أسماء خليل تكتب: الكِبْر على أهل الكِبْر

“الكِبْر على أهل الكِبْر صَدقة”.. تلك المقولة كثيرًا ما استوقفتني، بعدما سمعتها خلال حديثٍ للشيخ الشعراوي – رحمة الله عليه – منذ عدة سنوات، فظلَّ فِكري متأرجحًا بين الاستنكار تارة وبين التصديق تارةً أخرى،،

تأملتُ وتأملتُ.. هل يكون “التكبر”- تلك الصفة المذمومة في جميع الأديان – صدقة؟!.. ولكن الله – سبحانه وتعالى – طيبٌ لا يقبل إلا الطيب!!.. فكيف يتقبل تلك الصدقة ومردها الكبر؛ حتى تبيَّن لي بعد مرور كثير من السنوات أنَّ الرجل كان سابقًا عصره وأوانه، بعدما عارضه البعض قائلا لا للتكبر في كل الأحوال؛ مصداقًا لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر”،،

ليتضح الفهم الصحيح لأمور الحياة، ففي الفترة الزمنية الأخيرة كشف كثير من علماء النفس وأخصائي الإرشاد الأسرى عن شخصيات بالمجتمع أنانيين يتسمون بالتكبر وهم “النرجسيون”، ليثبتوا أن العلاج الوحيد لهؤلاء هو اللامبالاة وعدم الاكتراث بهم كثيرًا، وكلما كنت مهتمًا بشأنهم تحيطهم بالعناية أذاقوك المرار، وكلما كنت جافًا معهم لا تُعيرهم أي اهتمام كانت معاملتهم لك بشكل أفضل..

كل ما يثبته اللاحقون ذكره السابقون بصورة أعمق وفهم أوضح.. قوانين ونواميس من اتبعها كانت الراحة من حظه، فالأحكام بشكل مطلق على كل ما يتم سماعه دونما تحليل ووصول للحقائق يصيب المرء بالتخبط وعدم الاطمئنان..
لم تكن تلك الكلمات للشيخ بشكل ابتكاري، فقد ذكر الإمام الشافعي – رحمة الله عليه – منذ مئات السنوات كلمات مثيلة، وهي “تكبر على المتكبر مرتين”، بل والأكثر من ذلك؛ قول أبي حنيفة – رحمه الله تعالى-“ أظلم الظالمين من تواضع لمن لا يلتفت إليه”..

فهل ظننتَ يوما أنه بإمكانك أن تعالج شخصًا ما بتكبركَ عليه؟!..

نعم.. فتواضعكَ الجم مع الغني الجاهل أو الفقير المُتعالي يزيد من اعتقاده بأن له الاستحقاق بالأفضلية على العالم، مما يجعله يزداد من ظلمه لنفسه ومن حوله.. ساعد.. امنح..اعطِ.. كن يد العون لمن يحتاج المساعدة.. انصح.. ارشد.. أصلِح.. تواضع..ولكن هناك شخصًا واحدًا قنِّنْ معه كل شيء كمعالج نفسي..

وإذا قال البعض إن هؤلاء النرجسيين المُتكبرين مساكين لكونهم لم يحظوا بالتنشئة السليمة؛ فتأمل جيدا :لماذا أخوتهم الذين نالوا نفس القسط من سوء التربية سواء بالقسوة الزائدة أو التدليل المفرط ليسوا أمثالهم؟!.. فتُرى هؤلاء الأخوة رغم كل الظروف التي مروا بها إلا أنهم لم يكرهوا العالم ويحاولون الانتقام منه.. بل حاولوا الاندماج في الحياة بشكل طبيعي ولم يزعجوا الناس بعقدهم الدفينة..

قم بعلاج هؤلاء الأشخاص، فقط بألا تجعل خدك مداسًا لهم.. لا تهتم بمن كسر بخاطرك.. بمن منحتهُ عينيكَ ليرى بهما الحياة فلم يقل لك أشكرك.. لا تُراعِ من يقلل من شأنك.. يُحبطكَ قاصدًا لكي يكسرك.. لا ترفع قدر من قلل من قدرك. لا تتواضع لمن يُهينك.. لا تتقبل القهر اللفظي الذي يُقلل من شأنك بحجة المُزاح.. لا تُرحب بمن أغلق الأبواب في وجهك عدة مرات.. فمن لم يُراعِ قلبك لا تُراعي وجهه.

اقرأ أيضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى