سماح عطية تكتب: ابن حنبل في زمن «الحنبلة»

طالعت عن كثب في الأيام القليلة الماضية كمية “الحنبلة” والتصريحات والآراء “اللولبية” “الجهنمية” والتي جاءت لتسقط عن المرأة أدواراً اجتماعية وبيولوجية قامت وتقوم بها منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، بل وتُؤمر بها من الله تعالى كالواجبات المنزلية وإرضاع الصغير.

وكأن الحياة الزوجية أو العلاقة بين اثنين مقدمين على الزواج تقتصر على هذه الأمور، وبنود للاتفاق بينهما، لتسقط بذلك رابطة من أقوى الروابط الإنسانية بين البشر؛ لما بها من مودة ورحمة وسكن وأنس وراحة بال وأمان واستقرار وسند وسعادة وروحانيات وعواطف ومشاعر وصداقة وقرب وتفاهم ومستقبل وكيان اجتماعي.

وهداني تفكيري واستدعى إلى ذاكرتي وصايا الإمام أحمد بن حنبل لابنه يوم زواجه، وما بهذه الوصايا من أسر وحصار عاطفي للزوجة تجعلها تطيع زوجها وتسعى بكل قوتها لخدمته وإسعاده وتحقيق رضاه الكامل عنها بل ورضاها الذاتي عن نفسها لردّ الخير بالخير والحب بالحب والمودة والرحمة بمثلهما.

حيث قال ابن جنبل “أي بني: إنّك لن تنال السعادة في بيتك إلا بعشر خصال تمنحها لزوجك فاحفظها عني واحرص عليها: أما الأولى والثانية (لأهميتها): فإنّ النّساء يحببن الدلال ويحببن التصريح بالحب، فلا تبخل على زوجتك بذلك، فإن بخلت جعلت بينك وبينها حجابًا من الجفوة ونقصًا في المودة.

وأما الثالثة: فإن النساء يكرهنَ الرجل الشديد الحازم ويستخدمن الرجل الضعيف اللين فاجعل لكل صفة مكانها فإنه أدعى للحب وأجلب للطمأنينة.

وأما الرابعة: فإنّ النساء يُحببن من الزوج ما يحب الزوج منهنّ من طيب الكلام وحسن المنظر ونظافة الثياب وطيب الرائحة فكن في كل أحوالك كذلك.

أما الخامسة: فإنّ البيت مملكة الأنثى وفيه تشعر أنّها متربعة على عرشها وأنها سيدة فيه، فإيّاك أن تهدم هذه المملكة التي تعيشها، وإياك أن تحاول أن تزيحها عن عرشها هذا، فإنّك إن فعلت نازعتها ملكها، وليس لملكٍ أشدّ عداوةً ممن ينازعه ملكه وإن أظهر له غير ذلك.

أما السادسة: فإنّ المرأة تحب أن تكسب زوجها ولا تخسر أهلها، فإيّاك أن تجعل نفسك مع أهلها في ميزان واحد، فإمّا أنت وإمّا أهلها، فهي وإن اختارتك على أهلها فإنّها ستبقى في كمدٍ تُنقل عَدْواه إلى حياتك اليومية.

والسابعة: إنّ المرأة خُلِقت مِن ضِلعٍ أعوج وهذا سرّ الجمال فيها، وسرُّ الجذب إليها وليس هذا عيبًا فيها “فالحاجب زيّنه العِوَجُ”، فلا تحمل عليها إن هي أخطأت حملةً لا هوادة فيها تحاول تقييم المعوج فتكسرها وكسرها طلاقها، ولا تتركها إن هي أخطأت حتى يزداد اعوجاجها وتتقوقع على نفسها فلا تلين لك بعد ذلك ولا تسمع إليك، ولكن كن دائماً معها بين بين.

أما الثامنة: فإنّ النّساء جُبلن على كُفر العشير وجُحدان المعروف، فإن أحسنت لإحداهنّ دهرًا ثم أسأت إليها مرة قالت: ما وجدت منك خيرًا قط، فلا يحملنّك هذا الخلق على أن تكرهها وتنفر منها، فإنّك إن كرهت منها هذا الخلق رضيت منها غيره.

أما التاسعة: فإنّ المرأة تمر بحالات من الضعف الجسدي والتعب النفسي، حتى إنّ الله سبحانه وتعالى أسقط عنها مجموعةً من الفرائض التي افترضها في هذه الحالات فقد أسقط عنها الصلاة نهائيًا في هذه الحالات وأنسأ لها الصيام خلالهما حتى تعود صحتها ويعتدل مزاجها، فكن معها في هذه الأحوال ربانيا كماخفف الله سبحانه وتعالى عنها فرائضه أن تخفف عنها طلباتك وأوامرك.

أما العاشرة: فاعلم أن المرأة أسيرة عندك، فارحم أسرها وتجاوز عن ضعفها تكن لك خير متاع وخير شريك”.
رحمة الله عليك يا “ابن حنبل”…

فمذهبك ووصاياك التي أطلقتها منذ زمن بعيد جداً قبل وفاتك، عام ٨٥٥ ميلاديا، لن يكون لها وجود فعلي في عصرنا الحالي وواقعنا الهش المغشوش… سطحي التفكير.. جامد المشاعر… منعدم العواطف…. مغيب الرؤى النفسية والاجتماعية.
أيها المجتمع، نعم لا تأمر الزوجة بخدمة زوجها ولكن ازرع النبتة الطيبة في الأرض الخصبة وقدم لها الرعاية والحب والحنان سوف تطرح وتزهر لك أجمل ألوان الثمار والورود وتجد الطاعة والخدمة والحب وتعيش سعيداً مدى الحياة.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى