الاحتلال الخفى: تركيا وروسيا في ليبيا (1 من 2)
كتب: عاطف عبد الغنى
على سبيل التقديم
تحت عنوان: “أدوار متخفية لمصالح طويلة الأمد” نشر “ولفرام لاتشر” المحلل السياسى بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في تقرير خاص ضمن سلسلة “ميجاترندز أفريقيا”، تقريرا قبل أيام معدودة من سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا على يد الفصائل الإسلاموية، كشف فيه نتائج زياراته على الأرض لليبيا، ومعاينته للود التركى والروسى في القطر العربى المضطرب، مؤكدا أن كلا الدولتين (تركيا وروسيا) تتبنيان استراتيجية يحرصان على التكتم عليها، لضمان بقائهما طويل الأمد في ليبيا، ويبدو أن هذه المقاربة تؤتي ثمارها حتى الآن (حسب ما يقول الكاتب) فى تقريره الذى ننشره فى “موقع بيان الإخبارى” على جزئين.
وإليكم الجزء الأول من التقرير:
النص المترجم للتقرير
انتقدت الحكومات الغربية روسيا وتركيا بسبب زعزعة استقرار ليبيا من خلال نشر قواتهما العسكرية، ومع ذلك، فإن وجودهما العسكري بالكاد يُلاحظ في الحياة اليومية، حتى بالقرب من قواعدهما.
ليبيا 2024: تفاصيل الوجود العسكري لروسيا وتركيا
تم نشر مقاتلات روسية في ليبيا، بعد إعادة طلائها لإخفاء هويتها، لدعم المتعاقدين العسكريين الخاصين، وفي زيارات متكررة لطرابلس خلال العامين الماضيين، لاحظت (الكلام لكاتب التقرير ولفرام لاتشر) تغييرات واضحة في قواعد الجيش التركي والروسي هناك.
أثناء زيارتي لقاعدة عسكرية على أطراف طرابلس الغربية، مررت بقاعدة “سيدي بلال”، التي تستضيف مقاتلين سوريين نشرتهم تركيا منذ عام 2020.
في زياراتي الأولى، كان العلم التركي يرفرف بوضوح على سارية القاعدة، لكن في زيارتي الأخيرة أواخر عام 2023 ومنتصف 2024، اختفى العلم تمامًا، وأصبحت رؤية النشاط الداخلي شبه مستحيلة، يعكس ذلك جهودًا متعمدة لجعل الوجود العسكري السوري أقل وضوحًا.
تكيّف مع الواقع الليبي
تعكس هذه التحولات نمطًا أوسع يوضح كيف عدّلت روسيا وتركيا وجودهما العسكري في ليبيا ليتناسب مع السياق السياسي المحلي، مع تركيزهما على البقاء لفترة طويلة.
لقد تجنبت الدولتان ومحاربيهما الاحتكاك مع المجتمع المحلي، مما ساعدهما في تحقيق قبول ضمني لوجودهما ومنع التوترات السياسية حول هذا الأمر.
الاستقرار الهش والتوازن العسكري
تقود الولايات المتحدة ودول غربية أخرى حملة انتقادات متواصلة ضد الوجود الروسي في ليبيا باعتباره عاملًا لعدم الاستقرار، بينما تتخذ موقفًا أقل حدة تجاه الوجود التركي.
دعوات الغرب لسحب جميع القوات الأجنبية من ليبيا أصبحت روتينية، لكنها تفتقر إلى الخطوات العملية لتحقيق ذلك.
ومنذ فشل هجوم خليفة حفتر على طرابلس في يونيو 2020، ساهم التوازن العسكري بين روسيا وتركيا في تجميد الصراع الليبي.
دعمت روسيا حفتر تحت ستار مجموعة فاجنر، بينما اعتمدت القوى المناهضة له على تركيا لردع أي هجمات جديدة، وأتاح هذا التوازن لكلا الدولتين تعزيز وجودهما الدائم في ليبيا بتكلفة بسيطة، حيث يدفع الليبيون ثمن هذه المساعدات.
نمط جديد من التدخل الدولي
بدأ تدخل الدولتين في ليبيا عام 2019 ليظهر تحولًا سريعًا في النظام الدولي وأنماط التدخل الأجنبي في الصراعات الأفريقية.
في البداية، أنكرت روسيا وقوات حفتر وجود مجموعة فاجنر، بينما أعلنت تركيا رسميًا تدخلها، لكنها تعرضت للإحراج بسبب نشرها لمقاتلين سوريين.
