تجنيد الشباب في صفوف داعش يتصاعد في البادية السورية

إعداد: أشرف التهامي

شكّلت الظروف التي شهدتها سوريا بعد عام 2011 “فرصة ثمينة” لتنظيم داعش، سرعان ما اغتنمها ليعلن في 2014 ما يعرف بـ”دولة الخلافة”.

وعلى الرغم من إنهاء المسرح المكاني في 2019، لا يزال مؤشر الخطر قائما وتزداد معه المخاوف المتعلقة بـ”العودة وإعادة البناء”، في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة.
وفى تقرير لها، أوردت صحيفة وول ستريت جورنال في الثالث عشر من الشهر الحالي أن البادية السورية تشهد تصاعدًا في تجنيد الشباب ضمن صفوف تنظيم داعش، حيث يُعدّون ليصبحوا انتحاريين وينفذون هجمات ضد قوات التحالف.
وفي مواجهة هذه الظاهرة، تقوم الطائرات الأمريكية بشن غارات جوية وتقديم دعم المراقبة للقوات البرية التي تستهدف خلايا يُشتبه بانتمائها للتنظيم، بحسب الصحيفة.
وقد أعلنت القوات الأمنية المتحالفة مع الولايات المتحدة عن اعتقال 233 فردًا من داعش في 28 عملية خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري.
ومنذ بداية هذاالعام، قامت الطائرات الأمريكية بثلاث ضربات جوية ضد أهداف لداعش في سوريا، وضربة واحدة في العراق.

بيانات وزارة الدفاع الأمريكية

وتُظهر البيانات الصادرة عن بيانات وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن الولايات المتحدة، التي تمتلك 900 عنصر عسكري ومدني في سوريا و2500 في العراق، نفذت أربع هجمات ضد داعش خلال العام الماضي، وساهمت في نحو 50 غارة جوية إضافية قامت بها القوات الجوية العراقية منذ بداية العام الماضي.
وتصاعد تجنيد الشبان في صفوف داعش يعود إلى عدة أسباب متداخلة، ومنها، الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فالفقر والبطالة وانعدام الأمن الاقتصادي يمكن أن يدفع الشبان نحو الانضمام للتنظيمات المتطرفة بحثًا عن الاستقرار المالي أو الهوية الاجتماعية.
وكذلك الفراغ السياسي والأمني، ففي مناطق النزاعات والحروب، يمكن للتنظيمات المتطرفة أن تستغل الفراغ السياسي والأمني لتجنيد الشبان، مستخدمة الأيديولوجيا المتطرفة كوسيلة لتوفير شعور بالغرض والانتماء.
بجانب الدعاية والتجنيد الإلكتروني، باستخدام داعش للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر دعايته وجذب الشبان، خاصة أولئك الذين يشعرون بالعزلة أو الغضب تجاه مجتمعاتهم، إضافة إلى الأبعاد الطائفية، حيث يستغل داعش الانقسامات الطائفية والعرقية لتجنيد الشبان، مستهدفًا تكريس حالة الانقسام والصراع داخل المجتمعات.
وردا على سؤال حول عدد أفراد التنظيم الارهابي، قال المتحدث الإعلامي باسم “قسد” الانفصالية سايمند علي إنه ما من أرقام واضحة، لكن التقديرات تشير إلى أن هناك على الأرض السورية بشكل عام، أكثر من 10 آلاف مقاتل من داعش يعملون بشكل متخفٍّ، وفق قوله.

داعش يراهن على “قبلة حياة” في سوريا

كما سلطت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الضوء على تلك التحذيرات، ونقلت عن مسؤولين أميركيين وآخرين محليين تفاصيل “حملة خفية” يتم العمل عليها “بهدوء” بمواجهة تحركات داعش المتصاعدة.
وبينما يدق المسؤولون ناقوس الخطر، يكشفون أن خطر التنظيم الإرهابي بات يأخذ منحا تصاعديا في ظل حالة الانشغال المتعلقة بحرب غزة وارتداداتها على المنطقة التي شملت مؤخرا الهجمات التي تنفذها إيران و وكلائها بالمنطقة، ويؤكد خبراء ومراقبون لموقع “الحرة” ذلك.
ويوضح الخبراء، وهم الباحث الأميركي راين بوهل، والباحث في شؤون الجماعات المتشددة حسن أبو هنية، والباحث السوري سعد الشارع ،أن داعش يراهن في الوقت الحالي على “قبلة حياة” قد يؤسس بواسطتها من جديد.
وضاعف مسلحو داعش وتيرة هجماتهم في سوريا والعراق هذا العام واستهدفوا نقاط تفتيش أمنية، وفجروا سيارات مفخخة.
كما خططوا، بحسب “وول ستريت جورنال”، لتحرير الآلاف من رفاقهم المسجونين، منذ استعادت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الانفصالية والتحالف الغربي بقيادة واشنطن مدينة الباغوز، آخر معقل للتنظيم في سوريا.
وتوضح الصحيفة أن الطائرات الأميركية تنفذ غارات وتوفر مراقبة جوية حية لـ”قسد” الانفصالية التي تقود على الأرض عمليات ضد خلايا يشتبه في أنها تابعة لداعش.
وتقول إن الحملة المذكورة “لم تحظ بتغطية إعلامية كافية”، وتنقل عن ضابط من القوات الخاصة الأميركية المتمركزة في سوريا قوله: “ما نراه هو حركة الرجال والأسلحة والمعدات”.
وفي غضون ذلك، أفاد قياديون من “قسد” الانفصالية أنهم أسروا 233 مسلحا مشتبها بانتمائهم لداعش في 28 عملية، وذلك في الأشهر السبعة الأولى من العام، وأوضحت القيادية الانفصالية روهيلات عفرين أن عام 2024 “كان الأسوأ منذ هزيمة داعش”.
وقالت في مقابلة مع الصحيفة الأميركية: “بغض النظر عن مدى هزيمتهم، سيحاولون النهوض مرة أخرى”.

أين ينتشر داعش في سوريا؟

ينشط داعش الآن في سوريا بمجموعات تنتشر في منطقة البادية السورية مترامية الأطراف، وفي العراق يأخذ شكل المفارز، المكونة من أعداد محدودة وشرسة في ذات الوقت.
وبعد عام 2019، ورغم انحسار مناطق نفوذه في سوريا على البادية، لم تتوقف هجماته باتجاه المناطق التي تسيطر عليها “قسد” الانفصالية والدولة السورية، وكذلك الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الارهابية في شمال غرب سوريا.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإن محاولة داعش للعودة مجددا، تمثل تحديا مختلفا عن التحدي الذي فرضه في أوج قوته، عندما كان يسيطر على مساحات في سوريا والعراق تقدر بـ38 ألف كيلومتر مربع.
والدور الذي سيلعبه التحالف الدولي تحت القيادة الأميركية في المنطقة خلال الأشهر والسنوات المقبلة “أصبح معقدا”، بسبب حالة عدم اليقين خلال المفاوضات الدبلوماسية المتعلقة بحرب غزة والانتخابات الأميركية المقبلة، وفق ما جاء في تقرير الصحيفة.
ونقلت عن المتحدث باسم “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لـ”الإدارة الذاتية”الانفصالية ، العميد علي الحسن، أنه في حال انسحاب القوات الأميركية “سنرى فوضى لم نشهدها من قبل. أي انسحاب من شأنه أن يؤدي إلى تنشيط الخلايا النائمة على الفور”.

صعود واضح

وهذه ليست المرة الأولى هذا العام التي يعرب فيها المسؤولون الأميركيون والمسؤولين في “قسد” الانفصالية عن مخاوفهم المتجددة بشأن أنشطة داعش في سوريا.
ففي أبريل الماضي قالت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) إن عدد مسلحي التنظيم الإرهابي نما إلى نحو 2500 في مختلف أنحاء سوريا والعراق، وهو أكثر من ضعف التقديرات السابقة التي صدرت في يناير2024.
ويقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، إنه وما بعد السابع من أكتوبر 2023 انتشرت تقارير واضحة عن تصاعد هجمات داعش في سوريا.
وجاءت تلك التقارير “التي لا تخطئها العين” من جانب الولايات المتحدة ومن تنظيم داعش بنفسه، وفق حديث أبو هنية.
ويشير في حديثه لموقع “الحرة” إلى “فسحة أمنية” بات يستغلها داعش لتصعيد أنشطته في الوقت الحالي. وتشمل تلك الأنشطة إعادة الهيكلة والبناء من خلال العمل كمنظمة لا مركزية.
وترتبط “الفسحة” كما اعتبرها أبو هنية بحالة الانشغال العامة التي تشهدها المنطقة، التي تولي لها الولايات المتحدة اهتماما كبيرا، ويذهب باتجاه تخفيف مخاطر التصعيد المرتبط بحرب غزة.
وعند النظر بعيدا عن سوريا، تتوسع صورة التصعيد في الأنشطة على نحو أكبر، خاصة في أفريقيا، وحين شهدنا هجمات التنظيم في موسكو وإيران وسلطنة عمّان، بحسب الباحث في شؤون الجماعات المتشددة.

“نوعي أكثر من عددي”

ومن جهته يوضح الباحث السوري، سعد الشارع أن تصعيد أنشطة داعش في سوريا، منذ بداية 2024، كان نوعيا، وليس فقط على مستوى العدد والانتشار الواسع في منطقة البوادي.
ويقول لموقع “الحرة” إن البعض من هجماته كان دقيقا ومبنيا على عمليات رصد استهدفت الشخصيات الأمنية والأرتال العسكرية، التي تتحرك على الطرق الرئيسية.
ودائما ما يستغل التنظيم الهفوات الأمنية والوضع الأمني الهش، وفق حديث الباحث السوري.
وفي سوريا بالتحديد تتمثل تلك “الهفوات” وفقا لقوله بما تقوم به إيران و وكلائها بالمنطقة من استهدافات متكررة للقواعد الأميركية، والاقتتال الحاصل على طرفي نهر الفرات.
ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن “داعش وبكل تأكيد يحاول التوسع وإعادة البناء في الوقت الحالي بسوريا، وفي ظل القتال الحاصل بين خصومه”.
وفي حين تحتفظ الولايات المتحدة بالقدرة على تنفيذ مهام مكافحة الإرهاب والحماية من خصوم مثل إيران، فإن هناك تساؤلا بشأن الإرادة السياسية للقيام بكلا الأمرين في نفس الوقت، كما يضيف بوهل لموقع “الحرة”.
ويوضح أنه، ومع تصاعد المواجهات الإقليمية واضطرار الولايات المتحدة إلى مواجهة التحديات في أوروبا وآسيا، فإن السؤال يظل مفتوحا أيضا “حول ما إذا كانت واشنطن ستواصل هذا الالتزام المفتوح ضد داعش في الأمد المتوسط أم لا”.

