أسماء خليل تكتب: السياسة بين العلم والغذاء

حينما خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم وأنزله على الأرض وجعلها له مستقرًّا؛ علَّمهُ الأسماء كلها، مصداقًا لقوله “علَّم آدم الأسماء كلها”، فباتت الرسالة الأولى من خالق الكون لساكنيه أن يتعلموا وتكن تلك أولى التعليمات الإلهية للإنسان،،

ومابرح الإنسان محوِّلًا تلك الآية، وكأن الرسالة الأساسية لله على الأرض؛ هي “وكلوا واشربوا”، فما برح إنسان العصر الحجري القديم يعيش على الهضاب، وكل شاغله الشاغل هو البحث عن الغذاء والماء وفقط، قرابة عقود من الزمان، ثم تلته العصور ليعرف الإنسان الأنهار، وطرق المياه العذبة المتنوعة ليزرع ويأكل مما يحصده، ثم يُطعم الطيور والحيوانات ليأكلها ويحيا باحثًا عن مصادر الطاقة ليأكلها أيضا وينعم،،

ورغم كل التقدم الحضاري لدى المصري القديم، و كل الحضارات الأخرى مثل حضارة بابل وآشور؛ إلا أن الغذاء ظل هو الشاغل الأعظم لكل الشعوب، وفي الأخير وصل العالم إلى تلك الحكمة التي استمدها معكوسة الكلمات من السابقين؛ لتصبح “نحن نعيش لنأكل”،،

تطور الأمر إلى أن صارَ البحث عن الغذاء هو السياسة بعينها؛ فباتت الشعوب تضغط على حكامها ليس لمجرد أن يأكلوا الخبز، و لكن يحملونهم كل المسؤولية لعدم رفاهية عيشهم وحصولهم على أفضل طعام، وأضحى الوضع مختلفًا عن السابق، وباتت هناك هيئات كاملة مسؤولة عن الغذاء، من ناحية الإنتاج والتفتيش والرقابة والتنظيم والتوزيع والاستهلاك.. كما تؤثر السياسات الحكومية المتعلقة بإنتاج الأغذية وتوزيعها واستهلاكها على سلامة تكلفة وتوافر المحاصيل الغذائية عالميا ومحليا..

وأصبحت اللُّقيمات أو فُتاتها هي السياسة حقًّا على أرض الواقع، فما تزال حتى الآن تسمع ليلا نهارا عن النزاعات التي لها علاقة وطيدة، بالزراعة من الناحية الأخلاقية والطبية والثقافية والتجارية والبيئية، وكذلك ترى كثيرا من الشجارات والمنازعات بين كثير من البشر وربما الأخوة، ودافعهم لذلك هو “لقمة العيش”، حتى أكثر الدول تقدما مثل الولايات المتحدة ظهرت بها منذ سنوات العدد من القضايا المعاصرة حول نقص الغذاء وقلة جودته..

ولك أن تتعجب حينما تعلم أن تصنيف علم النفس للرغبات، يضع حاجة الإنسان للطعام في المنزلة الثالثة، فقد صنَّف عالم النفس الشهير “ ستيفن ريس” رغبة الإنسان ل“التقدير” بالمقام الأول، والرغبة في “التعلم” بالمرتبة الثانية، تليهما الرغبة في تناول الطعام، وكذلك هل ستندهش حينما تعلم أن تلك الرغبات ال 16 ، يأتي فيهم حاجة الإنسان إلى الجنس الآخر بآخر القائمة، فلا تعجب أيضًا أن يكون هناك ديكتاتورا أعظم مثل هتلر في حاجة لمنع كل شيء عن الشعوب ويضع العاطفة بالمقام الأخير..

حينما وضع البشر – بمحض إرادتهم- غذاء البطون قبل غذاء العقول؛ أصبحت هناك دولة تمنع المياه عن أخرى لتقلل من إنتاجها الزراعي، وأخرى لا تُصدر القمح أو الأرز لغيرها من أجل أن تزعزع استقرارها، وثالثة تفسد بعض صفقات تبادل الغذاء ليموت شعبًا آخر، وهناك من تعدم المحاصيل الغذائية الأساسية كالقمح والذرة وفول الصويا عن شقيقتها من الدول لتحدث بها مجاعة.. وتحيا أوكرانيا فيأكل العالم، وتموت أوكرانيا فيموت العالم!..

من المؤكد أن البشرية بأكملها ستتقدم كثيرا إذا صنفت الرغبات بترتيبها الصحيح، فعندما يأتي العلم قبل الغذاء، سيعمل الإنسان ويجتهد أكثر، ويمنح الكثير من طاقته لعقله ليفكر ويبدع ويبتكر ويدرك ويفهم الآخر، وعن طريق ذلك سيربح ما يكفيه شر العوز ويجعله يقتات بشكل دائم دون الحاجة..
عزيزي الإنسان في كل مكان.. إذا أخذك الغرور وقادك الكِبْر لظلم الآخر بأن تمنع عنه الغذاء كوسيلة ضغط اجتماعية أو سياسية؛ فتذكر فقط أنك كائن “مُستهلك”.. وليس كائن“ منتج”، وربما يطعمك يوما شيء.. مثل خَشاش الأرض.

اقرأ ايضا للكاتبة:

زر الذهاب إلى الأعلى