طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (23)

بيان
شهدت الساحتين العسكرية والدبلوماسية لحرب غزة على مدى الأيام القليلة الماضية العديد من التطورات التى شاركت فيها جميع الجهات الفاعلة وربما ارتفعت قليلا نسبة مشاركة البعض وفى المقابل خفتت إسهامات البعض الآخر ولكن تبقى هناك علامات بارزة فرضت وجودها على الجميع.
ونبدأ من اللاعب الأول وهو الفصائل الفلسطينية التى شهدت عملياتها انخفاضا واضحا خلال الأسابيع الماضية مما انعكس على بيانات قادة إسرائيل وفى مقدمتهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء والذى ارتفعت نبرته بشدة وأعلن قرب تحقيق النصر الحاسم وهى العبارة التي يرددها منذ السابع من أكتوبر الماضى وعلى إثر ذلك وضع نتنياهو العديد من العراقيل في مفاوضات تبادل الأسرى وتردد كثيرا فى إرسال وفد التفاوض إلى القاهرة والدوحة تارة ومنع صلاحيات كاملة عن هذا الوفد فى المباحثات تارة أخرى.
وقابلت حركة حماس تحركات نتنياهو برفض كل الأطروحات على جبهات التفاوض وأيقنت الحركة أنه لابد من إرتفاع وتيرة العمليات الميدانية مرة أخرى لمساندة جبهة المفاوضات وبالفعل تصاعدت عمليات الفصائل الفلسطينية بشكل قوى وسريع كان آخرها عملية الزنة شرق خان يونس فى عصر السابع والعشرين من رمضان وتضمنت العملية كمينا مركبا غاية في التعقيد أعتمد بشكل أساسي على استدراج قوة إسرائيلية إلى منطقة الزنة ثم الإشتباك معهم فيها وبعدذلك تفخيخ منزل سيلجأ إلى جنود الاحتلال الإسرائيلي وتفجير المنزل بهم وفى نهاية الكمين اصطياد الدبابات المساندة التى ستأتى بهدف إنقاذ القوة التى وقعت فى الكمين.
وأطلقت حماس تسمية ((كمين الأبرار)) على هذه العملية وبثتها فى شريط مصور يوضح أن التحضير للعملية أستمر على مدى خمسين يوما وفى منطقة أعلن نتنياهو مرارا وتكرارا تسويتها بالأرض وعدم وجود لحماس بها على الإطلاق.
وأوضحت حماس من خلال الفيديو المصور أن هذا فقط ماسمحت به ظروف العملية للتصوير وأن هناك اشتباكات مباشرة من المسافة صفر حدثت مع القوات الإسرائيلية وتم الاستيلاء على العديد من أسلحة القوة الإسرائيلية وعرضتها حماس فى الفيديو واكدت حماس أن الجيش الإسرائيلى يخفى حقيقة عدد قتلاه ومصابيه ويكتفى بإبلاغ عائلات الجنود الإسرائيليين بمقتلهم في أضيق الحدود وعدم إعلان ذلك في البيانات العسكرية.
وبالطبع فرضت هذه العملية وجودها على مفاوضات القاهرة التى دعت فيها مصر وفد حماس بقيادة خليل الحية الذى أعلن قبل حضوره للقاهرة تمسك حماس بثوابت موقفها وأولها انسحاب إسرائيل الشامل من قطاع غزة وعودة سكان شمال قطاع غزة إلى منازلهم وابرام صفقة تبادل الأسرى واتسق هذا الإعلان مع ماتمخضت عنه المفاوضات وهو تسلم الوفد لمقترح إسرائيلى لايلبى مطالب الفصائل الفلسطينية ولكن ستتم دراسته والرد عليه خلال أيام.
لم يكن كمين الزنة هو التطور السيء الوحيد الذى واجهته إسرائيل في الأيام الماضية بل واجهت موقفين أصعب كثيرا منه تجسد الموقف الأول فى قصف الجيش الإسرائيلى لفريق المطبخ المركزى الذى يقدم مساعدات إنسانية غذائية لمراكز الإيواء في غزة وأسفر هذا القصف عن وقوع ثمانية قتلى من جنسيات متعددة وأعترف الجيش الإسرائيلى بقصف سيارة المطبخ بطريق الخطأ وأعتذر عنه وأعلن عدم تكراره مستقبلا.
