الحُسين.. فرحة حتى مطلع الفجر

كتب: إسلام فليفل
لمبات صغيرة ملونة، وأعلام بيضاء وخضراء وفوانيس تطل من جميع الشرفات، أصوات أغاني أم كلثوم تخرج من كل مكان ممتزجة بأغاني رمضان، مصحوبة بأناشيد دينية قديمة، أطفال يمينًا ويسارًا، لافتات مدون عليها عبارات الترحيب بزائري الشارع، ومشايخ يتبرعون بقراءة القرآن على رؤوس المارة بالحسين القبلة الته يقصدها غالبية المصريين خلال شهر رمضان المبارك.
استعدت منطقة الحسين بالكامل وشوارعها التراثية الأثرية طوال شهر رمضان لاستقبال ضيوفها ومازال تعيدا لببهجة على قلوب الجميع بواسطة عدة مظاهر، فبمجرد أن تطأ قدماك المنطقة يستقبلك الأهالي بالترحاب الشديد لتتابع بعدها بهجة المنطقة وشوارعها في الظهور واحدة تلو الأخرى.
طفطف الحسين
عربة صغيرة، مفتوحة من جميع الجوانب، تشبه إلى حد كبير عربات نقل الأفراد في القرى السياحية والفنادق في المدن السياحية، وظيفته في الحسين ولا سيما في سارع المعز نقل المواطنين من بداية الشارع إلى المكان الذي يرغبون في زيارته، وذلك مقابل مبلغ مادي بسيط ما يقرب من 5جنيهات.
تقول مريم عابد، من سكان منطقة الحسين، وقد اعتادت على استقلال الطفطف منذ مدّة ليست بالبعيدة أنه ساعدها كثيرًا في التخفيف من آلام قدميها التي كانت تعانى منها خلال المشى، حيث يتسم الشارع بالازدحام الدائم طوال أيام العام.
موضحة أنا لطفطف يخدم جميع سكان المكان وليس الزائرين فقط فى منطقة الحسين والقاهرة الفاطمية كلها، وقالت: رأيت عددًا كبيرًا من الذين يستخدمون الطفطف يستمتعون أكثر خلال تواجدهم فيه من التعرف على الأماكن الأثرية للشارع دون عناء لأنه يسير ببطء.
مضيفة أن الطفطف يساعد على جذب السائحين للمنطقة، الذين يفرحون فرحة عارمة بهذه الوسيلة حيث توفر لهم الوقت والجهد، وتحميهم من المضايقات التي يقوم بها البعض، والتي من الممكن أن يتعرضوا لها فى مناطق أخرى مشابهة.
وعلى الرغم من الحفاوة التي استقبل بها المترددون على الحي فكرة الطفطف فإنه دائمًا يكون لكل فكرة نقاد ورافضون وهو ما وجدناه من “داليا حسن” طالبة بكلية الآثار بجامعة القاهرة، والتى ترى أن وجود الطفطف في منطقة أثرية وتراثية مثل الحسين تقضى على الأثر التاريخى للمكان وتضفى عليه نوعًا من الحداثة وهو أمر لا يجب الانسياق خلفه.
على ناصية حارة ضيقة وَسَط شارع المعز تطل أم كلثوم في ثوبها المعروف، تحمل منديلها وترتدى نظارتها الشمسية المعهودة، لم يكن الوصف السابق من وحى الخيال، فهو تمثال كوكب الشرق أم كلثوم المصنوع من الأحجار وبعض الأدوات البسيطة، صممه أحد سكان شارع المعز، وهو يملك مقهى شهيرًا بالشارع.
كوكب الشرق
مقهى “أم كلثوم” لها شعائر ثابتة، فهو على الطراز العربي، سواء في مفروشاته، أو فى الأدوات التي يستخدمها في تقديم مشروباته للجمهور، فجميع أوانيه مصنوعة من النحاس، وبه جزء كبير يميل في تصميماته على الطراز الأندلسي والفاطمي يظهر في اختيار الألوان والرسومات الموجودة على المفروشات والحوائط، المقهى دائمًا ما يذيع أغنيات أم كلثوم باستعمال مكبرات الصوت الموضوعة في كل مكان حول المقهى، ولا يسمح بتشغيل أي أغنية لأي مطرب آخر.
لم تكن أم كلثوم وحدها صاحبة السعادة في شارع المعز، فقبيل نهاية الشارع تمثالًا بالحجم الطبيعي لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، صممه أيضًا أهالي الشارع، وهو موضوع في ناصية أمام مَحَالّ بيع الأدوات الموسيقية مثل آلات العود والكمان والطبلة وغيره امن الآلات الموسيقية الشرقية الأصلية.