“قبلة حياة وانتهاز فرص”

وبحسب ما نقلته “وول ستريت جورنال” عن ضباط في التحالف يحشد داعش قواته في الوقت الحالي في البادية السورية، ويدرب مجندين شبانا ليوجهوا ضرباتهم للتحالف و”قسد” الانفصالية ويستعيدوا “حلم الخلافة”.
كما يبني التنظيم صفوفه من خلال تلقين الشباب أفكاره سرا في معسكرات تحتجز الآلاف من زوجات وأطفال مسلحي التنظيم المعتقلين.
واستنادا للواقع المرتبط بالتنظيم الارهابي يرى الباحث السوري، سعد الشارع، أن داعش “ربما يريد انتهاز الفرصة الحالية.. التي قد لا تتكرر في وقت لاحق”.
ولا تخرج تفاصيل “الفرصة” التي يحاول استغلالها الآن عن الوضع الأمني في شمال شرق سوريا وكرة اللهب التي تحيط بسوريا.
ويؤكد على ذلك الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، إذ يقول إن “داعش لديه خبرة طويلة في انتهاز الفرص والظروف الموضوعية”.
وكما الحالة التي خيمت على سوريا بعد 2011 “لا تزال الأسباب الجذرية لحالة التطرف والإرهاب موجودة”، وفق قول أبو هنية.
ويضاف إليها غياب الحل السياسي، سواء في سوريا والعراق، وتصدّر قضايا البطالة والطائفية والفقر، وصولا إلى الظرف الإقليمي المتعلق بحرب غزة، وحالة الانشغال الأميركي، والترقب الحاصل بشأن “الرد الإيراني”، ومن جانب “محور المقاومة”.
ويتابع أبو هنية: “داعش يشعر الآن بنوع من الراحة، وإذا انزلقت الأمور إلى حرب إقليمية وانسحاب أميركي فإن الحلفاء المحليين لواشنطن سيكونون في وضع صعب”.
وقد تكون الظروف الحالية أيضا بمثابة “قبلة حياة جديدة” للتنظيم كما حدث بعد عام 2011، على حد تعبير الباحث في شؤون الجماعات المتشددة.

“قواطع وثغرات”

وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن 153 هجوما في سوريا والعراق خلال الأشهر الستة الأولى من العام.
وفي تعليقات سابقة لـ”فويس أوف أميركا” أشار آرون زيلين، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن “ثلثي هجمات داعش في العراق وسوريا تأتي من سوريا”.
وأوضح، في يوليو الماضي، أن الوضع على الأرض ربما يكون أكثر خطورة مما تشير إليه الأرقام، لاسيما أنه منذ عام 2020 كان لدى داعش استراتيجية أو سياسة تتمثل في التقليل من التقارير عن مزاعمه في سوريا.
ويوضح الباحث الشارع أن نشاط داعش في البادية السورية يساعده على شن عمليات عسكرية وأمنية بسرعة وبسهولة، وغالبا ما تكون موجعة للطرف الآخر.
ويقول من ناحية أخرى إن البعض من “قواطعه” المنشرة في الجغرافيا السورية “مخترقة” من قبل جهات معينة. وربما تستطيع هذه الجهات استخدام الشخصيات الأمنية فيها لتوجيه عمليات ضد أهداف بعينها.
وبوجهة نظر الباحث أبو هنية يبدو أن التنظيم الارهابي يراهن على “انسحاب أميركي من سوريا”، وفي حال حدوث ذلك “سيكون الأمر بمثابة هدية كبرى له”.
ويقول إنه “يعيد الهيكلة وينظم صفوفه في تصاعد محسوب، ووفق براغماتية، مما يزيد من قدرته على الاستقطاب والتجنيد ومن ثم تنفيذ العمليات”.
كما يؤكد الباحث أبو هنية أن “الظروف التي تخيم على المنطقة الآن تخدم ما حدث بعد 2011”.
وفي حين أن “ورقة داعش قوية ومتوقعة وقت يسحبها التنظيم الارهابي في أي وقت” يستبعد الباحث الشارع أن يسيطر على مناطق جغرافية كبيرة بعينها.
ومع ذلك يشير إلى أن الأمر يتعلق بالتطورات الأمنية في المنطقة ومؤشرات “الهشاشة الأمنية” على الخارطة العسكرية في سوريا.
وبدوره يعتقد الباحث الأميركي بوهل أن الطريقة الوحيدة للقضاء على داعش بشكل كامل في سوريا هي “التوصل إلى حل سياسي ينهي محركات تجنيده وقدراته على الحفاظ على وجود سري في البلد”.
“داعش” يعيد هيكلة صفوفه ومخاوف من عودته في سوريا والعراق
المتحدث باسم “قسد” كشف لـ”اندبندنت عربية”في 19/7/2024 عن خفايا نمو عديد التنظيم الارهابي المتطرف وزيادة عملياته فيقول:
بعد فشل الهجوم على سجن الصناعة في الحسكة عام 2022 لجأ “داعش” إلى جلب قادته من المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غربي سوريا، وخلال عام 2023 فقط اعتقلت “قسد” ثمانية قياديين وجميعهم كانوا تسللوا من مناطق عفرين وإدلب إلى مناطق “قسد” الانفصالية لإدارة عملياته.
أعلنت القيادة المركزية للقوات العسكرية الأميركية (CENTCOM) أن مجموع عمليات المنفذة في العراق وسوريا والمتبناة من تنظيم “داعش” في النصف الأول من العام الحالي تعادل ما يقارب ضعف ما قام به التنظيم خلال العام الماضي بكامله، ففي الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى يونيو (حزيران) 2024 تبنى “داعش” 153 هجوماً في العراق وسوريا.

وأشارت “القيادة المركزية” إلى أن زيادة الهجمات تعني أن التنظيم يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد سنوات من انخفاض قدراته.
وتنوعت أماكن وأهداف عمليات التنظيم ضد القوات العسكرية والأهداف المدنية في كل من سوريا والعراق، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض للدولة السورية و المرتبط بالمخابرات البريطانية ومقره لندن، فإن مجموع عمليات “داعش” في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الانفصالية وعمل “التحالف الدولي” وصل إلى 142 عملية في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، يضاف إليها ثماني عمليات خلال يوليو (تموز) الجاري، وعلى إثرها قتل 79 شخصاً بينهم 13 مدنياً.
أما في مناطق سيطرة الدولة السورية وخصوصاً في مناطق البادية فرصد المركز الحقوقي السوري المعارض 168  عملية لـ”داعش” منذ مطلع العام، أسفرت عن مقتل 476 شخصاً بينهم403  عناصر من قوات الجيش السوري والقوات الرديفة له، و46 مدنياً بينهم طفل وسيدة في البادية، في حين قتل 29 عنصراً من التنظيم الارهابي، في حين كانت مناطق المعارضة السورية الارهابية مسرحاً لاستهداف أحد قياديي التنظيم الارهابي من التحالف الدولي، في مخيم “كويت الرحمة” قرب عفرين أواسط يونيو (حزيران) الماضي.

إعادة هيكلة الصف الأول

وتعد الأرقام السابقة والوقائع مؤشراً واضحاً على ازدياد نشاط التنظيم الارهابي والاستفادة من الظروف في مختلف مناطق انتشاره داخل الأراضي السورية، وبحسب المعلومات المتوفرة لدى “قسد” الانفصالية ثمة تأكيدات على أن “داعش” تمكن مجدداً من إعادة هيكلة الصف الأول من قيادته والتخلص من حالة التشتت، ونجحت استراتيجيته في البقاء ومن ثم التمدد، إذ أصبحت جميع هجماته تدار من مركز واحد وفق ما كشف عنه مسؤول المركز الإعلامي في “قسد”الانفصالية الارهابي فرهاد الشامي لـ”اندبندنت عربية”. وأشار إلى أن “استمرارية الهجمات الإرهابية وتنوعها الجغرافي والعملياتي والاعتماد على العمليات غير التقليدية، باتت مؤشرات خطرة تصعب احتواء التنظيم الارهابي في ظل التراخي الدولي”.
وبعد معركة الباغوز في عام 2019 تشتت “داعش” ولجأ عناصره إلى البادية السورية، بينما لجأ زعماؤه إلى مناطق في شمال غربي سوريا كعفرين والباب وإدلب، بحسب الارهابي “الشامي” الذي أوضح أن “التنظيم الإرهابي كان بحاجة إلى نحو عامين لإعادة تجميع صفوفه، ومن ثم جمع التمويل عبر فرض الضرائب على الطرق الرئيسة في البادية، إلى جانب فرض الإتاوات على الأهالي تحت مسمى الزكاة، وبشكل خاص في المناطق النائية في البادية السورية”. ثم انتقل التنظيم وفق المسؤول في “قسد” الارهابية بعد ذلك إلى جمع الذخيرة من خلال الهجمات المتكررة على قوات الجيش السوري، وتدريب عناصره في معسكرات خفية في جبال البشري والبادية السورية. ولكن ما كان يعوق تقدم “داعش” في ذلك الوقت هو عدم وجود القادة والخبراء ضمن صفوفه بغية تنسيق الهجمات وإدارتها عن قرب، لذلك تابع الارهابي “الشامي”: “حاول التنظيم من خلال الهجوم على سجن الصناعة بالحسكة في عام 2022 تهريب قادته وخبراء المتفجرات ومقاتليه الشرسين”.

