عاطف عبد الغنى يكتب: الطرف الثالث فى تسريب الوثيقة الأمريكية الملفقة

نجحوا فى أن يشغلونا بتسريبات الوثائق الأمريكية، لكنهم لم ينجحوا فى أن “يخوفونا” بجرنا طرفا فى هذا الصراع، وما يترتب عن هذا من تأثير على العلاقات المصرية الأمريكية، أو علاقات مصر بالغرب على الإجمال.
وإذا كنا نخشى الانسياق وراء هذه التسريبات المقصودة، فنحن لا نخشى الرد عليها، والاشتباك معها لفضح نوايا من يقف ورائها لأسباب مفضوحة، وهى لعبة ليست بجديدة، ولا هى وليدة اليوم، أو الآن، ولكنها تحدث بين الحين والآخر، ومكررة من أمد بعيد.. أمد محاولات العمل على “تخويف، وردع، ولى ذراع مصر”، على الأقل على مستوى الدولة، “المستوى الرسمى”.
ما هى هذه الوثائق ؟!.. الوثائق فى معظمها، وليس كلها، عبارة عن نشرة يتم تقديمها من وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية “سى أى أيه” لرئيس هيئة أركان الجيش الأمريكى، ليتم تقدير المواقف على أساسها فى وضع خطط وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”.
وجانبا من هذه الوثائق وليس كلها يتم توجيهها إلى لجنة الدفاع بمجلس النواب الأمريكى محذوفا منها بعض المعلومات عالية السرية التى لا يجب أن تخرج عن الإدارات الأمريكية (الوزارات) والمؤسسات السيادية، أو التى يكون نشرها (المعلومات) ضد الأمن القومى الأمريكى.
وفى كل الأحوال فأنه من المفترض ألا يتم تسريب هذه الوثائق بأى حال من الأحوال إلا أذا كان الأمر متعمدا، ومقصودا.. وهنا يكون السؤال من صاحب المصلحة فى تسريب أو تهريب مضمون هذه الوثائق ومضمونها ؟!.

لم تأت وكالة “رويترز” بجديد حين نشرت فى خبر لها اليوم الثلاثاء أن شخصا من داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية هو الذى سرب هذه الوثائق، فبالطبع الذى سربها شخص (وليس روبوتا) موجود فى دائرة تداول الوثائق، وتم نشر الوثائق وعددها حوالى 100 وثيقة لأول مرة على موقع “ديسكورد”، وهو موقع خدمة دردشة لهواة ألعاب الفيديو ، وعنه تم النقل إلى مواقع التواصل الشهيرة، “فيسبوك، وتويتر وانستجرام”.
الجديد فيما يخص هذه الوثائق، هو ما صدر عن البيت الأبيض الذى أعلن على لسان متحدثه الرسمى أنه “دون التطرق إلى صحة هذه الوثائق”، فأن هذه المعلومات لا شأن لها بالنطاق العام، والمقصود “حرية التعبير”، وفيما يخص الإعلام، لا شأن لها بالصفحات الرئيسية، للصحف، ونشرات الأخبار، ولا يفترض أن تصل إلى العامة، كما لا يجب نشرها”، بمعنى (ونحن هنا الذى نقول) أنها ليست مادة تدخل فى نطاق حرية تداول المعلومات .
وعلى الرغم من تصريحات البيت الأبيض التى تعنى بشكل صريح إسكات الإعلام عن تناول هذه الوثائق، إلا أن “الواشنطن بوست” تصيدت وثيقة اعتبرتها ضد مصر ، وكما هو أصبح معروفا فأن الوثيقة تبدو وكأنها تكشف عن “نية” مصر تزويد روسيا بصواريخ، و “نية” روسيا عن استخدام هذه الصواريخ فى حربها ضد أوكرانيا (!!!)، وإلا فليفسر لنا الجهابذة لماذا لم يتم تنفيذ هذه الصفقة التى تحدث فيها الرئيس مع أحد وزرائه، فى مكان بالتأكيد مؤمن ضد أى تسريب….. (!!!!!).
وقبل أن نكمل هذه التحليل فقط، وعلى سبيل تنشيط الذاكرة، وبالقياس، أذكركم بوثائق “ويكليكس”، وأذكركم بشىء مشابه، وهو تسريب رسائل البريد الأليكترونى لـ “هيلارى كلينتون”، وأؤكد لكم أن لا شىء يحدث فى الدوائر الأمريكية، عفوا، كما أؤكد لكم أن “الطرف الثالث” يلعب لعبته دائما فى الوقت المناسب، من هو هذا الطرف الثالث الخفى فى تسريب تلك الوثائق، وهو – بشكل أو بأخر – نفس الطرف الذى يحرك “الواشنطن بوست” ومؤسسات أخرى للإعلام فى الغرب، يملكها، أو يسيطر عليها أو يخترقها.
