إسلام كمال يكتب: أمن النيل والبحر الأحمر مع سيناريو دويلة الخرطوم وأم درمان
مع تواصل وتيرة التصعيدات في السودان، بلا حاكم ولا رابط، كان من الضرورى لوقفة تحليلية سريعة قبل الوصول لمربع أسود جديد!
مع الوقت تتزايد السيناريوهات السوداء في السودان للأسف، ومنها:
١-تدخل ميلشيات إثيوبية وإريترية وقبلية لصالح ميلشيا الدعم السريع، ولو كانت الغلبة لهم، يكونوا هم الجيش السودانى، وفي المقابل من الممكن أن تنفصل دارفور في الغرب وكردفان في الشرق!
٢-تقع إنشقاقات جديدة في الجيش والدعم معا بقيادة “الكيزان” أى إخوان السودان، الذين دنسوا المؤسسات السودانية طيلة ٣٠ عام حكم البشير، ويكونوا ميلشيا خاصة بهم بالتعاون مع فلول البشير، تحاول السيطرة على الطرفين لتكوين الجيش السودانى الجديد لإعادة حكم الإخوان مرة أخرى.
٣-تدخلات عربية وأجنبية لصالح الجيش السوداني تنهى المشهد لصالحه اختفاء عن الساحة وفق الاتفاق الإطارى لصالح القوى المدنية، وينشق البعض عن ميلشيات حميدتى، والباقي يهرب إلى دارفور، حيث ظهورهم الأول، ويكون هذا ممهد لتوترات جديدة في دارفور، أو إنفصالها!
الخلاصة، أن المشهد في السودان لن يعود كما كان ابدا قبل تمرد ميلشيا حميدتى، وكلما طالت الحرب، كلما تعقد الموقف وزادت الأضرار داخليا وخارجيا، وبالطبع مصر من الأطراف الخاسرة بشكل مباشر، ومن غير المتوقع أن تنتهى هذه التوترات قريبا لأن هناك قوى داخلية وخارجية مستفيدة منها، وهناك أطراف تحاول توريط أطراف أخرى في المشهد، والقائمة طويلة بين تدخلات إيجابية وأخرى سلبية من مصر و إثيوبيا والإخوان وإسرائيل وروسيا وأمريكا والامارات والسعودية وقطر وإيران والصين والاتحاد الأوربي وتركيا، أى إن هذه الفوضى من الممكن أن تكون من ضمن الترتيبات الجديدة للشرق الأوسط، أو أوسع من ذلك بالتحضير لحرب إقليمية ومنها لعالمية.
وهناك تحليلات ترمى إلى أن معسكر إسرائيل يريد إتهام وتوريط معسكر إيران في هذه التوترات، إتساقا مع فتح جبهات وهمية تضرب إسرائيل من سوريا ولبنان للتمهيد لحرب واسعة، خاصة إن الحوثيين هددوا مباشرة بالدخول في حرب ضد إسرائيل لم يكشفوا عن إمكانية تنفيذها هل من لبنان أو سوريا أو حتى من العراق أو بصواريخ طويلة المدى ، وفي المقابل الحوثيون ليسوا بعيدين عن السودان.
كل هذا تهدف به إسرائيل إشغال المشهد الإقليمى والدولى بحدث ما من شأنه عرقلة التطبيع السعودى الإيرانى، وأيضا تعطيل إعادة سوريا للجامعة العربية، بخلاف تحويل الأنظار عن أزمتها الداخلية ومخططاتها حيال الأقصي وخلافه.
ومن ناحية أخرى، فكرة علنية تدخل الموساد في المشهد السودانى بالطبع تستفز الكثيرين وتؤهل لتعقيدات أشد، منها أن يكون مبررا سريعا لتدخل كل القوى المتأسلمة المتطرفة بالإقليم في السودان، فيأتون من ليبيا وتشاد والصومال وإرتريا بخلاف القوى المتمردة الموجودة أساسا في السودان، والتى من الممكن أن تدفعها التوترات للتدخل، رغم إتفاقات السلام الموقعة مع الخرطوم، فتتحول السودان عمليا إلى ليبيا جديدة أو سوريا أخرى أو يمن ثانية أو صومال إضافية، فالخيارات الفوضوية كثيرة، وأقلها ضررا هى النموذج العراقي او اللبنانى!
وبالتالى خسارة على كل الأنحاء من أمن البحر الأحمر المهتمة به القوى الدولية، لأنه المدخل الوحيد لقناة السويس، رغم إن حرب اليمن لم تؤثر في أمن البحر الأحمر بشكل كبير، رغم حساسية مضيق باب المندب، والأهم لنا بالتبعية أيضا ليس أمن البحر الأحمر فقط، وكون السودان إمتدادنا الجنوبي، لكن أيضا أمن النيل و أرض النوبة المهدد أساسا منذ أكثر من عقد بشكل مباشر، فكما كانت حرب تيجرى والتى كادت تسقط نظام أديس أبابا، لولا التدخلات الدولية في اللحظات الأخيرة، والتى كان ذراعها تركيا، مهمة إيجابيا لأطراف ما، فإن حرب البرهان-حميدتى، ستكون مفيدة جدا لإثيوبيا بشكل كبير، نرصد حجمه خلال الفترة القليلة المقبلة عن كثب.
هذه نهاية اللجوء للميلشيات خاصة في أجواء مذهبة الجيوش بسبب الخيانات الإخوانية بقيادة البشير وتنظيمه فى حالتنا هذه، فمهما كانت ولاءات الميلشيات المؤقتة، ومهما كانت مبررات تشكيلها أو اللجوء لها، فهو خيار في غاية الخطورة، لأنه سلاح ذا حدين بالفعل، والتجارب كثيرة، بالذات لو كانت لها مصادر تمويل خاصة ومسيطرة على مساحات أرض بخلفيات قبلية، كما هو الحال مع ميلشيات الدعم السريع، المكونة من ميليشيا الچانوجيد القبلية التى كونها البشير للمحاربة في دارفور لإنشغال الجيش بالصراع في جنوب وشرق السودان، وفي النهاية تحولت السودان من ثالث أكبر الدول العربية، لدويلات بخلفيات دينية وعرقية مختلفة.
ندعو الله آلا نتجرع من هذا الكأس المر أبدا، حمى الله مصر وشعبها وجيشها وقيادتها ودولتها العميقة.