لمى المفتى تكتب: على عروش الياسمين  

بيان

دمشق الياسمين: عطر التاريخ وجمال الحاضر
دمشق الياسمين، كلما تحدثنا عن دمشق، جاء جلياً في حديثنا سردٌ مطوّل يذكيه الكلام عن زهرها الياسمين، حتى عرفت دمشق بعاصمة الياسمين ووطنه.

فقد أوجدت هذه الزهرة علاقة وارتباطاً وثيقاً بكل شارع من شوارعها، فتدلت من الشرفات وتعرشت في حدائق المقاهي والمنتزهات وعتبات البيوت، قديمها وحديثها. ارتبط اسمها بالهوية السورية، وشجيرة الياسمين، صغيرةٌ لكنها مترسخة في الأرض، عمرها عمر التاريخ، والكلام عنها يعلو كل السطور، مثل الكلام عن قاسيون وبردى وأسواق دمشق وأبوابها وكل معالم دمشق الأصيلة.

فقد كانت أحد ميزات البيت الدمشقي، ولطالما كانت تضفي على الجلسات جمالاً خاصاً، سواء بمنظرها الخلاب أو شذاها وعطرها الذي يرد الروح. زراعة الياسمين كانت في البيت العربي وأرض الديار، ما يعرف بالبيت الدمشقي القديم، ثم انتقلت وانتشرت إلى مداخل الأبنية الحديثة وشرفاتها، وأفترشت الأرصفة بزهراتها المتطايرة من كل مكان، لتجعل من شوارع دمشق صورة بديعة تنعش الحياة فيها.

الياسمين، استُخدم كاسم علم وانتشر في كثير من البلدان العربية، ويدل بمعناه على “الفتاة صاحبة الإرادة”. وبمعاني أخرى للاسم “هبة من الله”. لُقبت زهرة الياسمين “ملكة الزهور”، وذلك لتفردها بعطر سحري جذاب ذكي، فتهافت إليها صانعي العطور، واستُخدمت في كثير من العطور العربية والباريسية المشهورة.

لعطرها شيئٌ من الخصوصية يميزها، ولعبقها أطياف تمتد لتصل بالحنين إلى أعمق بقعة في النفس، فيفيض الشوق إلى وطنها.

فالياسمين ينبوع جمال، حديثه لحن، والتغني بها يلامس القلب ويلهب المشاعر ويلم الشتات.

وصورتها تعيدنا إلى كل تفاصيل حياة السوريين، فتجمع شملهم وتذكرهم بصوت فيروز وفنجان قهوة الصباح في شرفات البيوت.

وتلك السلاسل التي ضمتها أيادي الجدات بخيط لصنع عقد يضاهي بجماله أجمل زينة، تزينت بها قلوب بقيت معلقة بأرض الياسمين.

فلو زرعت هذه الزهرة في أي مكان، لا تعطيك تلك الرائحة الممزوجة برائحة الوطن.

وهناك يسكن الزمان، وتبقى فقط الأماكن صورة، وكأنها خريطة طريق.

هي زهرة كالنجمة تتلألأ على غصنها، ويذداد عطرها بعد غروب الشمس.

وحتى لو وقعت وتجسدت على الأرض، تبقى تفوح بعطرها الساحر.

فهي ليست مجرد زهرة تزين باحات البيوت القديمة أو شرفات البيوت الحديثة، هي تاريخ الأجداد، وستبقى حاضرة للأجيال القادمة، ما دامت دمشق وطن الياسمين.

حكاياتها لا تنتهي، أما عن حكايتها مع الشاعر السوري المعروف “نزار قباني” بدأت منذ نعومة أظافره، فنشأ وترعرع في ظلالها، وأصبحت ملهمته.

وخصها بديوان شعر سمعناه “أبجدية الياسمين” وأظهر حبه لها في حياته وحتى في مماته، حين وصى أن يدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينه دمشق.

وأشهر أبيات الشعر له:

لا أستطيع أن أكتب عن دمشق دون أن يعرش الياسمين على أصابعي.

وكتب في قصيدة أخرى:

للياسمين حقوق في منازلنا
وقطة البيت تغفو حين ترتاح

في أبيات أخرى خصها الشاعر “محمود درويش” فقال عن هذا:

لا تعتذر عما فعلت في الشام
اعرف أنا وسط الزحام
يدلني قمر تلألأ في يد امرأة
يدلني حجر توضأ في الدموع ثم نام

ما أروع هذه الكلمات في مسمع كل مغترب عن دمشق الياسمين!

فلو تحدثنا عن الجمال، سنكتفي بذكره ودمتم.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى