يوسف صديق الضابط الذى أخطأ فأنقذ حركة الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو (الجزء الأول)
بيان
افتخر وأتشرف أننى أول من حصلت على مذكرات “يوسف صديق” بطل الضباط الأحرار الذى أنقذ تحركهم ليلة 23 يوليو من عام 1952، ونشرت أهم فصل فى المذكرات حصريا فى مجلة “أكتوبر” قبل ما يزيد على 22 عاما، ثم أعدت نشره فى كتاب ” الانقلاب على ثورة يوليو” الذى وثقت فيه شهادت، ومواقف، وأجريت حوارات وتحقيقات حول الثورة والمشاركين فيها من الضباط الأحرار.
ومن بين هذه المادة الخصبة الثرية، اخترت بعض الحلقات، والفصول لنشرها لعل الأجيال الجديدة تقرأ وتعرف تاريخها.
عاطف عبد الغنى
(1)
للتاريخ أذكر أن يوسف “صديق” كان أشجع الرجال في تلك الليلة، وكان هو الذي نفذ عملية الاقتحام، والسيطرة على مقر القيادة” قيادة الجيش ومركز الاتصالات الحيوية” رغم أن دوره على حسب الخطة حماية قوات الهجوم والوقوف كصف ثان وراءها..
هكذا وصف محمد نجيب قائد ثورة ٢٣ يوليو يوسف صديق صاحب المذكرات التالية، أما “خالد محيي الدين” فقد منحه لقب فارس، بينما تحفظ عبد “اللطيف البغدادي” في مذكراته وأشار الي دوره فقط دون الوقوف عند شخصه وكذلك فعل السادات..
لكن.. بعض المؤرخين أشاروا في كتابتهم الي الدور الشجاع الذي قام به هذا الرجل والذي كان سببًا مهمًا من أسباب نجاح حركة الجيش ليلة الثورة.
وتبقى روايته هو بنفسه_ بخط يده _ عما حدث وثيقة مهمة تكشف عنها لنكمل الرتوش والظلال
التي تنقص الصورة وتشير لأدوار الحقيقة التي لعبها “جمال عبد الناصر” وعبد الحكيم عامر “وأنور السادات” في هذه الليلة أو على الأقل تفتح المجال لإعادة النظر فيها
سوف نجتاز سريعًا محطة انضمام “يوسف صديق” لتنظيم الظباط الأحرار وتكليفه _ وهو قائد وحدة إدارية صغيرة مكونة من ٦٠ جنديًا ولا يزيد تسليح أفرادها على البندقية_ بعمل مهمة ليلة ٢٣ يوليو وهو الاستيلاء على القيادة العامة للجيش بكوبري القبة بينما وحدته كانت تعسكر في معسكر الها يكستب، مسافة كبيرة كان على الرجل أن يجتاز فيها بوحدته الصغيرة كثيرًا من نقط التفتيش وربما المقاومة في حالة انكشاف أمر الحركة، وهو ما حدث فعلًا يوم ٢٣ يوليو لكننا سوف نتوقف عند نقطة مهمة وهي أن الرجل كان مريضًا… يعاني من نزيف حاد في الرئة يلزمه الفراش وعدم الحركة لمدة ثلاث أسابيع على الأقل.
وأن هذا النزيف فاجأه يوم ٢٠ يوليو، وكاد يتسبب في إلغاء دوره ومشاركته في ليلة الثورة عندما زاره “جمال عبد الناصر” “وعبد الحكيم عامر” ووجدته على هذا الحال، لكنه استطاع أن يقنعها بأنه يستطيع التعامل والسيطرة على هذا النزيف، وأنه إذا استدعت الحالة فسوف يلجأ إلي المستشفى العسكرى بكوبري القبة وهى على بعد خطوات من مركز القيادة..
ليلة عمره…!
ويجتاز يوسف صديق في مذكراته هذه النقطة ليصل مباشرًا إلي يوم ٢٣ يوليو ليروى بالتفصيل وقائع ما حدث وحتي صباح ٢٣ يوليو أو كما أسماها _ تلك الليلة_ في مذكراته ليلة عمرى.
