“ قل شكوتك ”.. لستِ مجرد مرحلة بحياة الآخرين

كتبت: أسماء خليل

“ ها هي الحياة”.. الحياة التي لم أعتقد يومًا أن أمر فيها بكل ما حدث، فبأحد جنباتها صدمتني، وتعثرتُ وأنا أحاول الوصول للجانب الآخر، محاولةً الصعود نحو القمة، ولكن يبدو أنني انحرفتُ نحو الهاوية.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى السيدة “س . و”.. والتي أرسلتها وسط تهدج حروفها، عبر البريد الإلكتروني، راجيةً من الله تعالى أن تجد من يرشدها لأي الطرق الموصلة لحياة أفضل.

الشكوى

هاهي كلماتي التي تختصر سنوات عمري السابقة؛ فأنا “س . و” .. سيدة أوشكتُ أن أتم الثامنة والثلاثين من سِني عمري، حاصلة على بكالوريوس تجارة، متوسطة الجمال، أعيش بأحد محافظات الوجه البحري.

مررتُ بطفولة عادية، وربما غير ذلك، فحينما يسامح المرء الجاني فإنه لا يبحث كثيرًا حول مآلات الأسباب والنتائج، نشأتُ كما نشأتُ ولا يهم كيف، وسط أب يعمل موظفًا بسيطًا، وأم ربة منزل، وأربعة أخوة صبية، اثنان يكبرنني، والآخران يصغرنني.

تزوج كل أخوتي بعدما حصلوا على شهاداتهم الجامعية والوظائف المناسبة، وهم مستقرون بحياتهم، وتنعم أمي بالهدوء بمعيشتها معهم وأحفادها، بعدما تخطت أزمة رحيل أبي، أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يؤرقها بالحياة الآن هو مشاكلي أنا !.

فمنذ حصولي على شهادتي الجامعية، وافق أبي على أحد الخطاب الذين أرادوا الزواج مني، فقد كان محاسبًا في أحد البنوك بالقاهرة ويكبرني بست أعوام، أحضرته لي عمتي التي تعيش بنفس محافظة الرجل.

وافق الجميع وسط بهجة، بينما حزنت أمي، وكم توسلت إليَّ ألا أوافق، وكانت وجهة نظرها أن الشاب بينه وبيننا فوارق اجتماعية ومادية، كما أنه كان وسيمًا جدًّا، لدرجة أن جمال طلته أثرت على شكلي كأنثى.

لم أعتد برأي أمي، فكنتُ في تلك المرحلة العمرية أمتلك ثقة تُدرس بالجامعات، وسعدتُ بالشاب الجميل الأنيق الراقي، وخاصة وأنا أعرض على صديقاتي صوره بكل فخر.

تم زواجنا، وكم كنت أسعد فتاة بالعالم، ولكن لمدة شهر !.. حيث بدأ القناع الحقيقي لزوجي يتبدى؛ رجل نرجسي مغرور يعاملني كخادمة، لم تكن نظرته لي كزوجة أبدًا، سرعان ما ذهبتُ لعمتي، التي لم تشجعني أبدا على الطلاق وخراب بيتي.

ولكن الأمور باتت أكثر سوءًا حينما حملتُ، وأمرني الطبيب بالنوم على ظهري، فكان ذلك الزوج يتأفف ويتضرم وبدأ يقذفني بالشتائم، فهو يريد طلباته ولا يهم صحتي، تدخلت عمتي التي رأت أن أعمل فور ولادتي، حتى أجد ما يشغلني عن نكد ذلك الرجل.

وبالفعل ساعدتني كثيرًا، ووفرت لي وظيفة محاسبة مالية بأحد الشركات الخاصة بالقاهرة جوار بيت الزوجية، وكانت تحمل عني وليدي الصغير، بالفعل بدأت أنشغل عن هموم الحياة الزوجية، ولكن زوجي لم ينشغل عني، فبات لا يترك مصروفًا للبيت، وإذا حضر من العمل، ولم يجد الطعام جاهزًا، حتى إذا لم يتبقَ على إتمامه ولو خمس دقائق يشدني من ضفيرتي، وربما يسحلني بالأرض.

ناقَشَته عمتي لتصل معه إلى حل، فكان رده الدائم أن ذلك طبع الرجال وعليها التحمل، إلى أن اكتشفتُ الرسائل التي يراسل بها عشيقته الآية بالجمال، ولم أصدم كثيرا حينما وجدته يصف لها أن جمالي متوسط، وأنني قبيحة وأنا بوسادتي مستغرقة بالنوم، وكلام من ذلك القبيل.

تفاقمت الأمور، إلى أن تدخل زوج عمتي الذي استنتج بعد كثير من الزيارات لأهله، أنه ورث منهم الظلم والحمق، وتم الانفصال بهدوء وحصلتُ على كل مستحقاتي من الآثاث والنفقة والذهب.

