” قل شكوتك “.. أوقف القطار بتلك المحطة

كتبت: أسماء خليل

“مجذوب ليلى”.. لم أكن أتوقع يومًا أن أبوح – بما يكنه صدري من آلام- لأي أحد بالعالم، وكان عزائي الوحيد أنني لم أصرح باسمي، أشعر بحق أنني مجذوب ليلى، والآن أعترف أنه قد تثنى لي معرفة شعور قيس حينما وصفه العالم بالجنون، وياليت ليلى – بعد كل ما حدث – تكن لي.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلها “ف.س” عبر البريد الإلكتروني راجيًا من الله تعالى أن يجد من يؤازره في آلامه، التي يعتقد كل من حوله أنها مجرد تفاهات، دون الشعور بما يختلج نفسه.

الشكوى

أنا “ف.س” زوجٌ منذ ثلاثة عشر عامًا، وقد أوشكت أن أتم الأربعين من سني عمري، أعمل محاسبًا في أحد البنوك وأعيش بإحدى مدن الدلتا، في بيت أبي رحمه الله، فقد كان نعم الأب ما جعلنا يومًا نتكفف الناس رغم ضيق حاله، وكذلك أمي السيدة البسيطة التي لم يكن يشغلها سوى أن نقتات ونتعلم دونما عوز لأي مارٍّ بالحياة.

تزوجتُ من فتاة هي بالحي جارتنا، كانت جميلة الجوهر والمنظر، وتحمل مؤهلًا متوسطًا، ولكنها كانت من أسرة فقيرة الحال جدا وأقل من وسطنا الاجتماعي بكثير، وما برحت أمي تقدم لي شيئا من خبرتها وتنصحني بأن الفقيرة ستعيش وترضى مهما تكن الظروف، وقد كان.

وما إن وطئت قدم زوجتي منزلنا حتى جعلتني سيدًا فسدتُ، كم هي زوجة مطيعة جدا حنون القلب، ماهرة في كل شيء، رزقنا الله بصبيين ولم يكن اهتمامها بأولادنا يقتص جزءًا واحدًا من اهتمامها بي، والأكثر من ذلك أنها ترعى أمي التي تعيش معنا بالطابق الأول.

مرت السنون وزوجتي تقدس الحياة الزوجية، وأنا على النقيض بدأت أستشعر قيودًا لا أعلم لماذا!.. لم أكن حينها أريد التحرر ولكنه الملل، إلى أن كنت يومًا في طريق العودة إلى المنزل عائدًا من العمل؛ حتى قابلتُ امرأةً على الطريق وبصحبتها ابنة تتأوه وأشارت لي فسرعان ما أوقفتُ سيارتي، ففالت لي أرجوك إلى أقرب مستشفى فابنتي في حالة خطرة.

من هنا تعرفتُ على تلك المرأة، إنها مطلقة ثلاثينية العمر، أقل جمالًا من زوجتي، لم أتركها يومها حتى استفاقت ابنتها وعادت بخير، فانجذبتْ لي المرأة وأثنت على شهامتي.

لا أعلم لماذا تعلقتُ بها ؟!.. شعرت بابتسامات صافية داخل روحي.. نقاء كاد أن يحيلني ملاكًا، الأهم أنني تمسكتُ بها، وهي – أيضًا – وافقت على الزواج العرفي لظروف حياتي، لم أفكر في زوجتي أم أولادي قط، وكأنني أتزوج لأول مرة.

الأهم أن مشكلتي – الآن – مع تلك الزوجة الجديدة فطبعها صعبٌ جدًا، أحايلها وأدللها ولم تجعلني سيدًا!.. أعشقها عشقًا لدرجة أنني كدتُ أفقد روحي بدونها.. أتصل بها عشرات المرات، لا ترد سوى مرتين فقط، أنا واثق تمام الثقة من أخلاقها، ولكني أريد أن أكون لها كل حياتها كما هي لي.. نتشاجر عشرات المرات وكم مرة نفسخ عقد الزواج العرفي، ولكني لا أستطيع الاستغناء عنها.

علمت زوجتي الأولى بما استجد في حياتي؛ فذهبت لدار أبيها، ولكني تمسكتُ بحبيبتي، وعرضت عليها الزواج الرسمي ولكنها أبت خشية انقطاع معاش أبيها عنها بعدما زاد كثيرًا.

عادت زوجتي أم أولادي لدارنا، وصدقت أمي حينما أخبرتني بأن الفقراء لا حيلة لهم، ولكن أصاب التوتر علاقتنا.. حالة من اللوم والفتور .. ولكني مازلتُ أحب من تُخاصمني ساعة وتصالحني ساعة.. إنها تُقتِّر عليَّ الحب .. وأنا أنتظر الفُتات.

