أحمد عاطف آدم يكتب: رمضان وحديث الروح مع النفس

بيان

بحلول شهر رمضان المعظم كل عام، يخلق الله بحكمته وعظمته حالة استثنائية من الطاقة الروحانية والتجليات الربانية التي تشع نوراً لا يقاوم، ولا أحد ينكر بأن لديه أهدافًا تظل كامنة بداخله تزيد دوافعها خلال الأيام المباركات، بل ويتمنى استمرارها لما بعد الشهر الكريم، حتى يقترب أكثر من التوازن النفسي والسكينة وحسن الخاتمة، وإذا نجح في التخلص من آفات النفس وأوامرها الطامعة والمذلة، فإنه سيحقق هذا المبتغى لا محالة،، ومما لا شك فيه بأن بعض التحسينات الذاتية للمرء كفيلة بإدراك تلك الأهداف، مثل تعوده على الصبر وتمرسه في العطاء وكفه عن الأذى، وترسيخه لنعمة الشكر والحمد، والتسامح والصدق… إلخ.

كما يعتبر إدمان بعض العادات النافعة هو من أقصر الطرق للتحول الإيجابي في الشخصية، مثل القراءة بصفة عامة لسد الحاجة المعرفية كبديل “للفضول الاجتماعي”، الذي نهدر بسببه ساعات لا تعد ولا تحصى من أوقاتنا الذهبية ليل ونهار، نتنقل خلالها برشاقة بين تلك التطبيقات للإطلاع على أخبار بعضنا البعض بمواقع التواصل، أو لمشاهدة محتوى مرئي لا قيمة له، يعكس نهمنا للإشباع الأعمى من الإسقاط – أكثر منه توعية وإبداع فكري مثمر،، وفي حديث صحيح رواه عبدالله بن عباس عن النبي ﷺ قال: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” – والإشارة هنا لفداحة الخسارة التي نتكبدها بلا إصابة أو إثابة من تضييع الوقت، لذا فإن نجاحنا خلال شهر العبادة في تبديل تلك العادة والتخلص من هذا الغول يذكي النفس ويلهم العقل.

وللتأمل – مفعول السحر – لتحييد الصراع بين فطرة الروح السمحة وأطماع النفس الضعيفة،، وأفضل وأنفع صور التأمل تجده في رحمة الله وعدله وفضله، يقول الحق سبحانه وتعالى بسورة البقرة – بسم الله الرحمن الرحيم { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } صدق الله العظيم، أي أننا مطالبون بخلوة مع النفس من وقت لآخر وتذكيرها بنعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى، وحتمًا ستقتنع في النهاية بأن ما تحقق دين في رقبتك يستوجب استمرار  الطاعة وثبات القناعة.

ومن أبرز القصص الملهمة في حياتي تلك الرؤية المتكررة التي رواها لي صديق عزيز، بأنه كان يسمع في منامه بصفة شبه منتظمة صوت يقول له “إدفع الضريبة”، وهو يسعى قدر استطاعته ويتسابق لعمل الخير وتأدية الطاعات، فذهب لعالم  متبحر في أمور الدين ومجتهد في تفسير الأحلام، يسأله عن سر تلك الرؤية الملحة، فاقترح عليه تجربة عقد مقارنة بين ما يقدمه كل مرة ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وبين واحدة من نعمه عز وجل، مثل السمع والبصر والحركة… إلخ، بالإضافة للرزق الحلال والستر والرحمة، فقال صديقي: بينما كان يتحدث الرجل بإلهام، وجدت دموعي تذرف بلا توقف وأنا أفكر في قيمة واحدة فقط من تلك النعم التي أنعم الله عليَّ بها، فأدركت حينها – بأننا نسعى لإرضاء الله كثيرًا وننسى القيمة الحقيقية للخضوع الكامل والتسليم بالقدر، وحسن التدبر.. وأنه كلما سبق حمد العبد تمنيه من ربه، يفوق فضل الرب حاجة عبده.

اقرأ أيضا للكاتب:

أحمد عاطف آدم يكتب: القمة ليست بارتفاعها إنما بنفعها

أحمد عاطف آدم يكتب: جبر الخواطر بالفطرة

 

زر الذهاب إلى الأعلى