“المدفع والنبوت”.. سردية د. مجدى هاشم التى توثّق مقاومة المصراوية للحملة الفرنسية
كتبت: أسماء خليل
هناك بعضٌ من الأعمال الفنية يعود أثرها على المُشاهد أو القارئ بإمتاع للروح وفقط، ولكن أن يكون العمل مزيجًا من المُتعة والتثقيف ويبث بالنفس الروح الوطنية وتدعيم الانتماء وحب البلاد، فهذا هو الإبداع الحقيقي.
ووسط خضم المعارك المتلاحقة التي يصوبها العدو الإسرائيلي للشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من الجميع في كل أنحاء العالم؛ قد ينسى البعض الكثير من نضال وإنجازات الشعوب وعلى رأسها مصر، وهذا ما حاول الكاتب د. مجدي هاشم تسليط الضوء عليه، فى روايته: “المدفع والنبوت.”
وفى الآتى نعيد قراءة هذه الرواية التى يعرفها الكاتب فى عنوان فرعى بأنها: “سردية عن مقاومة المصراوية للحملة الفرنسية” ، حيث تدور أحداث الرواية فى فترة غزو الحملة الفرنسية لمصر، والتى يحاول الكاتب فى روايته الإحاطة بتفاصيل تلك الفترة التاريخية المهمة، ويوثقها من الناحية التاريخية.
تحكي الرواية عن الفترة الزمنية التي شهدت فيها مصر تلك الحملة تحت قيادة نابليون بونابرت، حيث صنف المؤرخون تلك الفترة بأنها من أهم فترات التاريخ المصري، فقد شهدت مصر تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة.
ونشير بداية إلى أن الكاتب، قدم للشخصيات والأحداث التي مرت بها المحروسة في هذه الفترة التاريخية المهمة؛ بطرق متنوعة ومعقدة فى ذات الوقت، لتعكس بدقة الظروف الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة، وفى قالب من الأحداث المثيرة والمشوقة، وقد وجَّه اهتمامًا خاصًّا بالتفاصيل التاريخية الدقيقة، كما أن الرواية رسمت بدقة الأحداث التي وقعت خلال الحملة الفرنسية في مصر.
وتبرز في الرواية شخصيات قوية ومؤثرة بالإضافة إلى السيد”محمد كُريم”، تجسد مختلف جوانب المجتمع المصري في ذلك الوقت، مما يضفي على الرواية عمقًا وجاذبية كبيرة للقارئ. كما يظهر في الرواية رسالة قوية عن أهمية فهم التاريخ والحفاظ على التراث الثقافي للأمم مصر.
هدف الكاتب في تلك الرواية ارتقى بسرده؛ حينها كان باستطاعته تقديم حروف التاريخ وسط سطورٍ من الأمل، لينمي الروح الوطنية بغرس فسيلة الفداء داخل الأراضي الخصبة لقلوب الشباب، وعلى جانب آخر فقد مزج الكاتب بين الجانب المادي والمعنوي بشكل رائع؛ حيث إنك تستطيع أن تعيش في تلك الرواية ليس كواحدٍ فقط من أبطالها الذين تتمنى أن تكون منهم؛ بل إنك تلمَس بكيانك الجدران الناعمة، والأرضيات الملساء والمُعوجة، وصوت الأمواج وصهيل الخيول.
والرواية تقدم صورة واقعية شاملة للأحداث التي جرت خلال هذه الحملة، من خلال سرد دقيق وواقعي للأحداث والشخصيات التاريخية التي شاركت فيها، حيث يظهر في الرواية تفاصيل مثيرة عن المعارك والصراعات السياسية التي جرت بين الجانب الفرنسي والجانب المصري، بالإضافة إلى تأثير هذه الأحداث على حياة الشعب المصري.
وسلط الكاتب الضوء – فى روايته – على الرموز الوطنية العظيمة التي شكلت تاريخ مصر والمصريين، وحاول تقديمها كقدوة؛ ومن أبرزهم السيد “محمد كُُريم”، وعرض ما حدث في حياته التي كرسها لخدمة وطنه الأعظم، إلى أن روى أرض بلده بدمائه الطاهرة، وبرع الكاتب في وصف مشاعر المصريين وعيونهم الكلمى وهم يتتبعون جثة ذلك الزعيم الوطني، ورسم صورة حية محسوسة لمسها القارئ، فقد شعر حقًّا بتهدج أنفاس وقلوب المصريين التي تكاد أن تختلع من مكانها، ورغم ذلك أشار مؤكدًا من خلال السرد الشيق رغم الألم، أن مصر باقية رغم زوال أهم الأشخاص.
كما استطاع هاشم أن يصور تلك الحقبة الزمنية، وكيفية مرورها مُتثاقلة على أهلها، وكيف أن الناس في ذلك الزمان كان قاموس المعرفة لديهم لا يحتوي سوى على الكلمات الدالة على ما يمرون به ويعيشونه، مثل؛ قرع الطبول وأجراس الخطر والعربات الحربية والأسطول والإعدام والجلد والشنق والنفي والتجبر والتسلط والدم، والدخان والفزع والخوف والتضحية والفقر والمرض، والسلاح والوحوش والنزاعات والفتن والقتال والسيوف والجنود والبطش والاضمحلال…إلخ، بل وكل ما يندرج تحت كلمة حرب.
وراعى استخدام الألفاظ المناسبة والمتناسبة مع سياق الرواية وشخصياتها، مراعيًا استخدام اللغة وتجنب التكرارات غير المبررة، بالإضافة إلى ذلك، فاللغة والأسلوب الأدبي المستخدمان في الرواية ملهمان وجذابان، مما يجعل القارئ يشعر أنه جزء من العالم الذي يصوره الكاتب، وكذلك فالرواية دعوة لتحفيز التفكير في كيفية المعاناة التي عاشها أجدادنا في الحِقب الزمنية السابقة، فنستطيع القول أن الكاتب استخدم صورًا أسهمت في إثراء تجارب القارئ، فكانت الصور واضحة وموضوعية، وقد استخدم أساليب سرد مثيرة، إذ أنَّ هناك ابتكارًا في استخدام التشبيهات.
وما برع الكاتب في تصويره ونقله للقارئ؛ هو مدى تأثير “نابليون بونابرت على المصريين بشكل كبير إيجابًا وسلبًا، وظهر ذلك في تسليطه الضوء على فترة حكمه لمصر من عام 1798 إلى 1801. فذكر ما قام به الرجل من دعم للعلماء والأدباء في مصر، مما أدى إلى ازدهار العلوم والفنون في هذه الفترة وتحسين البنية التحتية، مثل إعادة بناء المدارس والجسور وإصلاح شبكة الطرق، وتشجيعه على تطوير نظام التعليم.
وعلى الجانب الآخر أشار إلى الأغراض الخفية التي دسها نابليون في قلبه، وبدت آثارها الحقيقية على أرض الواقع متمثلة في اضطهاد المصريين بفرض سلطة صارمة عليهم؛ حيث حظر حقوقهم وحرمهم من المشاركة في حكم بلادهم مستغلًا طيبتهم، كما خدش قداسة المؤسسات المصرية والكثير من رموزها، فأوضح الكاتب سوداوية تلك الفترة الزمنية على المصريين.