عاطف عبد الغني يكتب: حكاية يوم الإثنين المجنون (2)
بيان
نعيد التذكير بشأن النمو الاقتصادي الهائل لدول النمور الأسيوية خلال العقود الثلاثة التي سبقت عام 1997 ونقول إن هذه الدول كانت تمتلك مكونات قصة نجاح، انعكست في شكل رفاه اقتصادية واجتماعية لشعوبها.
وامتلكت حكومات هذه الدول الكثير من المال الذي مهدت به بنية أساسية جيدة للاستثمار علي مستوي الداخل، والخارج، وانخفضت نسبة الفقراء – في هذه الدول – لصالح الطبقة الوسطي التي صار أبناؤها يحصلون علي خدمات جيدة في مناحي الحياة المختلفة، ولكن كان هذا قبل أن يشتعل فتيل الأزمة الأسيوية في صيف عام 1997.
ونستطيع أن نلخص أسباب الأزمة في جملة واحدة وهي: “السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة” تلك التي تحول إليها النظام الاقتصادي العالمي انطلاقا من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي القلب من هذه السياسات أو لنقل رأس حربتها: صندوق النقد و البنك الدوليين”.
والسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، فرضت ما يسمي بإعادة الهيكلة المالية الليبرالية الجديدة خاصة علي الدول النامية التي ارتبطت بها، وسمحت بدخول كبير للاعبين خارجيين جدد من المستثمرين في هذه الدول، هذا الدخول الذي سيغير المشهد فيما بعد.
وكان اللاعبون الجدد القادمون غالبا من الغرب يقترضون الأموال من المستثمرين الأثرياء في بلادهم، ويستثمرونها في هذه الدول بقصد تحقيق أعلي ربح ممكن في أسرع وقت ممكن.
وكانت الأسواق الأسيوية بمعدلات نموها الكبير ملعبا مثاليا لدخول ما يعرف بهذه الأموال (الساخنة) في أسواق هذه الدول المالية المفتوحة، ولهذا الأمر جانب إيجابي يتمثل في مرونة دخول الأموال وخروجها، لكن هذه الميزة نفسها تمثل عامل سلبي كبير حين تتيح إمكانية الدخول والخروج السريعين، وهي عملية أشبه بالمقامرة الكبيرة، تتحقق فيها للمضارب بالأموال أفضل الأرباح قصيرة الأجل.
وبالطبع تتأثر عملية المضاربة بتقلبات الاقتصاد العالمي في أسعار السلع العالمية مثل النفط، والقمح، والفلزات، أو تقلبات سعر العملات، والتي يمكن أن يتحكم فيها لاعب خارجي، أو توجهها السياسة، وفي لحظة تنعكس هذه التقلبات علي أسواق المال خاصة في دول الاقتصاديات الهشة وتتسبب في حالات إفلاس لحظية، وتفجر الأزمات المالية.
ولاحظ أننا هنا نتحدث عن الأزمات التي يسببها التمويل المالي، وليس عن اقتصاديات حقيقية تمتلك فيها الدول مقومات النمو والتنمية الحقيقيين.
ونعود إلي مرحلة النمو التي شهدتها دول النمور قبل الأزمة، وفي هذه المرحلة علي سبيل المثال قامت استثمارات كبيرة في تايلاند في العقارات والتي تولد أرباحا، لكن بالعملة التايلاندية (البات) وكان المستثمرون يراكمون الدين بـ الدولار الأمريكي، من أجل تمويل مشاريعهم، فلما تراجع سعر صرف البات التايلاندي مقابل الدولار، أحدث هذا ورطة كبيرة للمستثمرين والأسواق أيضا، وهذا يعيدنا إلي النقطة التي انتهينا إليها في المقال السابق وهي خطورة ربط العملات المحلية بالدولار الأمريكي..
وللحديث بقية.