وحيث محافظتنا ومسقط رأسنا، عادت بي عمتي التي أشفقت أن تخبر أبي – وهو بالمستشفى طريح المرض – ونحن نجر أثواب الخيبة أنا وهي وابني الذي مابرح إتمام الثالثة من عمره، وبصحبتنا أمتعتي التي خرجت بها من تلك الزيجة.

حاولت عمتي تلطيف الأمر مع أسرتي، وتذكيرهم بسهام القسمة والنصيب، ثم استأجرت لي شقة صغيرة أضع فيها كل منقولات قائمتي من أثاث وصندوق به ذهبي، وأغلقنا الشقة وعشتُ مع أبي وأمي مرة أخرى.

ولكن الأهم أنني لم أفقد وظيفتي كمحاسبة مالية، فالشركة التي أعمل بها لها عدة فروع في كثير من المحافظات ومنهم محافظتي، مر خمس سنوات والحال على وتيرة واحدة، أعمل وأربي ابني وأرعى أمي، لم يكدر صفو حياتنا سوى رحيل أبي الحنون.

وريثما أتممت الثلاثين من سِني عمري، إذ باغتني شاب في نفس عمري ويعمل معي بالشركة، بل ويتميز عني من حيث درجته الوظيفية، وحاول التقرب مني طالبًا الزواج، مشيرًا إلى معرفته بكل ظروفي، وبعدما تقدم لي، أخبرني أن عائلته معترضة قليلًا على زيجتنا، لأنه لم يسبق له الزواج من قبل.

تبادلتُ معه أطراف الحديث، وصولًا بظروف ابني الصغير، فقاطعني بأنه يعشق ابني وخاصةً أنه طفل متميز بذكائه الذي ورثه مني، وجماله ووسامته اللذان ورثهما عن أبيه.

وكأن الزمن يعيد نفسه، لترفض أمي وتعترض بشدة، وعللت ذلك بأن الإنسان يتزوج أسرة بالكامل وليس فردًا، وطالما أهل الرجل معارضون زواجنا، لأن ابنهم لم يسبق له الارتباط، فلا داعِ لتلك الزيجة.

وكعادة مرآة الحب التي تعكس الكلام المعسول والانجذاب الطبيعي بين كلا الجنسين، وافقتُ مع التأكيد لأمي على أن ذلك الشاب غير زوجي السابق بالكلية، وأنه يحبني ولن يضرني.

كنت أتمنى ألا يصدُق حدس أمي؛ ولكن ها هي قلوبهن الشفافة الرقيقة، التي ترى الحقيقة قبل وقوعها، فما مر العام على زواجنا إلا وتبددت كل وعود زوجي الثاني، فكان قد وعدني أن نغير الأثاث ويزيد لي من المصاغ، ولكنه اكتفى بأن يظل هكذا وأنا التي تحملتُ كل شيء، بمعنى آخر، لقد “ تزوجني على الجاهز”، فلم يدفع جنيها واحدًا في زواجنا.

والأكثر من ذلك أنه رفض أن يلتحق ابني بمدرسة خاصة، رغم أنني التي سأدفع المصارف، بحجة أن أوفر لوليدنا الذي مابرح نطفة في رحمي، وبدأ يحاسبني على كل شيء، ويطلب مني كل راتبي بحجة أننا سندخر رواتبنا لتأسيس مكتب محاسبة نعمل به سويًّا.

مشكلات.. مشكلات.. هكذا ما كانت عليه حياتي مع ذلك الزوج، الثاني، لتتبدى نواياه الحقيقية من الارتباط مني، زيجة سهلة دون أي تكاليف، بل ومرتب شهري لا يجعلني أصرف منه أي مبلغ ولو شخصي رغم زيادته وارتفاع الحوافز.

حاولتُ بالهدوء.. الحوار.. اللجوء لعائلته التي تكرهني.. العنف.. ولكن دون جدوى، إلى أن جاء اليوم الذي استرد فيه زوجي كل المبالغ التي ادخرناها بالبنك سويًّا، وفتح مكتب المحاسبة منفردًا مع إنكار دوري بالمشاركة معه، ويبدو أنني كنت مجرد مرحلة في حياته.

عدتُ لأمي للمرة الثانية وأنا أكبر أربع سنوات، وزدتُ من الولد ولدين، رجعت وقد انتابتني عقدة، عقدها لي اثنان من الرجال، ولم أحصل من ذلك الرجل الطامع على أي شيء، فقد كشر عن أنيابه، وأحضر بلطجية لأخوتي لأتنازل عن كل شيء وقد تم.

استمرت حياتي وأنا خلف كواليسها لمدة ثلاث سنوات، لا أحضر أي مناسبة لدى أخوتي وأزواجهم وأولادهم، عزلت نفسي عن العالم، من العمل لحجرتي والعكس، وقامت أمي التي حباها الله بحب الأطفال، برعاية ولديَّ ومتابعة مستواهما الدراسي.

ومنذ عامين بدأتُ الاندماج في الحياة مرة أخرى، إلى أن أتممت الآن التاسعة والثلاثين من عمري، وقد أوشكتُ على أن أتناسى ما حدث في حياتي؛ وما لبثتُ تناسيا حتى تقرب مني أحد زملائي بالعمل متزوج وله بنتًا وولدًا، وأنا أكبره بعام واحد.