إنني متيقنٌ تمام التيقن أن زوجتي الأولى عادت للمنزل ليس بسبب ضيق حال أهلها، ولكنها تحبني وأولادي وأمي.. إنها أصيلة.. وأنا لا أعلم ماذا دهاني وأفقدني صوابي، إن تلك المرأة الحديثة العهد بحياتي – بحق- لديها الكثير مما يجعلها حلم أي رجل، بيد أنها تذيقني الويلات وانا أصبر.

أكن لها العاشق المتصابي، ثم أعود لدار أمي وزوجتي وأولادي “سي السيد”، ماذا أفعل بحق الله فقد جُنَّ جنوني، وما برحت أحلم بكابوس تركها لي إلى الأبد؟!.

الحل

إنَّ الحب الحقيقي هو حالة معنوية فائقة الإحساس، يُشْعِرُ فيها المحب حبيبه بحلاوة الحياة..

عزيزي إذا لم تكن تشعر بحلاوة الدنيا وأنت مع تلك المرأة؛ فقم بتسمية الحالة التي أنت عليها بأى اسم غير الحب !.

ربما ملل كما ذكرت، أو كسر لروتين الحياة المعهود.. ربما نزوة.. محاولة للتنصل من الأعباء المعنوية للحياة الزوجية.. قل ما شئت، فكيف تعشق من لم ييسر لك سبل العشق!.

ومن جانب آخر يؤكد كثير من استشاري الإرشاد الأسري والنفسي – في الآونة الأخيرة – أن بعضًا من الرجال “يعشقون معذبتهم”.. ها أنت ذا يا عزيزي، تعشق معذبتك عشقًا من الطراز الرفيع، وتزهد فيما ملكت يمينك !!.

لقد استقر في نفسك أنك ربما تفقد تلك المرأة في أي وقت، فأصبحت تتمسك بها أكثر خشية فقدانها .. ولكنك إذا أمعنت التفكر لوجدت أن “مجنون ليلى” كان يستقي قوته وصبره – في اللهث وراء محبوبته تلك – من مدى تمسكها به.

إن تلك الزوجة الجديدة – غير الشرعية – لا تُعيرك نفس اهتمامك بها.. لا تقدم لك السعادة.. تـعذبك .. ترواغك.. وأنت تعشق الذل والمراوغة !!.. إنها تدفعك دفعًا وتؤزك على تركها ما بين الحين والآخر؛ فأين المعنى الحقيقي للزواج الذي يشتمل على الحب والمودة والرحمة والسكن وكثير من المعاني السامية التي تجعل الحياة جنة؟!.

ولكن للأسف الشديد هناك من يتناسون كل ذلك، ولا يثبت يقينًا داخل نفوسهم سوى أن الزواج له مفهوم واحد فقط، وهو : “ المصلحة الاجتماعية”، كما فعلت أنت مع زوجتك الأولى، كانت مجرد محطة في حياتك عليك أن تدركها، رغم أن “هناك من لا يصلحون للزواج” !.. وعلى ذلك فبمجرد انتهاء المصالح يريد الشريك التنصل من تلك الشراكة..

إنني أخص الرجال أكثر من النساء، فإذا عقدنا مقارنة منصفة، فالرجال هم أكثر جَورًا، فالمرأة الأصيلة تدخل بيت زوجها ابتغاءًا للحب واستمرار الحياة الزوجية بكل معانيها السابقة، والرجال لا يشغلهم الأمر كثيرًا.

لا تهنْ كرامتك وتعود لدارك بلا كرامة، وأين العدل في كونك تزوجت من امرأتين، هل حققت مُراد الله في آياته “وإن خفتم ألَّا تعدلوا فواحدة”.. أين العدل وأنت تهمل واحدة وتكرس جهدك باللهث وراء الأخرى عساك اللحاق بها!!.

عزيزي إنك – الآن – كمن خرج من داره فقل مقداره، عُد إلى دارك.. حيث الحب.. الأمان.. السند.. الأبناء.. الأم الوطن.. وكذلك المُتعة، فالزوجة الصالحة خير متاع الدنيا.. عُد قبل أن يرحل القطار ولا يكن باستطاعتك الوقوف بأى محطة.. راحةٌ دائمة خيرٌ من مُتع وقتية.

اترك مُعذبتكِ وأعد ترتيب أوراقك بالحياة تخير المرأة التي ستحبك وترعاك في كل فصول عمرك.. لا تُبقِ على واحدةٍ زهدت عنك بربيع العمر.. فكيف إذا أتاك الخريف؟!.

اقرأ فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى