“قل شكوتك”.. فُندق الزوجية

كتبت: أسماء خليل

“أفتقِدهُ كثيرًا”.. هذا بحق ما أعانيه في تلك السنوات المتأخرة، صبرتُ كثيرًا بانتظار أمل وحلم ظننته بعيدًا، وبكل أسف وجدته كذلك، إنه حلم صعب المنال، ولا أعلم هل سيتحقق يومًا ما ؟!.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها السيدة “ه‍ . ع”، عبر البريد الإلكتروني راجيةً من الله – سبحانه وتعالى – أن تجد من يؤازرها نفسيًّا بمشوارها الذي تريد استكماله بالحياة.

الشكوى

أنا الزوجة التي انتظرت لسنوات صبرًا على أمل تحقيق الحلم المنشود؛ فأنا بالثانية والأربعين من سِني عمري، لديَّ ثلاث صبية تخطوا سن المراهقة منذ سنوات، منهم من أتم تعليمه الجامعي ومنهم من يزال بالجامعة التحاقًا بكليات القمة، أعيش بأحد المدن الحضرية، حاصلة على بكالوريوس تجارة.

نشأت وسط أسرةٍ يغلب عليها العنصر الذكوري، وسط أبي وأمي وأربع أخوة وجدي وعم لي لم يتزوج لظروف خاصة به، كان أبي تاجرًا ميسور الحال وأخوتي نصفهم شركاء أبي بالتجارة، والنصف الآخر موظفى حكومة، متزوجين جميعهم ولديهم أسرهم فهم يكبرونني ببضع سنوات، أستطيع القول بأن حياتي كانت مستقرة ببيت أبي.

تمت خطبتي بانتهاء عقدين من عمري، لشاب يكبرني بسبع سنوات، حاصل على بكالوريوس تجارة، كان والده ووالدته موظفان بأحد مؤسسات الدولة ولديه أختان تصغرنه، ورزقه الله – سبحانه وتعالى – بمنصب حكومي مرموق، وراتب مرتفع، ولديه شقة وسط المدينة، فتم الزواج وأنا بالواحد والعشرين من عمري، وسط أجواء مبهجة لكلا الأسرتين.

وجدتُ زوجي بعد دخول عش الزوجية رجلًا شديدًا عصبيًّا، انفعالاته أعلى من المواقف، ولكني صبرت وانشغلت مع أولادي، فالأمومة شعور بالسعادة المزدوجة يسعد الأبناء بأمهم وتسعد الأم بأبنائها في رحلة الحياة.

كان زوجي يعمل بشركة أخرى بعد انتهائه من العمل الحكومي، رغم أن الراتب من عمله الأول يكفينا، مرورًا بأنني زوجة راضية بأقل شيء وأحاول ألا أكلفه الكثير.

حينما علم والده بعمله طوال اليوم ورجوعه إلى منزله بعد الساعة العاشرة مساءً وهبه قطعة أرض زراعية كبيرة كان قد ورثها عن أبويه، ليأخذ إيجارها السنوي، فبتنا ببحبوحة أكثر ورغد من العيش، حينها عرضتُ على زوجي أن يترك العمل الآخر، ليشاركني في الحياة عاطفيًّا وبتربية الأبناء وخاصة أنهم صبية، ولكنه لم يوافق بكل الطرق، حتى بعد إلحاح من والده.

أكد لي زوجي أن العمل الإضافي راتبه كبير جدًا، وخسارة أن يتركه، سكتتُ وصبرتُ، وزوجي يخرج من البيت في الصباح الباكر ويعود بعد الساعة العاشرة ليلًا وربما أكثر، وبمرور الزمن شعرتُ بالحب يتعمق بيني وبين زوجي، وخاصة أنه أصبح اكثر هدوءًا، وظللتُ أحلم لو أنه يكون معنا بالمنزل بعد غروب الشمس على أقل تقدير نتناول وجبة العشاء سويًّا، أو نخرج ولو لمرة أو آنس بوجوده معي، ولكني مازلتُ أنتظر.

إلى أن حدث منذ عام وبالمصادفة؛ أن تعرفتُ على زوجة صديق لزوجي يعمل معه بالشركة التي يقضي فيها وقته بعد العمل؛ لأجد المفاجأة بأن تلك الشركة منذ خمس سنوات قامت بتصفية الكثير من نشاطاتها وقل الراتب الذي يتقاضاهُ الجميع بشكل كبير، ليصل إلى مبلغ زهيد جدا لا يكفي مصروف يومي لأولادنا !..