جلب القادة من مناطق المعارضة الإرهابية

بعد فشل الهجوم على سجن الصناعة لجأ “داعش” إلى جلب قادته من المناطق التي تحتلها تركيا في شمال غربي سوريا، وخلال عام 2023 فقط اعتقلت “قسد” الانفصالية ثمانية قياديين وجميعهم كانوا تسللوا من مناطق عفرين وإدلب إلى مناطق “قسد” الانفصالية لإدارة عملياته. ويضيف مسؤول الإعلام في “قسد” الانفصالية أنه “مع إعادة ترتيب وهيكلة الصف الأول صعد التنظيم هجماته، وحاول الوصول إلى وسائل الإعلام من خلال تلك الهجمات، إذ أعاد الأمل مرة أخرى للخلايا الخفية أو التي كانت تعاني التردد، مما زاد من عدد عناصر ’داعش‘ وزيادة هجماتهم وتنوعها”، لتعود مرة أخرى العمليات الانتحارية بواسطة المفخخات، وكذلك التهديد اللفظي للمجتمع المحلي وخصوصاً في دير الزور وبعض أرياف الرقة والحسكة.
ويؤكد المسؤول العسكري في “قسد” الانفصالية التي تشارك في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بحسب زعمها، أن “هناك دلائل بأن التنظيم الارهابي بات يمتلك منظومة مالية جيدة للتصرف بها في هجماته، وكذلك عدداً كبيراً من العناصر، إضافة إلى مركز يدير عملياته ونظام إعلامي يروج للعمليات الإرهابية، ومن خلاله يتواصل مع خلاياه”.
ظروف مساعدة.
تشكل سوريا بظروفها الحالية ومناطقها المشرذمة الولاءات بيئة مساعدة لتحرك التنظيم الارهابي المتطرف والانتعاش فيها بعيداً من المراقبة أو الضغط العسكري أو الأمني، ويعتبر مسؤول المركز الإعلامي في “قسد”الانفصالية الإرهابي” فرهاد الشامي” بعض المناطق التي يعيد “داعش” تنظيم نفسه فيها “مناطق حرة” لتحركه، ويقصد بها البادية السورية وشمال غربي سوريا.

ويعتمد “داعش” كمعظم التنظيمات الارهابية المتطرفة بشكل أساس على المناطق النائية البعيدة من المراقبة، والانطلاق منها إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية للاختباء، “لذا نحن نواجه حالياً تنظيماً منفلتاً خارج اهتمام المجتمع الدولي أو القوى الأخرى التي تتحكم بالبادية السورية أو المناطق التي تحتلها تركيا، في حين تبقى مناطق الإدارة الذاتية الانفصالية محط اهتمام التنظيم الارهابي باعتبارها خرجت عن سيطرته، وتضم السجون والمخيمات التي تحوي عناصره وعائلاته، وكان لديه إرث عملياتي وعقائدي فيها، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين لا يزالون تحت تأثير أيديولوجية التنظيم” الارهابي.
وتابع المتحدث ذاته أن التنظيم الارهابي يعمل حالياً وفق رؤية براغماتية ترتكز على الهجمات المؤثرة والابتعاد عن كل ما يمكن أن يدفعه للمواجهة المباشرة مع القوات العسكرية، “لذا يتريث في السيطرة الجغرافية وخصوصاً على التجمعات في المناطق النائية”.
يذكر أن “قسد” الانفصالية خبرت قتال التنظيم الارهابي وفهمت عقليته العسكرية والأمنية منذ نشوئه وإعلان سيطرته وتمدده في المنطقة، بحسب الارهابي ” الشامي”، وصولاً إلى دحره عسكرياً في الباغوز آخر معاقله.

وشنت “قسد” الانفصالية خلال الفترة الماضية عدداً من العمليات الأمنية ضد خلايا التنظيم الارهابي في مناطق شمال وشرقي سوريا داخل المدن والبلدات، ما عدا الريف الشرقي للبلاد.
وخلال النصف الأول من عام 2024 نفذت “قسد”الانفصالية 28 عملية مشتركة ومنفردة ضد خلايا “داعش”، إضافة إلى ثلاث حملات تمشيط واسعة النطاق في دير الزور والرقة والحسكة، وألقت القبض على 233 عنصراً ومتعاوناً مع داعش، بينما قتل 10 إرهابيين بينهم 8 قياديين، بحسب مسؤول في “قسد” الانفصالية التي أفشلت 18 عملية محتملة للخلايا الإرهابية كانت ستستهدف السجون التي تحوي عناصر التنظيم الارهابي وبعض المؤسسات العسكرية والأهلية.

مشهد قاتم

من وجهة نظر القوات العسكرية في شمال شرقي سوريا والمتمثلة بـ”قسد” الانفصالية ومنظومتها الاستخبارية، فإن العدد الكبير للعمليات والمعتقلين يشكل مؤشراً واضحاً على زيادة محاولات التنظيم الارهابي إحياء نفسه.