عندما أجبر التدخل التركي مجموعة فاجنر على الانسحاب، أضاءت الأضواء لفترة وجيزة على التدخل الروسي.
وجاءت صور انسحاب مقاتلي فاغنر في وضح النهار عبر شوارع إحدى المدن الليبية الغربية لتثير دهشة الليبيين على وسائل التواصل الاجتماعي، مسلطة الضوء على أحد أوجه التدخل الخفية في البلاد.
الاختفاء التدريجي: تطور وجود تركيا وروسيا في ليبيا
علاقات متوترة وأحداث مشحونة، بعد انتهاء الحرب الليبية، لكن استمرار وجود القوات الأجنبية، برزت أحداث مبكرة لتوضيح الخطر الكامن في الوجود العسكري الأجنبي.
في سرت، قامت قوات فاجنر الروسية بإرهاب السكان عبر قصف منطقة سكنية لإجبار الأهالي على الإخلاء، ومن ثم احتلت منازلهم وزرعت ألغامًا في محيطها، مما يعرض أي شخص يقترب للخطر.
في مصراتة، استولى مقاتلون سوريون على منازل سكان مهجرين في أحد الضواحي الجنوبية، مما أثار توترات كامنة مع الجيران.
وفي أغسطس 2020، أثناء احتجاجات اندلعت في طرابلس بسبب أزمة اقتصادية وخدمات عامة متعثرة، أعرب المتظاهرون عن غضبهم من حصول المقاتلين السوريين على رواتب بالدولار الأمريكي الثمين، بينما بالكاد يحصل الليبيون على رواتبهم بالدينار من القطاع العام.
مع تصاعد الخلافات بين خصوم حفتر في غرب ليبيا، حاول البعض تشويه سمعة خصومهم عبر اتهامات كاذبة باستخدام مقاتلين سوريين.
وفي الوقت ذاته، نشر مؤيدو حفتر شائعات مفبركة لإثارة الخوف والغضب، مثل ادعاءات باختطاف السوريين لنساء ليبيات.
التخفي
مع مرور الوقت، أصبح وجود القوات الأجنبية أكثر انضباطًا وأقل وضوحًا.
في سرت، انسحب مقاتلو فاجنر إلى منطقة مخصصة داخل قاعدة القرضابية الجوية بحلول عام 2021، وقلّت زياراتهم إلى المحلات المحلية، وأصبحت نادرة، وعندما يظهرون، يرتدون ملابس مدنية للإشارة إلى أنهم في إجازة.
وفي قواعدهم الجنوبية مثل براك وتمنهنت، نادرًا ما يظهر الروس خارج القواعد، ووفقًا لسكان محليين، تُسمع أحيانًا تقارير عن زيارات روسية لمواقع نائية مثل مناطق التعدين أو القواعد العسكرية، ولكن نادرًا ما تتم رؤيتهم مباشرة.
الأمر نفسه ينطبق على المقاتلين السوريين الذين نشرتهم تركيا، ففي سوق الخميس جنوب طرابلس، اشتكى السكان فى وقت سابق من خروجهم المتكرر من القواعد.
لكن في العام الأخير، اقتصر نشاطهم على رحلة أسبوعية بالسيارة لشراء الاحتياجات، مما يشير إلى فرض قيود على تفاعلهم مع السكان المحليين، مما جعل الملل يمثل تحديًا كبيرًا لهم.
أما الوجود العسكري التركي الرسمي، فقد كان أكثر انغلاقًا، حيث اقتصر على عدد محدود من القواعد العسكرية بين مصراتة والحدود التونسية، ونادرًا ما يتم رؤية أفراد الجيش التركي خارج هذه القواعد.
ليس فقط لإنكار الوجود
هذا العزل الذاتي للقوات الأجنبية عن المجتمع الليبي لم يعد متعلقًا بإنكار وجودهم. لم تخفِ تركيا يومًا نشر قواتها في ليبيا. أما روسيا، التي أنكرت لفترة طويلة وجود قواتها، فقد بدأت تعترف تدريجيًا بوجودها بعد وفاة مؤسس مجموعة فاجنر، يفجيني بريجوجين، وانتقال دور فاجنر إلى وزارة الدفاع الروسية.
في عام 2024، أقرّ السفير الروسي في طرابلس علنًا بوجود “عناصر” روسية تعمل مع قوات حفتر.
والسؤال: ما دوافع وجود تركيا وروسيا فى ليبيا؟!.. الإجابة فى الجزء الثانى من هذا التقرير المهم.. فانتظرونا.
اقرأ أيضا: