“حظر السفر الجديد”: ترامب يعيد هندسة سياسة الهجرة لصالح العنصرية البيضاء

كتب: على طه
مع دخول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديد بشأن حظر السفر حيز التنفيذ، تتضح ملامح استراتيجية أشمل في تعامل إدارته مع ملف الهجرة والعلاقات مع دول العالم النامي، في سياق يمتد إلى ما هو أبعد من الإجراءات الأمنية الظاهرة إلى إعادة صياغة معايير الهوية الوطنية الأمريكية نفسها.
حظر أوسع
ويستهدف الحظر الجديد مواطني 12 دولة بشكل كامل، بالإضافة إلى فرض قيود جزئية على عدد آخر من الدول.
وهذه المرة، راعت الإدارة الأمريكية تفادي المطبات القانونية التي واجهها الحظر الأول عام 2017، الذي اتُّهم آنذاك بكونه موجهاً ضد المسلمين تحديداً، وتم الطعن فيه حتى وصل إلى المحكمة العليا.
في النسخة الجديدة، لم يقتصر القرار على الدول ذات الأغلبية المسلمة فحسب، بل شمل دولاً مسيحية مثل هايتي وفنزويلا، ودول إفريقية غير مسلمة.
هذا التوسع منح الإدارة هامش مناورة قانونية أوسع، وهو ما جعل عدداً من خبراء القانون يرجحون صعوبة إسقاط الحظر قضائياً هذه المرة.
لكن، وعلى الرغم من هذه التوسعة الشكلية، يرى مراقبون أن جوهر القرار لا يخرج عن إطار استهداف دول من العالم النامي، بما يعكس رؤية ترامب الصريحة منذ بداية ولايته لما وصفه بـ “الدول الفاشلة” و”الدول ذات المجتمعات غير المتوافقة مع معايير الأمان الأمريكي”.
الهجرة كملف سياسي داخلي
في الجوهر، يواصل ترامب توظيف ملف الهجرة كورقة سياسية داخلية، تعزز من تماسك قاعدته الانتخابية وتلعب على أوتار الهوية والخوف من الآخر، وهي أدوات أثبتت فعاليتها في حشد الدعم الشعبي، خصوصاً في الولايات الجمهورية والمناطق الريفية ذات الحساسية تجاه قضايا الهجرة والعمالة الرخيصة.
اللافت في خطاب ترامب الأخير تكراره استخدام تعبير “الآلاف من المجرمين والمخالفين للقانون يتدفقون عبر الحدود، ويستنزفون المستشفيات والمدارس الأمريكية”، وهو خطاب يقوم على ربط الهجرة بشكل مباشر بالتهديد الأمني والاقتصادي والاجتماعي، حتى عندما يتعلق الأمر بدول لا تصدر فعلياً أعداداً كبيرة من المهاجرين إلى الولايات المتحدة.
أبعاد أمنية أم عقوبات سياسية؟
وفي الوقت الذي بررت فيه الإدارة القرار بأسباب أمنية تتعلق بـ “نقص المعلومات الاستخباراتية وضعف أنظمة التدقيق لدى الدول المعنية”، فإن نمط اختيار الدول يكشف عن جوانب سياسية أوضح، خصوصاً مع إدراج فنزويلا وكوبا — وهما من خصوم السياسة الأمريكية التقليديين في نصف الكرة الغربي — بالإضافة إلى دول إفريقية تعاني علاقاتها بواشنطن من الفتور أو من انعدام النفوذ الأمريكي المباشر فيها.
وفي هذا الإطار، يرى بعض المراقبين أن القائمة تعكس أيضاً استخدام سياسة الهجرة كأداة عقوبات غير معلنة ضد أنظمة سياسية خارجية، تماماً كما استخدم ترامب العقوبات الاقتصادية والمالية ضد خصومه في طهران وكاراكاس وبيونغ يانغ.
النموذج الشعبوي العابر للحدود
أبعد من ذلك، يندرج هذا الحظر في سياق تصاعد الشعبوية القومية عالمياً، حيث بات ملف الهجرة يمثل أحد مفاصل المعارك السياسية في الغرب، من الولايات المتحدة إلى أوروبا وأستراليا، في مواجهة تحولات ديمغرافية واقتصادية وثقافية عميقة، خصوصاً مع تصاعد موجات الهجرة واللجوء.
وتبدو سياسة ترامب جزءاً من تيار فكري وسياسي واسع في اليمين القومي الغربي، ينظر إلى الهجرة لا فقط باعتبارها “تحدياً قانونياً” بل كخطر ثقافي طويل المدى على هوية “الغرب الأبيض”، وهو ما يفسر إصرار ترامب مراراً على استخدام عبارات مثل “إنقاذ أمريكا”، و”استعادة القيم الأمريكية التقليدية”، وربط ذلك مباشرة بملف المهاجرين غير البيض.
دلالات رمزية للهجوم على كاليفورنيا
ومن المثير أن يأتي القرار في سياق سجال داخلي محتدم بين ترامب وحاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، حول انتشار الحرس الوطني في لوس أنجلوس لمواجهة احتجاجات ضد ترحيل المهاجرين.
النزاع يكشف الانقسام العميق بين توجهين: الأول محافظ قومي يقوده ترامب في واشنطن، والثاني ليبرالي عالمي الطابع تقوده ولايات كبرى مثل كاليفورنيا ونيويورك.
ترامب اتهم نيوسوم بـ”الفشل الذريع”، معتبراً أن نشر الحرس الوطني كان ضرورة حتمية لاستعادة النظام، مضيفاً في تصريح له أن “الحاكم غير الكفء ترك المدينة تحترق”. أما نيوسوم، فقد رد محذراً من أن البلاد تشهد “هجوماً على الديمقراطية”، في مشهد يلخص طبيعة الاستقطاب الأمريكي اليوم.
والخلاصة أن حظر السفر الأخير ليس مجرد قرار إداري، بل تجسيد عملي لرؤية ترامب الاستراتيجية لمستقبل أمريكا: أمة مغلقة، أقل انفتاحاً، تتحصن خلف هويتها البيضاء، وتعيد صياغة علاقتها بالعالم النامي وفق منطق “من معنا ومن ضدنا”، في لحظة مفصلية من تحولات النظام الدولي الجديد.