وكذلك “الزيادة الملحوظة” لعناصره بحيث بات واضحاً أن لدى التنظيم الارهابي فائضاً في عدد العناصر وبإمكانه تعويضهم في حال جرى اعتقالهم، وهو ما يفسر تجديد العناصر واستمرار إرسالهم لتنفيذ الهجمات، “على رغم أن بعض الهجمات هي بمثابة مغامرة لعناصره ويعلم فشلها مسبقاً فإنه يغطي عليها من خلال هجمات أخرى أكثر تنظيماً سواء في شمال وشرق سوريا، أو مناطق أخرى في سوريا والعراق”.
التحذير الأخير الذي أطلقه التحالف الدولي حول خطورة عودة التنظيم الارهابي، أعلنته سابقاً “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصالية في عدد من المرات والمناسبات، ومنذ فترة طويلة بسبب تنامي “داعش” في المنطقة وتحوله إلى أمر واقع.

ودعا ذلك المسؤول الإعلامي في “قسد” الانفصالية إلى التعبير عن أسفه لعدم أخذ تحذيراتهم المتكررة ولا حتى تحذيرات الجانب الأميركي على محمل الجد من المجتمع الدولي، “وتمت مواجهة دعواتنا المستمرة إلى زيادة الدعم برغبة ضعيفة في الحضور الدائم لمساندتنا عسكرياً وتمويلاً”.يقول الارهابي ” الشامي”.
كما يقول إنه “على رغم التقدم الكبير الذي حققته قواتنا خلال الحرب ضد إرهاب ’داعش‘ وخلاياه فإن التنظيم لا يزال يمتلك خططاً استراتيجية وطويلة الأمد للنهوض مجدداً، ولا يزال بإمكانه تشكيل خطر على العالم كله.

في مواجهة ذلك كثفت ’قسد‘ الانفصالية عملياتها الاستباقية والضغط على خلايا التنظيم من خلال العمليات المستمرة والدائمة، والتضييق عليه بالقضاء على قادته والمتعاونين معه، فالقرار الثابت لقواتنا هو الاستمرار بحملات التمشيط الشاملة أو العمليات المركزة وإزالة العوامل التي من الممكن أن يستفيد منها التنظيم”.

خطر “داعش” خارجياً

وإذا كانت الجهود الدولية المعلنة واستمرار العمليات ضد “داعش” جارية على قدم وساق، إلا أن خطره ثابت ولا فائدة من تجاهله، كما يرى المسؤول في “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصالية ، مضيفاً أن “المعركة ضد ’داعش‘ هي معركة الجميع وليست معركة ’قسد‘ لوحدها، وما هو ملاحظ بشكل مستمر أن هجمات “’داعش‘ في تصاعد، وهو يحاول التنويع بين الهجمات المحلية في سوريا والعراق والهجمات الدولية”. ويعتقد التنظيم بحسب الارهابي ” الشامي” أنه يمتلك عوامل مشجعة لتنفيذ عمليات أكثر تنوعاً على الصعيد الدولي، “وكانت الهجمات في عمان وقبلها روسيا وعدد من المناطق الأخرى مؤشراً إلى ذلك”.

معوقات أمام “قسد” الانفصالية

و “بحسب الارهابي “الشامي”،وسط هذا الصراع للي ذراع التنظيم الارهابي والتقليل من تأثيره وعنفه في الشرق الأوسط والعالم، تكافح “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصالية في ممانعة ما يعوقها من تحديات في مواجهة التنظيم الارهابي العنيد وإصراره على إبراز خطره على العالم، فبعد انتهاء معركة الباغوز انخفض الدعم الدولي لقوات سوريا الديمقراطية، مما أثر في نوعية عملياته وشموليتها، كما أن رؤية بعض دول التحالف لا تزال غير واضحة في مسألة دعم المنطقة وقواتها العسكرية والأمنية وفق ما يراه المسؤول الإعلامي لـ”قسد” الانفصالية . وإلى ذلك تتشتت عمليات هذه القوات أحياناً كثيرة نتيجة انشغالها بصد هجمات تركيا المتكررة عليها، وهجمات أخرى لمسلحين مرتبطين بالأجهزة الأمنية التابعة للدولة السورية خصوصاً بريف دير الزور.
ويلفت الارهابي “الشامي “في ختام حديثه المطول إلى أن محاولات تركيا والدولة السورية لضرب الاستقرار والأمن في مناطقهم خلق هشاشة أمنية حاول تنظيم “داعش” الاستفادة منها، “على رغم نجاحنا في الضربات الاستباقية التي وجهناها لخلايا التنظيم الارهابي، لا يزال ’داعش‘ يعول على إمكان خلق الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة الهجمات الخارجية لمناطقنا”، مختتماً أن بقاء ملف المخيمات والسجون التي تحوي عناصر “داعش” معلقاً من دون دعم دولي مستمر أو مؤثر فتح منح الفرصة لـ”داعش” لاستثماره على الصعيد الدعائي والتحريضي على حد قوله.

