طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (19)

بيان
اختلف تماما مع كل الأنباء التى تؤكد قرب الوصول لصفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.
والواضح أن إسرائيل بدأت التنازل الذى تحاول تقديم البسيط منه سواء على مستوى الشكل بالموافقة على التواجد في مفاوضات القاهرة أو مفاوضات باريس 2 والتى كان نتنياهو يرفض مجرد التواجد بها للتدليل على صلابة موقفه وعدم إستعداده لتقديم أى تنازل ودلل على ذلك برفض كل ماطرحته حماس من لمسات على إتفاق باريس الأول وأنه لن يدفع أثمانا باهظة للإفراج عن الأسرى.
أما على مستوى المضمون فقد تراجع نتنياهو أيضا ودليل ذلك أنه وبعد إصراره على تنفيذ نفس شروط التبادل السابقة بإطلاق ثلاثة اسرى فلسطينيين مقابل كل أسير إسرائيلى فقد تراجع عن هذه المعادلة وعرض خمسة عشر أسيرا فلسطينيا مقابل كل أسير إسرائيلى وهو مااعتبرته الفصائل الفلسطينية بعيدا تماما عن صفقة الكل مقابل الكل سواء مرة واحدة أو على مراحل.
الأمر الجلل الذى يعطل بالفعل صفقة تبادل الأسرى هو إصرار الفصائل الفلسطينية على الوقف الكامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة سواء أيضا على مرحلة واحدة أو على عدة مراحل بضمانات مشددة من الوسطاء وهو مايرفضه نتنياهو وصقور اليمين المتطرف بكل عنف ويصرون على هدنة مؤقتة يتخللها تبادل الأسرى دون تعهد إسرائيل بوقف إطلاق النار.
هذا أساس الخلاف الآن ويتمثل في أعداد الأسرى ورفض وقف إطلاق النار.
وهناك نقطة خلاف ثالثة وهى رغبة إسرائيل في فصل مراحل الاتفاق عن بعضها البعض والتعامل مع كل مرحلة بشروطها دون الإلتزام بترتب المراحل على بعضها وبإمكانية التراجع عن إستكمال المراحل فى أى وقت وهو ماترفضه الفصائل الفلسطينية وبشدة.
نتنياهو يخوض معركة التفاوض وسط ضغط شديد من أهالى الأسرى يحاول تعويضه بالتهديد بإجتياح رفح إذا لم تقبل الفصائل بصفقة تبادل الأسرى ولكن يبدو أن قادة حماس والجهاد الميدانيين وعلى رأسهم محمد الضيف ويحيى السنوار لا يلقون بالا إلى هذا الأمر ومستعدون إلى خوض القتال حتى النهاية مدفوعين بمساندة جبهات المقاومة وباشتباكات الميدان التى تبلى فيها الفصائل الفلسطينية بلاءا حسنا بالإضافة إلى ضغوط الحوثيين في البحر الأحمر وكابوس حزب الله فى الشمال والذى يعجز الجيش الإسرائيلى عن وضع حد له.

ويواجه نتنياهو أيضا ضغوط مستوطنين الشمال الذين تم تهجيرهم من مستوطناتهم لأول مرة في تاريخ إسرائيل منذ عام ١٩٤٨ والذين يطالبون بحسم بإبعاد حزب الله إلى شمال الليطانى سواء بعمليات عسكرية استراتيجية تشمل اجتياح لجنوب لبنان على غرار اجتياح غزة لاستئصال حزب الله اللبناني تماما ومنعه من تهديد مستوطنات الشمال مرة أخرى.

ولكن فى رأيىّ فإنه سيكون على إسرائيل الاستعداد لدفع أثمان باهظة بالفعل هذه المرة لأن قدرات حزب الله الصاروخية تطورت إلى الحد الذى يصل إلى كل مكان فى إسرائيل مما سيفرض معادلة التدمير مقابل التدمير وسيقضى على المبدأ الإسرائيلى فى حرب ٢٠٠٦ الذى اعتمد على التدمير مقابل الفشل العسكرى ولكن هذه المرة سيختلف الأمر والتدمير سيشمل الجميع.
إسرائيل تواجه منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ولأول مرة في تاريخها تهديدا وجوديا نسف كل معادلاتها السابقة والمتمثلة في الحرب السريعة الخاطفة ونقل جبهات القتال إلى أراضى الأعداء وتحقيق الانتصارات الساحقة وهو ماحدث فى حرب ١٩٤٨ وحرب ١٩٦٧.
ولكن اليوم اختلفت كل المعادلات بالهجوم على أراضى ١٩٤٨ ومستوطنات غلاف غزة وقصف القدس وإيلات ومستوطنات الشمال وهى أمور تواجهها إسرائيل لأول مرة وترغب فى عدم تكرارها.. ولكن حتى الآن يبدو هذا الأمر بعيدا جدا.

نفس الموقف الصعب يواجهه الأمريكيون الذين يتعثرون فى رمال الفشل أمام الحوثيين في اليمن والحشد الشعبى فى العراق وكذلك حزب الله الذى رفض مجرد الاستماع أو النقاش مع المبعوثين الأمريكيين إلى لبنان إلا بعد الوقف التام للحرب فى غزة وهو نفس موقف الحوثيين الذين يربطون وقف عملياتهم فى البحر الأحمر بوقف إطلاق النار فى غزة.

مشكلة إسرائيل الضخمة اليوم هى دخول حربها هذه المرة فى إطار حرب الوجود وليس حرب الحدود والمرعب في الأمر أنه ليست هناك ضمانات مستقبلية لعدم تكرار هجوم السابع من أكتوبر أو تحرك حزب الله إلى الحدود الشمالية أو عدم تكرار إغلاق الحوثيين للملاحة في وجه إسرائيل فى البحر الأحمر وهو المبرر الذى استندت إليه إسرائيل في شنها لحرب ١٩٦٧ على مصر عندما تم إغلاق المضايق في وجه الملاحة الإسرائيلية.
الأيام القادمة ستشهد مزيد من الضغوط المتبادلة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل من جهة وبعض التنازلات من إسرائيل وقليل من الضغط الأمريكى من جهة أخرى.
وأرى أن الأمور ستسير إلى حد بعيد فى إتجاه ماتريده الفصائل الفلسطينية وسترضخ إسرائيل في النهاية لشروط التفاوض كما حدث فى حرب ٢٠٠٦ مع حزب الله، وإن كنت لا استبعد سيناريو إجتياح رفح الذى لااستبعد أيضا عدم تحقيق إسرائيل أى نجاح فيه.

اقرأ أيضا للكاتب:

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (18)

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (17)

زر الذهاب إلى الأعلى