ولم يكن هذا كافيا أبدا لامتصاص غضب الرأى العام العالمى ودول مساندة لإسرائيل أبرزها أستراليا وبولندا.
والتطور الثانى هو قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية بدمشق وهو قصف أسفر عن سقوط قتلى وجرحى فى مقدمتهم إثنين من مستشارين الحرس الثوري الإيراني اهمهم رضا زاهدى قائد عمليات الدعم اللوجيستى للمقاومة اللبنانية والفلسطينية في سوريا ولبنان.
وأعلنت إيران على لسان العديد من المسئولين وفى مقدمتهم المرشد الإيراني على خامنئي أنها سترد وبقوة على هذه العملية التى تعتبر قصف للأراضى الإيرانية لقدسية أرض السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية مع عدم التسرع في الرد وهو ماجعل إسرائيل فى حالة ترقب مرعب وقامت بإخلاء ٢٨ سفارة على مستوى العالم خوفا من الرد الإيراني مع رفع حالة التأهب واستدعاء احتياطي الدفاع الجوى وقام وزير الخارجية الإسرائيلي بالإعلان صراحة عن استهداف العمق الإيراني في حالة قيام إيران مباشرة بقصف إسرائيل.
تطور آخر تلقته إسرائيل وهو تكثيف المقاومة الإسلامية في العراق لهجماتها على العمق الإسرائيلى فى حيفا وايلات بالمسيرات علاوة على تصاعد القصف الصاروخى لحزب الله بمستويات قياسية وصلت إلى أكثر من ثلاثين صاروخ فى العملية الواحدة مما أضطر وزير المالية سيموتريتش إلى الإعلان عن خوض حرب شاملة مع حزب الله اللبناني بعد الإنتهاء من معركة غزة لتأمين عودة المستوطنين إلى الشمال.
وفى البحر الأحمر تستمر عمليات الحوثيين التى قضت تماما على الملاحة فى ميناء إيلات الإسرائيلى وهو ماشكل بوضوح لا لبس فيه
الواقع الصعب الذى تعيشه إسرائيل لأول مرة في تاريخها ممادفع أحد المسئولين البارزين في إسرائيل إلى التصريح بأن الأحداث الأصعب لم تعد خلف إسرائيل بل أمامها.
وحتى الحليف الإستراتيجي الأمريكى أعلن بوضوح على لسان الرئيس بايدن ضرورة الإنسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة بعيدا عن المفاوضات وهو مااعتبره نتنياهو تراجع واضح فى الموقف الأمريكي وإعلان صريح بفشل الحرب على غزة.
ولم ينس بايدن المطالبة من قطر ومصر أن تقومابالضغط على حماس للقبول بصفقة تبادل الأسرى.
ميدانيا وتحت وقع الضربات في خان يونس أضطر الجيش الإسرائيلى إلى الإنسحاب من خان يونس والاكتفاء بالتواجد على بعد ٥٠٠متر فى طريق فصل جنوب القطاع عن شماله مع الإعلان عن قدرة سكان خان يونس على العودة إلى منازلهم.
أتوقع استمرارفشل المفاوضات نظرا لرفض إسرائيل الاستجابة إلى شروط حماس الأساسية وهى الإنسحاب من كامل القطاع وعودة السكان إلى الشمال وهو ماترفضه إسرائيل بشكل قاطع وتناور للوصول إلى هدنة وإطلاق سراح الأسرى ثم الانقضاض على رفح واستكمال عملياتها العسكرية إلى مالانهاية وهو ماتدركه حماس جيدا ولاتفرط في ورقة الرهائن التى تعتبر ورقتها الرئيسية في مجمل الحرب.
الأيام القادمة ستشهد أحداث كبيرة أعتقد أنها ستكون الأهم في حرب غزة وسترسم إلى حد بعيد ملامح وأسس نهاية هذه الحرب.

اقرأ أيضا:

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (22)

طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (21)

زر الذهاب إلى الأعلى