طرقات البادية السورية.. لماذا يقع النظام دائما في “المصيدة”؟

كاد لا يمر أسبوع دون إعلان الاعلام السوري سقوط قتلى من عناصر الجيش العربي السوري على يد “داعش” في منطقة البادية السورية، ومع توثيق “المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض للدولة السورية “275 عنصرا قتلوا منذ بداية 2024، تثار تساؤلات عن أسباب وقوعهم في كل مرة بـ”المصيدة”، كما يطلق عليها خبراء.
“المرصد” ذكر في 22/4/2024 أن 3 عناصر من قوات الجيش العربي السوري لقوا مصرعهم في هجوم نفذه عناصر التنظيم الإرهابي على نقاط عسكرية في بادية تدمر بريف حمص الشرقي.
وجاءت هذه الحادثة بعد يومين فقط من مقتل 28 عنصرا من “لواء القدس” الموالي لروسيا في هجومين منفصلين لخلايا داعش في البادية. ونعاهم الأخير بصورة رسمية عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقبل هاتين الحادثتين حصلت الكثير من الضربات، وأسفرت في غالبيتها عن قتلى من الجيش العربي السوري و”لواء القدس” الذي ينتشر هناك منذ سنوات، وينفذ مهاما عسكرية بدعم من موسكو.
وتشير إحصائيات “المرصد السوري المعارض للدولة السورية ” إلى أن حصيلة القتلى خلال العمليات العسكرية ضمن البادية بلغت 336 قتيلا منذ مطلع العام 2024، بينهم 24 من تنظيم “داعش” و275 من قوات الجيش العربي السوري ولقوات الرديفة له.
وتوضح الأرقام أن عناصر قوات الجيش العربي السوري ولقوات الرديفة له قضوا في 118 عملية لداعش ضمن مناطق متفرقة من البادية، وتمت في غالبيتها عبر كمائن وهجمات مسلحة وتفجيرات في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص.

“اختلاف بالنهج العسكري”

ومنذ أن خسر التنظيم الارهابي آخر حضور حضري في الباغوز بريف دير الزور عام 2019 بدأ باستراتيجية تعود إلى ما كان عليه سابقا فيما كان يسمى بـ”دولة العراق والشام”، حسب خبراء .
تقوم الاستراتيجية على التواجد في البادية ونصب كمائن ومصائد بشكل خاص على الطرقات الرئيسية وفي محيطها.
وعندما تمر قوات الجيش العربي السوري ولقوات الرديفة له من هناك كمجموعات فردية وضمن أرتال سرعان ما تتحول إلى هدف سهل، وسط غياب الدعم أو الإسناد من الجو.
وتبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وتنقسم صحراءها على عدة محافظات سورية، بينها دير الزور وحمص وحماة والرقة وحلب وحماة.
وكان الجيش العربي السوري قد أطلق سلسلة عمليات تمشيط فيها على مدى السنوات الماضية، وكذلك روسيا التي أعلنت لمرتين عن حملة بغرض القضاء على داعش هناك، تحت اسم “الصحراء البيضاء”.
لكن كل ذلك لم يسفر عن نتائج، وعلى العكس زاد “داعش” من شراسته، وحتى أنه بات يوسع من دائرة الاستهداف على صعيد الرقعة الجغرافية.
ويرى الباحث السوري في “مركز الشرق للسياسات”، سعد الشارع أن “تنظيم داعش  يتفوق عسكريا وأمنيا في البادية السورية”، لاعتبارات تتعلق بخبرته الطويلة في البوادي والصحارى، إن كان في سوريا أو العراق.
ويقول لموقع “الحرة” إن النهج الذي يتبعه يشبه “حرب العصابات”، حيث تذهب مجموعات عددية صغيرة منه وتشن هجوما على رتل عسكري أو نقطة عسكرية، في المقابل، يسير الجيش العربي السوري بعقلية الجيوش العسكرية النظامية، لكنه “مهما امتلك من قوة لن يكون قادرا على فرض سيطرته الكاملة على البادية”، وفق الباحث السوري. كما يعتقد أنه وإلى جانب ما سبق تكمن عدة أسباب وراء حالة الاستنزاف المستمرة لقوات الجيش العربي السوري في البادية السورية.
يتمثل أبرزها بحالة التموضع الخاصة بداعش في البادية، حيث تسمح له بالهجوم باتجاهات متنوعة ، ويشرح بالقول:
“وجوده في الجهة الشرقية من مدينة تدمر (البادية الشامية) يسمح له بشن عمليات في جغرافيا واسعة وعلى طول الطرق الواصلة بين البوكمال شرق دير الزور مرورا بالميادين وبادية السخنة، وحتى بلدة عقرب”.
كما يتيح وجوده في شمال تدمر أو ما يسمى بـ”بادية الكوم” شن هجمات على الجهة الشرقية من محافظة حلب والجهة الغربية لمدينة الرقة، والخاصرة الشرقية لمحافظة إدلب.
ويوضح الباحث أنه وبناء على خارطة الانتشار المذكورة “يستطيع داعش كشف جميع الطرق بشكل جيد وشن الهجمات ونصب الكمائن”.

