د. قاسم المحبشى يكتب: من وحي الندوة .. عين شمس التي أحبها
عين شمس، كلمة تبعث في النفس والذاكرة كنانة كاملة من التصورات والأخيلة. إذ يثير النطق بها حزمة من التداعيات الاسطورية والميتافيزيقية والحسية الحميمية. فالشمس كانت أسما للإله رع في الدين المصري القديم في عصر الأسرة الخامسة خلال القرنين 24 و25 قبل الميلاد هو الإله الحاكم في كل أنحاء العالمين: «السماء والأرض» و«العالم السفلي».
وقد اتصلت صورة (رع المتحد بحورس) الجديدة بالصقر أو الباز الذي يرمز لحورس، في عصر الدولة الحديثة التي ظهرت في الفترة بين القرنين 16 و 11 قبل الميلاد برز الإله آمون على الساحة لينصهر مع رع كإله متحد وهو «آمون – رع»، خلال حقبة العمارنة وكان يعتقد أن رع هو من خلق كل أشكال الحياة، وهو الذي أوجد كلًا منها عن طريق استدعائها بأسمائها السرية. ولكنه بدلا من ذلك خلق الإنسان من دموعه وعرقه، وبالتالي أطلق المصريون على أنفسهم «أنعام رع». في أسطورة البقرة السماوية يروي كيف أن البشر تآمروا ضد رع وكيف أنه أرسل عينه متمثله في الإلهة سخمت لمعاقبتهم. والشمس من آلهة
اليمن القديم تسمى به سبأ الأكبر، لأنه أول من عبد الشمس، فدُعى “عبد شمس”، وفى الإرث القرآنى نجد أن شمس مسقطها الأول (سبأ) فى اليمن، حيث الملكة بلقيس تسجد وقومها للشمس – كما جاء فى سورة النمل على لسان الهدهد فى حديثه مع سليمان (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) سورة النمل ٢٤ في الواقع ارتبط البشر، منذ فجر التاريخ، بـ”الشمس”، فكانت الإله والمقدس الأول عبر الحضارات، وأول الأجرام السماوية التى لفتت إليها أنظار البشر بتأثيرها فى الإنسان، وفى الزرع والنماء، النجم الذى يضىء العالم، ويمنحه الخير والسكينة، فلا تخلو حضارة من حضارات العالم القديم من رمزية الشمس المقدسة.
وظلت الشمس وعينها مجالا واسعا للتأمل والخيال الإنساني الإبداعي وفي القرآن الكريم
ورد ذكر الشمس في أكثر من موضع ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) الأنعام (78)
وفي سورة يوسف جاء ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) واتذكر أننا حينما كنا صغارنا في مرحلة تخسير الأسنان كنا نحصر على قلع السن في وضح النهار ونخاطب عين الشمس باستبداله بسن جديد شبها بالبياض والتوهج.
وفي الأمثال الشعبية جاء؛ “كل يوم ادفىء بشمسه. والشمس لا تتغطى بمنخل”.
وعند عين الشمس دلالة عن البعد والاستحالة.
وفي ذلك أنشد المتنبي
مَن كانَ فوْقَ مَحلّ الشّمسِ موْضِعُه
فَلَيْسَ يَرْفَعُهُ شيءٌ وَلا يَضَعُ
ومن مننا لا يتذكر أغنية شادية؛
قولوا لعين الشمس ما تحماشى
لحسن حبيب القلب صابح ماشى
كل تلك التواردات الواعية وغير الواعية داهمتني وأنا ادلف بوابة جامعة عين شمس المصرية العريقة، ثالث أقدم جامعة مصرية، تأسست في يوليو عام 1950 تحت اسم جامعة إبراهيم باشا.
كنت مدعو لحضور ندوة اقامتها الجمعية الفلسفية المصرية في كلية التربية بجامعة عين شمس بعنوان ( الإعلام الرقمي والمسؤولية الأخلاقية، قدمتها الأستاذة الدكتورة سهير عبدالسلام استاذة الفلسفة بجامعة حلوان وعميد كلية الآداب الأسبق وعضو مجلس الشيوخ.
كانت ندوة رائعة جدا أدارها الأستاذ الدكتور بها درويش أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الأداب جامعة المنيا وعضو اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونيسكو،
بكفاءة واقتدار. تلك خاطرة سانحة وسوف تكون لي وقفة قادمة مع الندوة ومداراتها الجديرة بالأهمية والقيمة والاعتبار. إذ أثارت الدكتورة سهير عبدالسلام موضوعا بالغة الحيوية فيما نعيشه هنا والآن.
موضوع شائك يقع على تخوم عدد من العلوم منها؛ الفلسفة والإعلام والنفس والسياسية والاجتماع والدراسات الثقافية.