هذا الطرف الثالث هو الذى عرف بميعاد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وحذر اليهود العاملين ببرجي مركز التجارة بعدم الذهاب إلى العمل في ذلك اليوم، وأول من كشف هذا كان موقع “انفورميشن تايمز” الأميركي، ونشره فى تقرير حمل عنوان” 4 آلاف يهودي لم يذهبوا للعمل بمركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر”.
في الاتجاه ذاته، جاء تفسير الكاتب الألماني أندرياس فون بولوف في كتابه “سي آي إيه و11 سبتمبر والإرهاب العالمي”، وغيره كثيرون، من المفكرين الغربيين الذين أجهدوا عقولهم فى تفسير ما حدث فى أحداث الحادى عشر من سبتمر، أما المفكرون والنخب العربية ، فقد نقلوا عن الرواية الرسمية الأمريكيوا، وأضافوا، وجودوا، وناموا فى عسل تفسير المؤامرة الإسلامية على الحضارة الأمريكية، ولا سيناريو أخر مهما بلغت وجاهته العلمية.
الكاتب جو أوسينسكي، صاحب كتاب “نظريات المؤامرة الأميركية” يقول: “كل شخص منا يؤمن بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل (فيما يخص حدث معين) وربما ببضع نظريات، ويرجع السبب إلى أن هناك عددا غير محدود منها” يفسر الأحداث، ويؤكد: “إذا اطلعنا عليها، سيرى كلٌ منا نفسه مؤمناً بإحداها”.
ونعود إلى الوثائق المسربة، ليس فقط من وكالة المخابرات المركزية، ولكن من 16 جهازا أخر يدخل فى دائرة الأمن الاستخباراتى الأمريكى، وفى الوثائق معلومات تبدو خطيرة فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، وتحديد موعد تآكل الدفاعات الجوية الأوكرانية، وعدد القتلى فى الجانبين، إلى آخر ما شاع عن تلك الوثائق، لكنا مرة أخرى ما يهمنا هو ما يخص مصر، وفى هذا الصدد مثلا يدلل محلل قناة 24 الفرنسية على صحة الوثيقة التى تخص مصر بالآتى:
تحديد تاريخ الحوار الذى دار بين الرئيس السيسى، ووزير الإنتاج الحربى، ويرى أن ذكر الوثيقة لاسم هذا المسئول الأخير على أنه دليل أخر على صحة الوثيقة، وبالطبع لابد أن تبتسم وأن تستمع لهذا المحلل الساذج، عن الرواية الساذجة، التى تفترض أن اسم وزير الإنتاج الحربى سرا كبيرا، أو ضرب أى تاريخ وذكره هو أيضا سر (!!!).
لكن قريحة محلل قناة 24 أو شيطانه أهداه إلى أن مصر ستقدم هذه الصواريخ مقابل ما قدمته روسيا لمصر وهو القمح، واعتبر أن هذا دليل ثالث على صحة الوثيقة، وهكذا كأن هذا المحلل الجهبز، أو محللو الإخوان، أو غيرهم من أعداء مصر، أتوا بما عجز عنع أصحاب العقول، على الرغم من التلفيق الواضح فى الرواية، ويحق لمصر فى ردها الرسمى على لسان متحدث الخارجية أن تؤكد أن: “ما نشرته الصحيفة عبث معلوماتى ليس له أساس من الصحة”.
هنا أيضا لابد أن ننتبه، أنه لأجل حبك اللعبة، فأن الوثائق سربت أن إسرائيل التى أعلنت أنها أيضا تقف على الحياد فى الصراع العسكرى الروسى والأكرانى، سوف تظهر أنه سوف تصدر أسلحة متطورة إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى تحليل لأداء حلفاء واشنطن، للصراع فى أوكرانيا.. شوف ازاى إسرائيل مخلصة للغرب، وإسرائيل لا تسأل عما تفعل (استغفر الله العظيم).
وحتى لا نغرق فى فيض المعلومات المتاحة، يكفى ما سبق، للوصول إلى الطرف الخفى فى مسألة الوثائق المسربة، أو قل الملفقة التى لم تقطع بصحتها كلها الإدارة الأمريكية، وهذه الوثيقة تحديدا التى تم تخصنا وتم التركيز عليها، تأتى ولاشك، لتخويف مصر أو ردعها، أو لى ذراعها، لإسكاتها عما يدور فى القدس، وفلسطين المحتلة، والحقوق العربية، وفى وقت تتقارب فيه مصر وسوريا، ومصر وتركيا، وملفات أخرى.
وكلمة أخيرة عن “الوثيقة نقول فيها إن هذا “الشغل” أصبح كما يقول العامة فى مصر “شغل بلدى” يعنى ينقصه دقة الصنعة، والكلام موجه للطرف الخفى وراء التسريبات، والتأويلات، والتهديدات ضد الدولة المصرية.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى