أسماء خليل تكتب: قرآنا يمشي على الأرض
بينما كنتُ أتجول بأحد الأسواق؛ إذ رأيتُ رجلا يرتدي أبهى حُلة، يبدو عليه تيسر الحال من الناحية المادية.. ريثما تنظر إليه تعلم أنه في رغدٍ من العيش؛ وإذا به واقفًا “يُقاضي ويُفاصل” مع امرأة عجوز محنية الظهر تجلس على أحد أرصفة الطرقات، وقد خط الزمن على وجهها قسماته، تبيع “جرجيرًا طازجًا” ..كم لعدد المرات رأيت في حياتك ذلك الموقف؟!.. إنها القسوة المُتمثلة في قلوب بعض الناس..
سرعان ما استحضر ذلك الموقف في ذهني خُلق ذلك الرسول، فهل تخيلت القرآن يمشي على الأرض؟!..إنه النور المختار..النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي لم يكن رجلًا يحمل خلق القرآن يمشي على الأرض؛ بل كان قرآنًا يمشي على الأرض.
كان سهلًا إذا باع ..سهلا إذا اشترى ..ملاكًا في صورة إنسان..مَن أراد منه شيئا واستقر في يقينه أن الرجل في حاجة من حوائج الدنيا، كان يزيده عن ثمنها..أمَرَ الناس بالبعد عن بذيء الكلام ..كان يُعلّق السوط في البيت إشارة إلى الحزم بجانب اللين في التربية، ولكنه لم يضرب به أحدًا أبدًا..
فتقول عائشة – رضي الله عنها -: “ما ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهكَ شيء من محارم الله، فينتقم لله” ..
أتاه أحد الشباب يستأذنه في أن يُقبل محبوبته؛ فلم ينهره ولم يحرجه، ولكنه رَفِق بحاله، وحاول إقناعه بكل هدوء، قائلًا له: أترضاهُ لأمكِ.. أترضاهُ لأختكَ.. فكان استحضار تلك الصورة في ذهن الشاب بشكل تخيلي رادعًا له عن فعل المنكر، فشكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على حسن خلقه ومعاملته الطيبة،،
كان سمحًا عف اللسان..لم يحارب ولم يقتل إلا المعتدي الذي أراد بالإسلام سوءً. أمرنا بعدم قتل اليهودي طالما أنه أخذ موثقا من الله بدخول بلادنا ..كالسائح الذي حصل على تأشيرة دخول لبلاد المسلمين، ليس لأحد أن يعتدي عليه، فهو في مأمنٍ يستظل بظل الإسلام والسنة..
هو من حرص على الحقوق المادية بل والحقوق المعنوية النفسية لغير المسلمين ..لقد توعد بأن يكون هو حجيج من يظلم معاهدًا يوم القيامة، بل والأكثر من ذلك من ينتقصه أو ينقده أو يتنمر عليه أو يقلل من شأنه؛ فهل في مقدور أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم- خصمه في ذلك اليوم العظيم..
إنه الرحمة ..الضياء الذي أنار للعالم طريق الهدى ..مَنْ قال لأعدائه حينما كانوا بين يديه وهو قادر على إيذائهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، حينما نظروا إليه طامعين في قدر تسامحه وهو يقول لهم :“ماذا تظنون أني فاعل بكم”؛ فعفا عنهم ..
هل يستطيع المرء الوصول لذلك الرقي بالطباع البشرية؟!.. فحكى أصحابه – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يَتقبل معذرة المسيء، ولا يواجه أحدًا بما يضايقه أو يكرهه، كان يوجه الحديث بصيغة العموم حينما يجد أحد الحضور أخطأ في شيء حتى لا يؤثر على نفسيته ويسبب له إحراجًا، فكان يقول “ما بال أقوام يفعلون كذا” ، دون أن يذكر اسم المسيء، فيوجه الحاضرين للتصرف الصحيح، فينتفع بذلك المسيء وغيره.
نبي يأمر الناس بألَّا يقوم له أحد حينما يدخل عليهم في مجلسهم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: “ تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله”.