل موجود في التوصل إلى الهدنة حتى قبل رمضان بيوم واحد ثم أعلن مرة رابعة عن استحالة الهدنة.
وسجل بايدن عجزا جديدا بقرار إسقاط مساعدات جوية لسكان غزة وهو ماتسبب فى مصرع خمسة أشخاص سقطت المساعدات فوق رؤوسهم فضلا عن إصابة عشرة آخرين وهو موقف يوضح إستعراض فاشل لبايدن لايصدقه عقل طفل صغير وكان الأولى أن يضغط بايدن على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية المكدسة على معبر رفح وبدلا من تنفيذ ذلك نجد بايدن يذهب إلى إتجاه جديد وهو إنشاء رصيف بحرى في غزة ونقل المساعدات من قبرص إلى أهل غزة وهو مايفتح الباب أمام تكهنات برغبة أمريكية في التواجد على مسرح الحرب بصفة المراقب المعاون وذهب البعض إلى توقع إستخدام هذا الرصيف فى التهجير الطوعى للفلسطينيين من غزة إلى قبرص ومنها إلى دول أوروبا فيما أكد البعض الأخير أن هذه الخطوة مرحلة فى السيطرة على ثروات غزة البحرية.
بالتأكيد سيشهد شهر رمضان تطورات ضخمة على المسارين السياسى والعسكرى فى ظل إستمرار الحرب ولكنى أتوقع وتيرة أعلى ومفاجأت جديدة.