يقول “يوسف صديق” بخط واضح على ورق من القطع الكبير ص ٣١:
” في صباح يوم ٢٣ يوليو كنت جالسًا في مكتبي في معسكر (ها كستب) أفكر في الطريقة التي أجمع بها ضباطي في المساء للعودة إلي المعسكر والمبيت به حتي القيام بالعمل،
وبديهي أن سرية العمل كانت تقتضي حصر المعرفة في الضباط المعنين فقط حتي أخر لحظة ممكنة ضمانًا للأمن وعدم تسرب المعلوما، فلم يكن بين ضباط الكتيبة من يعرف أننا سنقوم بالعمل الكبير المرتقب في تلك الليلة غيري أنا واليوزباشي “عبد المجيد شديد” الذي كان يليني في قيادة القوة..
ويمضي يوسف صديق ويروى وصول ثلاثة ضباط جدد للكتيبة وكيف احتار هل يشركهم في العمل؟ أو يمنحهم أجازة؟ ثم استقر رأيه على إشراكهم ليروى لكل منهم لأولاده وأحفاده أن أول عمل اشترك فيه في أول يوم لخدمته هو الثورة، ويشرح يوسف صديق كيف اهتدى لسبب يتيح له المبيت في المعسكر هذه الليلة دون أن يشك أحد من الضباط او الجنود في نواياه أو سبب هذا المبيت.
وتم تحديد الساعة السادسة من مساء ٢٢ يوليو لتلتقي قوة الكتيبة خارج المعسكر (ضباط التدريب) في ميدان صلاح الدين في مصر الجديدة.
ولا ينسى “يوسف صديق” أن يشير إلي حادثة يبدو أنها كانت مهمة في ذاكرته وخشي أن تضيع في غمرة روايته للأحداث فيقول: “وصلت إلى مكان اللقاء (ميدان صلاح الدين) قبل الموعد بنحو ربع ساعة وتصادف أن كان المكان أمام أجزخانة
فطرأت اي فكرة أن أطلب من الصيدلي حقنة ضدد المزيف تكون قوية فباعني الحقنة فرجوته أن يعطيها لي فاعتذر لعدم وجود استعداد في الصيدلية لذلك، وأشار لي إلى عيادات كثيرة لأطباء وأخبرني بأنني لابد أجد في هذه العيادات من يقوم بذلك، وفعلا توجهت إلى أول عيادة دكتور وقام التومرجي بالمطلوب على خير حال.
ساعة الصفر..
وتجمعت القوة التي تعمل تحت قيادة “يوسف صديق” في المعسكر حتي وصل الضابط “زغلول عبد الرحمن” يحمل معه بطيخة كبيرة وأخر الأوامر من قيادة الضباط الأحرار وهي ساعة الصفر، ويفتح “يوسف صديق” قوسين كأنه يؤكد عليها (منتصف الليل) وكلمة السر ويعود ليفتح الاقواس: (نصر) أما السبب في هذه التأكيدات فهو اعتقاد يوسف صديق الذي يبدو أنه ظل يلازمه حتى توفاه الله أنه كان هناك خطأ ما في تحديد الساعة ربنا عن قصد من الضابط “زغلول” (رسول القيادة) أو بدون قصد.. وفي هذا يقول “يوسف صديق” كانت هذه هي الرسالة التي حملها زغلول إلي_ أو التي سمعتها منه_ أو شاء الله على أن اسمعها منه على النحو _ وقابلت زغلول كثيرًا بعد ذلك وبعد نجاح الثورة فكنت أسأله عن حقيقة (ساعة الصفر) التي بلغها لي فكان يبتسم ولا يجيب.
وقبل ساعة الصفر بحوالي ثلث الساعة جمع يوسف صديق رجاله وقسمهم إلي ثلاث فصائل، وكان قد أمر مرؤوسه الضابط عبد المجيد شديد بالاتصال بضابط أخر هو عبد القادر مهنا لتجهيز ٤٠ عربة لورى، فأخبره عبد المجيد أن العربات جاهزة .. بعدما تم توزيع ١٠٠ طلقة ذخيرة على كل جندي ووقف يوسف صديق يخطب في ضباطه وجنوده حطبة قصيرة يستثير فيها حماستهم ويطلعهم على العمل الخطير الذي سوف يقومون به لصالح الوطن، وأصبحت القوة مستعدة للتحرك يتقدمها يوسف صديق في “عربة جيب” بصحبة اثنين من ضباطه لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