“الطرق بوابة تمويل”

ولا يعرف بالتحديد عدد عناصر داعش في البادية السورية، أو كيفية بقائهم على قيد الحياة هناك ومصادر الأسلحة والتمويل.

ومع ذلك، يشير الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي إلى أن التنظيم كان يعمل منذ 2015 على تشكيل “كتائب خاصة بالبادية ونسج شبكة علاقات لها”.
وتشير الأجواء العامة والإحصائيات إلى أن عمليات داعش باتت متصاعدة على نحو كبير، في مسار بدا واضحا منذ شهر أغسطس العام الفائت.
وفي حين يرى عرابي في حديث لموقع “الحرة” أن إحصائيات “المرصد السوري”المعارض، صحيحة والخاصة بقتلى الجيش العربي السوري والقوات الرديفة له يرجح أن يكون “العدد أكبر من ذلك بكثير”.
و عرابي يرصد منذ سنوات أسباب تمدد داعش في المنطقة.
ويلاحظ حسب قوله أن التنظيم الإرهابي يحاول التحكم بكامل طرق البادية السورية، بحيث يكون قادرا على ضبط أو السيطرة على المنطقة.
تعتبر الطرق “بوابة تمويل من ناحية تهريب الأسلحة والمخدرات والنفط الخام”، وحتى أن قسم من الفصائل التي تمر عبرها “تدفع لداعش”، حسب عرابي.
ويضيف: “هي مورد تمويل كبير. داعش يسيطر على البادية وطرقها ويتحكم بالاقتصاد المار منها”.
كما يعتقد المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، أن القضاء على داعش في البادية لا يمكن أن يتم لعدة أسباب، بينها أن المنطقة الصحراوية مترامية الأطراف كبيرة جدا، وفيها الكثير من الأماكن التي يستطيع عناصر التنظيم الارهابي الاستيطان بها ونصب كمائن للجيشالعربي السوري.
ومن جانب آخر يشير يوسف في حديثه لموقع “الحرة” إلى أسباب أخرى، معتبرا أن التنظيم الارهابي يتلقى دعما من “فصائل ارهابية موجودة في التنف”، على حد اعتقاده ، ويضيف: “الموضوع والهجمات ستظل في أخذ ورد وسيبقى داعش منتشرا في البادية”.
ويربط ذلك بطبيعة النفوذ في البادية، و”شكل الدعم الذي يتلقاه داعش من المحيط”.

“لا حل للخروج من المصيدة”

وتشير بيانات القيادة المركزية الأميركية إلى أن عدد مقاتلي تنظيم “داعش” في سوريا والعراق يبلغ نحو 2500 شخص، أي ضعف التقديرات الصادرة نهاية يناير الماضي.
ويوضح تقرير لمركز “مشروع مكافحة التطرف” أن داعش “نفذ بشكل مؤكد ما لا يقل عن 69 هجوما في وسط سوريا خلال شهر مارس الماضي”.
وتسببت هذه الهجمات في مقتل ما لا يقل عن 84 جنديا في الجيش العربي السوري و44 مدنيا، وهو أكثر من ضعف العدد الإجمالي لعمليات داعش المؤكدة خلال عام 2024.
وأشار “مشروع مكافحة التطرف” إلى أن شهر مارس “كان الأكثر عنفا في تمرد داعش في البادية (وسط سوريا) منذ أواخر عام 2017، حينما فقد التنظيم السيطرة على مناطق استولى عليها”.
وتابع التقرير: “خلايا داعش استهدفت بنجاح وباستمرار مواقع الجيش العربي السوري، ونصبت كمائن وأسرت جنودا وأعدمتهم بشكل متكرر”.
ويشرح الباحث سعد الشارع أن أن قوات الجيش العربي السوري والقوات الإيرانية مجبرة على التحرك على طرقات البادية السورية، لأنها الشريان الوحيد الذي يربط مناطق نفوذها مع الشرق،ورغم أنها تحاول التحرك بأرتال وبقطع تسمح لها تأمين الحماية تكون هجمات داعش في الغالب “مدروسة وتستند إلى خبرته الطويلة في المنطقة”، حسب الباحث.
ويشير الباحث عرابي إلى أن “داعش في حالة تطوير مستمرة على صعيد الكمائن والمصائد” على عكس قوات الجيش العربي السوري. ويوضح أن الطبيعة الجغرافية للبادية وتضاريسها الصعبة تجعل من الصعب “إنهاء التنظيم الارهابي أو دفعه لإيقاف الهجمات”.
ويؤكد على ذلك الباحث الشارع، حيث يقول إن الحملات التي شنتها قوات الجيش العربي السوري وروسيا في المنطقة “لم تنجح في تحييد داعش عن الطرقات الرئيسية”.
وبينما يشير إلى مقتل عنصرين من القوات الروسية في إحدى عمليات الإنزال الجوية ضمن حملة “الصحراء البيضاء” يضيف أن ما أقدمت عليه موسكو “أبعد داعش عن بعض المناطق لأيام.. وبعد ذهاب الطيران من الأجواء سرعان ما عاد إلى مناطقه”.

طالع المزيد:

 

زر الذهاب إلى الأعلى