أمل أمين تكتب: هل السمنة مرض نفسي ؟!
يبدو أن السمنة والاضطرابات النفسية دائرة مغلقة يضيع فيها البعض، حيث يؤدي المرض النفسي المزمن في بعض الأحيان إلى السمنة أو الفشل فى التخلص من الوزن الزائد لان الشخص وبسبب شعوره بالإحباط أو التعرض لضغوط نفسية غالبا يلجأ إلى تناول الطعام كوسيلة مهدئة أو التنفيس عن غضب مكتوم.
و فى حالات القلق تسوء حالة الهضم ويضعف الامتصاص ولا يصل الدم للمعدة بالقدر الكافى فلا تصل إلى المخ الإشارات بالشبع، وتبعاً لذلك يصير هناك رغبة متكررة لتناول الطعام لأن أغلب ما يتناوله الجسم من طعام لا يستفيد به استفادة كافية.
وقد أكدت دراسة سويدية أن السمنة فى حالات القلق ناجمة عن مهاجمة الجهاز المناعى للجزئيات المسئولة والمتحكمة فى مراكز الشهية فى المخ مما يعوق عمل خلايا الشبع عند الشخص القلق، وبالتزامن مع زيادة الشراهة تجاه الأكل تجعل السمنة حركة المريض صعبة، وتقلل من قدرته على ممارسة الأنشطة الخارجية، أو السفر، وذلك يقلل مشاركته في الحياة الاجتماعية مع العائلة والأصدقاء، مما يؤدي الشعور بالوحدة والانعزال، وهذا بدوره يؤثر سلبًا على الصحة النفسية.
كما تمكنّ العلماء من رصد عدة أسباب اجتماعية، طبّية، وتطورية ذات علاقة بمشكلات السمنة، لكن يوجد عامل آخر في غاية الأهمية يجب وضعه في الاعتبار حينما نحاول فهم ذلك الوباء، وهو العامل النفسي الوراثي خلف السمنة، ولوجهة النظر تلك تاريخ طويل بدأً من فرويد الذي ربط التعلق الفموي عند البدناء بنوع من الولع نتيجة للحرمان العاطفي خاصة أنه في نظرية فرويد يقع كل من الجوع والرغبة الجنسية على نفس المسافة.
وتطور الأمر في الستينيات ليصبح نظرية قائمة بحد ذاتها أسس لها هيلد بروخ الذي يقول إن مشكلة السمنة تتعلق بأن المرضى لا يعرفون متى يكونون جياعا، ويحدث ذلك لأن الأم في الطفولة لم تنتبه للأوقات التي يجوع فيها أطفالها ولكنها قررت اطعامهم وقتما تشاء فتسبب ذلك في الرفع من شأن استجابتهم للعوامل الخارجية -الطعام أينما وجد وبأشكاله المتنوعة الجذّابة- بشكل أكبر من العوامل الداخلية، المشاعر الخاصة به كالجوع الحقيقي.
ويتصور بعض الباحثين أن هناك كذلك أسباب للسمنة متعلقة بمحاكاة الطفل -في فترة مبكرة من حياته-لأبويه في نمط حياتهم، فالأطفال كما نعلم يتعلمون عبر تقليد أقرب الناس لهم في كل شيء تقريبا، هنا يمكن أن يمر سلوك كالأكل العشوائي ليصبح أساسيا في حياته فيما بعد، لكن في النهاية -حاليا- فقد تخلّى معظم الباحثين عن فكرة وجود نظرية شاملة تعطي سببا واحدا ذا علاقة بالسمنة، حيث تجتمع عدة عوامل معقدة معا لإعطاء تلك الحالة كنتيجة، خاصة أن أقوى الأدلة الآن ترتبط بعوامل وراثية، لكن للبيئة الغذائية المحيطة بالمريض، والظرف الاجتماعي، والثقافة، والوراثة، دورا كبيرا في ذلك.
ورغم تلك الحالة من الضبابية فإن هناك متلازمتين شهيرتين ارتبطا بالأشخاص البدناء بنسب كبيرة، الأولى هي متلازمة الأكل الشره، وهي نوبات من الشراهة عند تناول الطعام مرتين في الأسبوع لمدة ستة أشهر، ونجدها في 30% من المصابين في بالسمنة وبنسبة 2% من كل عيّنة مجتمعية عشوائية، وتتعلق النظرية الأكثر رواجا في شرح ذلك الاضطراب بتأثير المشاعر السلبية على الأفراد فيلجأون للطعام لرفع الحالة المزاجية.
أما الثانية فهي متلازمة الأكل الليلي والتي ترتبط بظاهرتين أساسيتين، وهما أكل الكثير من الطعام بعد العشاء والاستيقاظ من النوم لتناول الطعام، وهي حالة تنتشر بنسبة 10% بين المصابين بالسمنة وبنسبة 1.5% في المجتمع بشكل عام، ويربطها الباحثون بسببين، أولهما ذو علاقة باضطراب في الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الساعة البيولوجية والآخر -كالاضطراب السابق- متعلق باضطراب في المزاج، كما لاحظ الباحثون اضطرابا في هرمون البتين والذي يقمع الشهية أثناء النوم.
في كل الأحوال، تتفاعل العوامل النفسية مع عوامل أخرى اجتماعية ووراثية لتصنع لنا هذا الوباء المتفشي في 1.2 مليار شخص من تعداد العالم، لكننا نصل في النهاية إلى نقطة اتفاق واحدة، وهي أن العلاج الرئيس للسمنة يعتمد على تعديل نمط الحياة الخاص بالفرد والمجتمع ككل، بالطبع يمكن للعلاج بالعقاقير أو التدخل الجراحي أن يساعد، لكن هنا يظل تغيير نمط الحياة هو الحل الأكثر مناسبة، خاصة كمشروع قومي، وهو كذلك مجال البحث العلمي والاجتماعي الأكثر رواجا، وهو ربما ما نحتاج تكثيف العمل عليه هنا في الوطن العربي.
في النهاية، نعرف أن الطريق تجاه التخلّص من السمنة قد يكون طويلا ومرهقا، ونعرف أيضا أنه يبدأ من الوقاية، من معرفتنا بأجسامنا وطبيعة حرقها للوقود الخاص بها، ولمقاومة السمنة والتخلص من الوزن الزائد يجب أن نضع حداً للتوتر ومنها معرفة التكيف مع الضغوط النفسية ومعرفة تصريف المشاعر السلبية أو حالة الغضب من خلال ممارسة الرياضة أو قراءة القرآن أو تعلم الاسترخاء باتباع تمرينات التنفس أو ممارسة هوايات محببة للنفس مثل الرسم والحياكة وغيرها.