شرح الرجل لي ظروفه وأوضح لي انفصل عن زوجته ولكن ليس رسميًّا، فهو يريد أن يلقنها درسًا بانفصالها عنه وأخذها أولادهما في حضانتها، وأنه بالطبع مسالم وهادئ ولكن زوجته بتصرفاتها هي من جعلت له أنيابًا لدرجة إحضاره لها بلطجية.

ولكني شعرت أنه يعشقني بحق، وأكد لي أن مشاكله مع تلك المرأة لم ولن تؤثر على علاقتنا، وأن الطلاق الرسمي سوف يتم، ولكن بعدما تتنتهي القضايا بينهما.

اعترضت أمي كعادتها، وانضم كل أخوتي لصفها، ما عدا أخي الأصغر، الذي أكد لأمي أن تلك هي العينة العشوائية من البشر الموجودة بالحياة، ورفضها الدائم سيجعلني أتأخر للوراء ولن أوافق على أي زيجة.

ماذا أفعل سيدتي بحق الله، فأنا في حيرة من أمري، بعدما اسودت الحياة في وجهي، خاصة بعد النقد اللاذع من الجيران بتعدد زيجاتي وأنني أصبحت أشبه مشاهير السينما، أريد أن أعيش الحياة ولكن لا أدري كيف؟!.

الحل

عزيزتي “س . و” .. كان الله بالعون..

للأسف عزيزتي، لقد جعلتِ نفسك مجرد مرحلة في حياة الآخرين، وليس للنصيب دخلًا في ذلك، فالإنسان مُخير وليس مُسير، بدليل وجود الجنة والنار كثواب وعقاب من الله سبحانه وتعالى.

“ما خاب من استشار”.. هذه هي كلمات القاموس لمن أراد أن يتعلم قراءة الحياة، كن أنكِ لم تُصغِي لنصائح الأم التي ربت ابنتها وتعلم جيدًا أغوار شخصيتها بكل مراحلها، وتعلم من يناسبها من الرجال كشركاء، بالإضافة إلى الخبرة المصقول بها الأكبر سنًّا بمرورهم في الحياة.

ففي المرة الأولى كان الخطيب نرجسيا متباهيا بوسامته، وكان هناك فارق اجتماعي ومادي التمسته أمكِ، وأخبرتكِ باعتراضها ولكنكِ لم تتفهمي الموقف، مرورًا بالزيجة الثانية من رجل لم يتزوج بعد رغم أنكِ كنتِ تعولين، ورغم اعتراض عائلته، والزواج بالأساس اقتران عائلتين فلابد من القبول.

وها أنتِ تقتربين من اللدغة للمرة الثالثة في نفس الجُحر، ولا تبالين لرأي والدتكِ التي هي نعمة الله تعالى في حياتكِ، لقد حاولت السيدة إعطائكِ دروسًا ولكنكِ آثرتِ تعلمها من الحياة رأسًا.

من الواضح عزيزتي، أن الرجل المُتقدم للزواج منكِ الآن يريدكِ لتكوني -أيضًا- مرحلة بحياته، فإنه يريد أن يغيظ بكِ زوجته لكي يصفعها قلمًا على وجهها لتستفيق وتعود إليه، إنه لا يريد أن يطلقها طلاقًا بائنًا، فتكونين أنتِ على أرض صلبة، أو يخبركِ عن نواياه الحقيقية بأنه يحب بيته وأولاده، فتكونين أنتِ زوجة ثانية وتكيفين نفسكِ على ذلك الوضع.

إن ما يفعله من بلطجة مع زوجته السابقة دليل قاطع على سوء خلقه، ولكن مشاعركِ هي القائد الأول لشخصيتك، فعليكِ التفكير جيدًا وإعمال العقل وخاصةً بعد أن رزقكِ الله- جل وعلا- بولدين، ولديكِ ماض تريدين تجميله لا تشويهه بطلاق للمرة الثالثة.

لا يشغلكِ كلام الناس فهم في كل الأحوال يتكلمون، ولكن الأهم هو صورتكِ الداخلية أمام نفسكِ وصورتكِ الخارجية أمام أولادكِ.

فكري كثيرًا قبل أن تتخذي قرارًا في زمن قصير يؤثر عليكِ بالسلب مدى الحياة، ولا تقتنعي بفكرة أنه لا يوجد من هو جيد من كل النواحي، فربما تقابلين الأفضل والذي تتناسب ظروفه مع ظروفكِ، فإلم يأتِ فلا تستهلكي عمركِ وسمعتكِ بين يدي أشخاص ليسوا أهلًا أن يكونوا رفقاء مخلصين بالحياة، فبعض الحب لا يحتاج إلى اللسان، بل يحتاج إلى إنسان.
دي المشكلة.

اقرأ فى هذه السلسة:

“ قل شكوتك ”.. تنازلات إرادية

“ قل شكوتك ”.. الحب مقابل المال

زر الذهاب إلى الأعلى