تاريخ أغفله التاريخ: ظروف نشأة القوات الجوية المصرية ودورها فى حرب فلسطين 1948
سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس
هو واحد من أروع كتب التاريخ العسكرى المصرى، ولا تجد مثله فى أى بلد عربى أخر، وأول مرجع متكامل يؤرخ لنشأة القوات الجوية المصرية بالتفاصيل.
عنوان الكتاب: “القوة الجوية بين السياسة المصرية والإسرائيلية”.
صدر الكتاب محل المناقشة عام ١٩٩٣ ، فى عدد صفحات ٨٥٠ صفحة منها ٢٠٠ صفحة كاملة للوثائق فقط (!)
الكاتب لواء / جبر على جبر – خبير الحروب الجوية، والذى شارك فى حرب العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ خصص جزأين الجزء الأول يؤرخ للفترة مابين اعوام ١٩٢٢ الى ١٩٥٢ وينتهى عشية قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ المجيدة، والجزء الثانى لما بعد عام ١٩٥٢ حتى عام ١٩٧٩ .
الجزء الثانى من الكتاب، الغنى بذكر حروب مصر الجوية فى 56 و67 والإستنزاف و أكتوبر 73 لم يصدر إلى الآن.
سد الكتاب فجوة معرفية ضخمة فى المكتبة المصرية والعربية عن ظروف نشأة سلاح الجو المصرى والإسرائيلى معاً وظروف حرب فلسطين من المنظور الجوى
وسنقوم بإستعراض مختصر لمحتوى هذا المرجع الهام فى التالى:
مصادر البحث التاريخى
الكتاب اشتمل على وثائق لا حصر لها فكل سطر مدلل عليه بوثيقة او بمرجع مؤكد
– أكثر ما ارتكز عليه الكتاب كمية مهولة من المحافظ العسكرية المسلسلة خصوصا عن حرب فلسطين ١٩٤٨ فى مكتب المشير عامر
– المصدر الثانى الذى استرشد به المؤلف هو تقارير قادة القوات الجوية المصرية المتعاقبين والتى تلقى الضوء على سير العمل داخل مؤسسات ومطارات سلاح الطيران الملكى وظروف معركة فلسطين، والمصاعب الجمة التى عانتها القوات الجوية والكثير منها كان ضمن محافظ مكتب المشير عامر.
ـ تقارير القادة الانجليز المشرفين على تدريب قادة الاسراب الجوية الملكية المصرية
وتقارير قيادات الإمبراطورية الجوية البريطانية فى الشرق الأوسط
– تقارير ومراسلات السفارة البريطانية ووزارة الخارجية البريطانية المعنية بالشأن المصرى السياسى والعسكرى
– مذكرات سياسية تاريخية لمؤرخى تلك الحقبة من تاريخ مصر
– مذكرات وكتابات بعض القادة الإسرائيليين وخصوصا بن جوريون
– واخيرا مقابلات شخصية عام ١٩٨٨ و ١٩٨٩ مع بعض قادة الاسراب الذين شاركوا فى ملحمة حرب فلسطين
نشأة القوات الجوية المصرية
أما عن محاولات انشاء قوات جوية مصرية من الأساس فقد بدأتها حكومات عبد الخالق ثروت ومحمد محمود وحتى اسماعيل صدقى بجهود مخلصة منذ عام ١٩٢٢ ا أكثر اخلاصا وصلابة من جهود حزب الوفد نفسه لكن تعنت الانجليز من ناحية ومن ناحية أخرى كثرة تغيير الحكومات كسمة مميزة من سمات عدم الاستقرار السياسي فى العهد الملكى آخرا مولد سلاح الطبران المصرى حتى حلول عام ١٩٣٢
ويستعرض الكتاب أثر معاهدة عام ١٩٣٦ التى وقعتها حكومة الوفد على السلاح الجديد
وكذلك تصاعد احداث الحرب العالمية الثانية التى ارغمت بربطانيا على الموافقة على زيادة أعداد أسراب السلاح الجوى المصرى بقصد حماية مصالحها وقواتها فى المنطقة وكى يكون رديفا لسلاح الجو الملكى البريطانى فى الدفاع عن مصر نظرا لقيام القيادة الجوية الامبراطورية البريطانية بنقل الاسراب الأهم من مصر وافريقيا الى مسرح عمليات أوربا
وبعد نهاية الحرب وزوال خطر ألمانيا النازية عاد التعنت البريطانى حيال تزويد أو تحديث الجيش المصرى بالطائرات الجديدة أو تحديث ورفع كفاءة ما بيده من طائرات قديمة
دور سلاح الطيران المصرى فى حرب فلسطين عام 1948
تحدث الكاتب عن دور سلاح الطيران فى المرحلة الأولى من حرب فلسطين
رد الكتاب على اكاذيب أجنبية وإسرائيلية متداولة مثل أن اسرائيل إنسحبت من سيناء عام ١٩٤٩ فى المرحلة الأخيرة من الحرب نتيجة استغاثة الحكومة المصرية ببريطانيا بموجب معاهدة ١٩٣٦ الملزمة للاخيرة بالدفاع عن مصر ضد اى عدوان خارجى وهذه أكذوبة تكفل المؤرخ بنقضها من أساسها والحقيقة ان ما اجبر قوات العدو الإسرائيلي على الانسحاب من حول العريش ورفح وبير لحفن بوسط وشمال سيناء هو قيام الطيران المصرى بالتدخل بشن ضربات مزلزلة لسحق مفارز العدو التى تسللت من النقب مستغلة انشغال باقى الجيش فى اراضى فلسطين بقصد القيام بحركة واسعة تطويق القوات المصرية المقاتلة فى فلسطين وعزلها عن قواعدها الادارية فى العريش ورفح تمهيدا لفصلها عن باقى قوات مصر الأخرى التى تقاتل على ارض فلسطين للقضاء على كلاهما
كاد المخطط العسكرى الإسرائيلى ان يتم لنهايته لولا تعلق شرف مصر بأجنحة نسور الجو المصريين رغم قلة اعداد طائراتهم لم يتوانو لحظة عن التدخل لمنع هزيمة كاملة كادت ان تحل بمصر فى فلسطين
وعلى اثر الغارات الجوية المصرية فى الوقت المناسب اضطر الجيش الصهيونى للانسحاب بسرعة من سيناء دون ان يكمل كماشته المميتة لعزل القوات المصرية فى الفلوجة وغزة .. وقامت الطائرات المصرية بطلعات لستر إنسحاب القوات المصرية من العسلوج بفلسطين إلى سيناء لمواجهة العدو المخترق فى بسيناء
وصحيح ان القوات البرية المصرية لم تستغل غارات الطيران التى دحرت الهجمات الميكانيكيه المعادية بسبب قلة أعدادها فلم تقم بعملية مطاردة لفلول العدو المنسحب لوجود الوحدات المصرية بالكاد فى مواقع دفاعية لايقاف زحف العدو على رفح والعريش.