وقالت لي تلك السيدة إن زوجها هو الآخر رغم امتلاكه مشروعًا آخر، إلا أنه مصر على ذلك العمل لأنه يجتمع مع أصدقائه بشكل يومي ويتناولون وجبتي الغداء والعشاء سويًّا وسط أجواء مبهجة.

تأكدتُ بنفسي من تلك المعلومات، ثم واجهت زوجي، أن لماذا يتركنا أنا وأولادي دونما وجوده بحياتنا، وكان رد فعله طامة بالنسبة لي فقد هاج وثار، لدرجة أنه قال لي إذا لم تعجبكِ عيشتي فاتركيها.

صحيح إنه عاد واعتذر لي، ولكن دون أن ينثني عن رأيه، ما تزال الغُصة في قلبي، إنه لا يريد أن يجعلني رفيقته بشكل حقيقي، رغم شهادة الجميع لي بالطيبة والذكاء والجمال، إنه يرفض التواجد – بإرادته – مع أبنائه، يشاركنا حياتنا ونسعد بوجوده.

أجزمُ أنني أحبه، ولكنني أشعر أنني أعشق سرابًا خيالًا لإنسان يعيش بفندق وأنا النادلة التي أعطيه مفتاح الغرفة كل يوم ليبيت وفقط، وربما في بعض الأحيان يرحل ويعود في صمت دون أن أراه.

إنني في تلك المرحلة العمرية، وخاصة بعد أن كبر أولادي ويخططون لحياتهم القادمة، ومن المؤكد لا يبنون لي جدارًا في أحلامهم، أريد أن أشعر بوجود زوج رفيق جواري نتشارك في كثير من أمور الحياة.

لا أعلم ماذا أفعل.. هل أظل هكذا أعاني من الوحدة والحرمان العاطفي؟!.. أم ماذا أفعل؟!..

الحـــل

عزيزتي “ه‍ . ع” .. كان الله بالعون.
انظري إلى ذلك العنوان الذي أسميتُ به مشكلتك؛ “فندق الزوجية”.. وذلك المُسمى له مغزى، وهو توضيح أن هناك بعض الأزواج يتخذون من بيت الزوجية فندقًا، هو مبنى للبيات وفقط، وربما لا يعلمون من يسكنون جوارهم في غرف تلك العيشة مؤقتة الوجود.

هناك غياب للعنصر التربوية منذ الصغر داخل ذلك الطفل الفتى رجل المستقبل، وسط أم تدلل وأب لا يهتم أن يزرع داخل ابنه القيم والأُسس التي بها تستقيم الحياة الزوجية.

هناك مفاهيم مغلوطة لمعنى كلمة زواج، فهي بالأساس سَكن وشراكة ومودة، ليست تعنت وتشبث بالرأي الواحد وانفصال عاطفي ووحدة كلا الطرفين وانعزاله عن الطرف الآخر.

إن تلك النشأة بالصغر، تقود إلى رجال لا يريدون تحمل المسؤولية، وتفضيلهم البقاء خارج المنزل طوال اليوم، عن تكوين حياة أسرية يكن أحدهم فردًا منها أو على رأسها.

على أية حال عزيزتي، ليس بإمكانك هدم حياتك الزوجية والزج بأولاد شباب نحو الهاوية، فقد أوضحتُ لكِ أن زوجكِ نفسه ضحية المنظومة التربوية الخاطئة.

دعيه وشأنه، يومًا ما سيحتاج إليكِ.. إلى من يربت على كتفيه بيد مُحبة حانية، وسيلجأ إليكِ.. يومًا ما سيشعر بالإرهاق من تلك الحياة المتعبة بشوارعها وأرصفتها وغبارها، يومًا ما سيبحث عنكِ فظلي مكانكِ.

وما يثلج صدركِ حقًّا، أن الحياة العصرية جعلت كثير من الأزواج يعملون طوال اليوم بلا وقتٍ للراحة، للبحث عن لقمة العيش، حاولي تمرير تلك الفكرة على عقلك وارضي بها، ويكأن خروجه طوال اليوم ضرورة للعمل.

عزيزتي.. حاولي إسعاد نفسكِ داخل مملكتكِ الصغيرة، نظيمها كيف تشائين، واسعدي نفسك وارعي أبويكِ إذا كانا على قيد الحياة، وقومي بممارسة بعض الأنشطة التي تعود عليكِ بالنفع النفسي والسعادة، وانظري لنصف الكوب الممتلئ، وعددي النعم التي غُبِنَ بها البشر، فهناك بالعالم من هم بلا مأوى ولا أبناء يرافقونهم بالحياة.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

……………………………………………………………….

اقرأ فى هذه السلسلة:

“قل شكوتك”.. صورة للحلال في الحرام

زر الذهاب إلى الأعلى