يقول “سعيد توفيق”صاحب محل بيع الآلات الموسيقية أنه يحب جميع نجوم وفنانين الزمن الجميل، إلا أن سبب اختيار تمثال محمد عبد الوهاب يرجع إلى بداية عمله في تصليح الآلات الموسيقية القديمة، فوجد أن معظم المترددين على المكان من العازفين يرددون وتمرنون على أغاني الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، فمرت السنوات وتوسع هو فى مشروعه، ووجد أن عبد الوهاب هو أفضل رمز يدل على مهنته الأصلية، وقد وضع فيمًا بعد تماثيل أخرى صغيرة لشادية وفايزة أحمد وسيد مكاوي.
وأوضح أن جميع المترددين على الشاعر سواء مصريين أو أجانب يعرفون أصحاب شخصيات التمثال جيدًا ومنهم من يطلب أن يقف بجانب التمثال ليلتقطوا صورًا معها، ما يتنافسون في مسابقة الألحان التي تعلن عنها بعض مَحَالّ وهى أن يستمع الأجانب لمقطوعة موسيقية لأحد فناني الزمن الجميل ويذكر إلى أي مطرب تنتمى هذه المقطوعة.
التنورة
جلباب مزخرفة، طاقية، شال، توب وفانوس، كلّما يلزم بتجهيز ليلة ساحرة تتربع فيها التنورة وتسعد محبيها، في وكالة الغوري أحد أبرز معالم القاهرة الفاطمية وعصر المماليك، وقد انتشرت الرقصة منذ زمن بعيد.
تتكون رقصة التنورة من عناصر أهمها الراقصين ويليها الموسيقى التي يؤدون عليها حركاتهم، وفه وكالة الغوري بالحسين يتم تنظيم حفلات بشكل دوري للتنورة تعتمد على راقص التنورة أو ما يسمى “اللفيف” والراقصين ويطلق عليهم اسم “النحاتية”، وهم الذين يرقصون بآلة الإيقاع أو المزهر كما يطلق عليها.
جدير بالذكر أن جميع أفراد الفُرْقَة من راقصين وموسيقيين هم فنانون تلقائيون، تعلموا فنون الرقص والعزف والغناء عن آبائهم وأجدادهم، ثم أن كل حركة يقوم بها راقصو التنورة لها معنى ومدلول فمثلًا دورانهم المستمر في بداية الرقصة ظهر عقارب الساعة يرمزون إلى تعاقب الفصول الأربعة، وسبب اختيارهم اللف ظهر عقارب الساعة الإشارة للطواف حول الكعبة، وحين يقوم راقص التنورة “اللفيف” يرفع يده اليمنى من أعلى ويده اليسرى إلى أسفل فهو يعقد الصلة مآبين الأرض والسماء، وهو بدورانه حول نفسه كأنما يتخفف من كل شئ بقصد الصعود إلى السماء، وعندما يفك الرباط الذي حول جذعه فهو يمز لرباط الحياة.
تضفى التنورة بوجه عام بهجة كبيرة على متابعيها لما تميزت به من إيقاع مميز، يتسم بالبطء وأحيانًا بالمتوسط والسريع أحيانًا أخرى، فضلًا عن ثراء الألوان ورشاقة المؤديين، حيث يظهروا في قالب الفن الشعبي المعتمد على المهارة الحركية.
دراويش الحسين
استعدادات كثيرة يجهزها أهالي الحسين وضواحيه، استعدادًا لاستقبال ليلة القدر، التي تُفرش خلالها الأرض بسجاد أحمر اللون في بعض الشوارع، وينتشر الدراويش، يمينًا ويسارًا متبرعين بقراءة القرآن مجانًا، كما يجتمع الناس حول المنشدين للاستماع للأناشيد الصوفية وغيرها.
جدير بالذكر أن الدراويش معتادا الظهور في الموالد عمومًا إلا أن نشاطهم يزداد في رمضان فى منطقة الحسين منهم من ينشد الأناشيد الدينية، ومنهم من يردد الأذكار والأدعية في شكل غنائي ويلتف حولهم المارة يرددون معهم تلك الأغاني، وقد اتفقوا هذا العام على ارتداء نفس الزي باللون الأخضر والعمامة الحمراء، ليميزوا بعضهم البعض خلال جولاتهم بالمنطقة.
زر الذهاب إلى الأعلى