وكذلك ألقى الضوء على سعى الحكومة المصرية برئاسة النقراشى باشا للحصول على اى قطع سلاح للقوات المصرية فى ظل إحتدام الحرب من اى مكان بالعالم بأى سعر لانقاذ الوضع المتدهور فى فلسطين بعد فرض الأمم المتحدة هدنات متعاقبة لصالح إسرائيل
لدرجة أنه أمر بمصادرة بعض الطائرات التى كانت تعمل فى المجال المدنى وارسالها الى الجبهة بعد إعادة تسليحها لقذف القنابل وأيضا أصدر الاوامر بالتنقيب فى الصحراء الغربية عن بقايا المخلفات والمتروكات الحربية منذ الحرب العالمية الثانية للاطراف المتحاربة الإنجليزية والألمانية وراح يرسل اللجان تلو اللجان للبحث عن قنابل الطائرات بالذات لحاجة الطيران المصرى الماسة إليها لأن الدول الأوربية فرضت حظرا على الإمدادات بالأسلحة للقوات العربية ونتج عن ذلك القرار الأوربى تأثر موقف سلاح الجو بشدة
لم تجد مصر دولة اوربية قبلت إمداد مصر بالطائرات سوى ايطاليا لكن واجهت القيادة الجوية مشكلة فقد دخلت مصر حرب فلسطين دون استعداد ولا اسلحة كافية والتدريب على الطائرات والطائرات غير الانجليزيه تحتاج الى وقت طويل بينما ظروف الحرب لا تحتمل التأخير ولم يوجد بد ولاحيلة
بذل النسور جهودا خارقة فوق قدرات البشر لإستيعاب نظام الطائرات الايطاليه الجديدة فى اقل وقت من طراز( فيات) و (ماكى) التى تختلف عن الطائرات الانجليزيه التى اعتادوا عليها ونجحوا فى ذلك جزئيا وطاروا بالطائرات الايطاليه القليلة الجديدة ليواصلوا القتال بقدر استطاعتهم فى ظل ظروف حالكة السواد وتفوق صهيونى وتأمر دولى على القضية العربية الفلسطينية جاءت حكومة إبراهيم عبد الهادى خلفا لحكومة النقراشى بعد إغتياله التى لم تألو جهداً فى محاولات إمداد الجيش المصرى فى فلسطين بالمزيد من المعدات للإستمرار فى القتال
حتى الحاشية الملكية إشترت أسلحة بعمولات محترمة اتخمت بها جيوب افرادها وجيوب الملك فى قصة الاسلحة الفاسدة المشهورة
وانتهت حرب فلسطين بالنتائج المعروفة وبعدها عانت القوات الجوية الملكية معاناة مستمرة لاستعواض خسائرها واستكمال ما يلزمها ربما اكثر من ظروف الحرب نفسها وطرقت الحكومات المتعاقبة أبواب الشرق والغرب للحصول على مستلزمات الجيش من المعدات وجاء التعنت البريطانى كأسخف مايكون بين اعوام ٤٩ و ٥٢ لم تحصل مصر الا على سرب نفاثات فقط
وقامت ثورة يوليو وحالة القوات الجوية المصرية أسوأ مايكون حيث دخلت مرحلة الاحتضار تقريبا
فلا تدريب ولا ذخائر ولاصيانة بسبب تعنت بريطانيا فى تسليم المتعاقد عليه وعزوف حلفائها الأوروبيون عن توريد السلاح لمصر حتى ترضخ لبريطانيا فى عمل اتفاقية الشرق الأوسط للدفاع المشترك مع حلف الأطلسي ضد حلف وارسو
وجاء دور ثورة يوليو لتعانى الأمرين مع نفس المزودون بالسلاح ونفس الشروط المجحفة التى تكرس الوجود البريطانى فى مصر أكثر واستمرت المعاناة الى عام ١٩٥٥ ولهذا الحدث قصة أخرى فى الجزء الثانى الذى لم يصدر حتى الآن.