د. دارين السماوي تكتب: الناس الحلوة سايقة
من عادتي و أنا أسوق سيارتي وسط زحمة المرور الصباحية أن أصنع لنفسي عالما خاصا داخل السيارة بعيدا كل البعد عن الجو الخارجي المشحون بأصوات زوامير السيارات الغاضبة و وجوه السائقين العابسة، فسيارتي من الداخل عالم مختلف حتى أن المقربين مني يسمونها المهدئة للأعصاب.
و بما أنّ السياقة بالنسبة لي نشاط يومي قررت أن أجعل سيارتي “الغزالة الرايقة” وأكون أنا “الناس الحلوة السايقة” وأن أجعل من قيادة السيارة متعة بدلا من أن تكون مصدرا للضغط النفسي و القلق.
فإن كنت يا صديقي من النوع الذي يمارس هذا النشاط يوميا حتى يتنقل إلى عمله أو يقضي حاجياته اليومية أطلب منك وبكل لطف أن تسمع منّي هذه الكلمات:
و أنت على مقود سيارتك يا صديقي تذكر أنك أمام خيارين إمّا أن تحافظ على هدوءك وصحتك و أعصابك مهما صادفك من إنفعالات أو أن تتوتر و تسمح لمن سوف تصادفهم في طريقك بإفساد يومك.
مثلا ذلك الشاب المتهور الذي رمي نفسه أمامك كالقط البري ثم اسمعك وابلا من الاتهامات بأنك أعمى البصر و البصيرة وأنك تحصلت على رخصة السياقة بالرشوة، أو تلك السيدة التي مازالت في بداية تجربتها في السياقة و مازالت تتلمس الفرق بين يمينها و شمالها، أو تلك الجميلة في سيارتها الفارهة الواقفة أمامك في الإشارة والمشغولة بوضع أحمر الشفاه غير عابئة بالضوء الأخضر، ولا بأصوات زوامير السيارات الأخرى والتي إن أنت تجرأت و طلبت منها أن تسرع في الخروج من الإشارة سوف تنظر إليك شذرا و تقول لك بلسان عربي غير فصيح إنك عدو الجمال و الأنوثة و الرقة و لست بجنتل مان.
أو ذلك الرجل الكبير الذي نسي أن يمسح زجاج نظارته التي لم يغيرها منذ عشرين سنة والذي يسوق بسرعة عشرين كلم في الساعة سيارة موديل سنة 40 و يشتم هذا العصر المتسرع الذي لم يعد فيه لتقدير كبار السن مكان.
أو ذلك المتعجل الذي قطع الطريق أمامك فجأة و لم يكلف نفسه عناء الاعتذار و لو بإشارة من يده؛ صدقني أنا أعلم جيدا أنهم كلهم مستفزون، لكن نصيحتي لك أن لا تسمح لهم بتعكير مزاجك، وجعلك تتوتر، وتغضب، وربما تسب وتشتم، وتلوم حظك الذي جعلك تعيش وسط مجتمع متخلف جاهل.
ولن أستبعد فكرة أنك بمجرد قراءة هذه الكلمات شعرت بالتوتر أو ربما إستحضرت موقفا مشابها قد حدث لك فعلا وأفسد يومك، فإن كان الأمر كذلك يا صديقي فاسمح لي كخبيرة و مختصة أن أقول لك إن التعرض للضغط اليومي والتوتر أثناء السياقة لا يعرض فقط حياتك للخطر و يهدد سلامتك و سلامة غيرك بل من الممكن أن يؤثر سلبا على صحتك الجسدية والنفسية، حيث أنّ العديد من الدراسات العلمية أثبتت أنّ التعرض للضغوطات النفسية أثناء القيادة من الممكن أن يتسبب في تلف أعصاب الدماغ و العديد من الأمراض الأخرى مثل أمراض الجهاز العضلي، والعظام، والظهر، والجهاز التنفسي وآلام الرأس، ناهيك عن مشاكل الذاكرة، وعدم التركيز والإكتئاب والقلق.
وكل هذا بسبب أناس لا تعرفهم ولا يعرفونك لهذا نصيحتي لك ياصديقي وأنت تقود سيارتك حاول أن تصنع لك عالما خاصا مختلفا وأن تقطع مع العالم الخارجي المستفز بضغوطاته و توتره.
وفكر في الجانب الإيجابي، وفي أنك ذو حظ عظيم إذ أنّ السيارة هي أصلا نعمة تضمن لك الحرية والكرامة إذ تعطيك حرية التنقل إلى أيّ مكان تريده وتحفظ كرامتك من مضايقات عديدة تذكر كم عانيت بدونها وكم لهثت وراء الحافلات وانتظرت في البرد القارص و الحر الشديد أن يحنّ قلب سائق التاكسي ليأخذك في طريقه أو أن تجد لك مكانا في الحافلة المكتظة لذا وأنت تسوق احمد الله على هذه النعمة و قرّر أن يكون الوقت الذي تقضيه داخل سيارتك وقتا ممتعا.
ارفع زجاج السيارة و اجلس بوضع مريح وارسم إبتسامة على وجهك واستشعر بأنك سيد حياتك الذي لا يسمح لأحد بأن يتحكم فيها أو أن يفسد أوقاتها واجعل من الوقت الذي تقضيه في سيارتك وقتا جميلا ممتعا بدلا من أن يكون وقتا مخصّصا للتوتر و تلف الأعصاب.
إجعله وقتا لتعلم شيء مفيد كأن تستمع إلى كتاب صوتي أو إلى دروس في مهارة أنت تحب أن تتعلمها كلغة جديدة أو ما شابه صدقني ستندهش من الإنجاز الذي ستصل اليه بعد وقت وجيز فالوقت الذي تقضيه في السيارة ليس بقليل، ويمكن أن تنجز فيه الكثير.
استمع لموسيقى أنت تحبها أو أغاني ذات معان إيجابية أو إلى آيات قرآنية أو أي شيء محبب يجعلك تشعر بالسكينة والهدوء ولكن إحذر أن تستمع لشيء يجعلك تنام لأنّنا لا نريد أن نعرض حياتك للخطر.
ضع عطرك المفضل و اجعل شذاه يملأ السيارة صدقني فبعض الروائح لها تأثير المهدئات مثل العطور التي تحتوي على الخزامى والنعناع، والورد و أيضا تلك التي تساعد على التركيز مثل التي تحتوي على رائحة الليمون و البرتقال وأكليل الجبل.
رتب سيارتك فالفوضى تجعل الدماغ أكثر قابلية للتشتت و التوتر.. أكتب عبارة جميلة و ضعها في سيارتك لتحفزك على الثبات و الهدوء.. ولا تنس أن تنظم وقتك حتى تتفادى ضغط المواعيد، ويكون لديك متسعا من الوقت لتصل بسلام و مزاج رائق للوجهة التي تقصدها ولا تسمح لأي أحد أن يفسد يومك حتى وإن كان أكثر خلق الله استفزاز وكن دائما من “الناس الحلوة السايقة”.