عاطف عبد الغنى يكتب: مبارك وولديه.. أسئلة التاريخ
الأخ علاء مبارك “ترند” وقيل أنه ما نال هذه الزيادة الموعدة فى المتابعة على وسائل التواصل الملعونة إلا بسبب أنه نشر أغانى للشيخ إمام الذى كان والده الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك قد سجنه، أو شىء من هذا القبيل، عموما أنا شخصيا كصحفى إذا صادفنى خبر يتعلق بالأسرة المباركية، بالتأكيد سوف أتابعه وأنشره، لأنها مادة مطلوبة (صحفيا)، وليس بحثا عن “الترند” وزيادة المشاهدات، لكنى سوف أراعى الجانب الأخلاقى فى النشر، بغض النظر عما سيفعله غيرى.
وما سبق ليس موضوعنا، ولكن الموضوع أن يتصور البعض أن “ترند” علاء مبارك، أو خبر عن جمال يحقق نسبة مشاهدة، معناه أن المصريين سامحوا ولدى مبارك، وأنهم غفروا لهما ما تقدم من ذنبهما فى حق البلاد والعباد، وهو كثير، والتاريخ قريب وليس بعيدا، وشهوده مازال أكثرهم أحياء، واليوم أو غدا سوف يحكم التاريخ على عصر مبارك، بما له وما عليه، كما قال، وكما استشهد صديقى، الكاتب الصحفى الكبير إسلام كمال، بهذه العبارة، استشهد أنا أيضا بها، واعتذر له مقدما فى مخالفته الرأى فيما كتب على هذا الموقع فى مقاله المعنون بـ “محاكمة التاريخ يامبارك !”، ولمن يريد الاطلاع على المقال فهذا رابطه: إسلام كمال يكتب: محاكمة التاريخ يامبارك !
ومثلما عاد كمال للتاريخ القريب، أعود أنا أيضا إليه، من باب تنشيط الذاكرة لا أكثر ومحاولة لاستدعاء حالة عامة، ووقائع خاصة، كنت طرفا فيها خلال فترة ما قبل 24 يناير 2011، وإليكم الآتى:
– إبان تولى عاطف عبيد رئاسة الوزراء، وكان وزير قطاع الأعمال مختار خطاب، وفى حمى الاندفاع فى الخصخصة، وبيع ممتلكات الدولة، جاء الوزير مهندس العملية، وذراع رئيس الوزراء اليمين، فى ندوة بمجلة أكتوبر، وكنت أنا أصغر الصحفيين سنا من المشاركين فى الندوة، ووالجالسين على ترابيزة الاجتماعات، وجاء الدور علىّ لسؤال الوزير، فسألته عن بيع شركات ومصانع الدولة الرابحة، والمحجوز إنتاجها لشهور عديدة مقدما، وبيعها بتراب الفلوس، وضربت له مثلا بمصنع الدخيلة للحديد والصلب، وما أن انتهيت من سؤالى حتى كان وجه الوزير قد ذهب ألوانا، واسقط فى يده، لولا أن أدركه الأستاذ رجب البنا رئيس التحرير فى ذلك الوقت، وحاول رفع الحرج عنه بإجابة لا أتذكرها الآن.
– وفى واقعة أخرى حدثت قبل يناير 2011، حدث أن ترشح د. إسامة الغزالى حرب نقيبا للصحفيين، وجاء إلى مجلة أكتوبر واجتمع بالصحفيين ليتحدث عن برنامجه كعادة المترشحين، وحكى الواقعة التالية، وفيها أن جمال مبارك خاطبه ليضمه إلى لجنة السياسات، وتحدث معه طويلا عن رغبته فى الإصلاح، وأنه جمع فى “السياسات” نخبة من العقول والشخصيات ليسعوا إلى الإصلاح، وإنها “اللجنة” ستكون بمثابة المعارضة الداخلية فى الحزب الوطنى للحكومة، وأضاف الغزالى حرب إنه اقتنع وقبل الانضمام للجنة، وتم تعيينه بعدها فى مجلس الشورى الذى كان يترأسه صفوت الشريف، وفى أحدى الجلسات، وقف الغزالى حرب يعترض على واقعة ما تخص الحزب الوطنى، وصوّت ضدها، فما كان من صفوت الشريف إلا أن قال له معلقا على موقفه: “أنت صدقت نفسك ولا أيه يا دكتور؟!” وبالمناسبة د. أسامة حى يرزق.
– أيضا قبل 25 يناير بشهور قليلة، زارنا فى أكتوبر د. محمد كمال، ومن بعده د. على الدين هلال، ضيوفا فى ندوتين منفصلتين، وكعادتى ناوشت الأول حتى تذمر وضاق ذرعا بأسئلتى، أما مهندس التوريث الأكبر د. هلال، فكان يتحدث عن الإصلاح السياسى بعبارات مطاطة، فاستوقفته وسألت عن آليات تنفيذ هذا الإصلاح، فرد بابتسامته الذكية علىّ قائلا: “يا لئيم”، وربما تصور أننى أريد أن أورطه فى كلام يحاسب عليه، لكننى كنت أقصد أن أؤكد له أن كلامه مجرد “ضحك على الذقون”.
هكذا كانت تحكم مصر، من خلال زمرة الحزب الوطنى، وجماعة المنتفعين، ورجال الأعمال الذين تزوجوا بالسلطة، حسب وصف “روزاليوسف”، والذين رفعهم مبارك إلى الحكم، ومكنهم من السلطة، بناء على توجيهات خارجية، أقنعت النظام بنظرية “الطبق” أن دع القطاع الاستثمارى يعمل ويربح، والفائض المتساقط من طبق أرباحهم، هو الذى سيصنع الرفاهية للشعب، وتملكوا الأراضى والمصانع، بينما كان الفقراء يأنون، ويتوجهون بالدعاء إلى السماء على الحاكم، الذى استسلم لفكرة التوريث وترك للوريث الدفة، وذهب الأخير يغازل الغرب، وينفذ له سياساته، ودهاقنة الغرب يحفرون للوطن الحفرة، ويجهّزون الفخ للوصول إلى التغيير المنشود من مخططهم عبر الفوضى الخلاقة هذا التعبير الذى أطلقته “كوندليزا رايس” هنا فى مصر فى وجه النخبة، التى لم تفهم ما ورائه، ومضوا فى غيهم يعمهون (عميان العقل والفطنة) دأب كل ظالم.
من الخاص إلى العام، هل نسينا بطل “نكتة” صاحب المقهى وشريكه؟! الذى كانت تعنى أن “البرنس” لم يترك أحد فى مصر لم يشاركه، ويقاسمه أرباحه حتى صاحب مقهى بلدى.. هل نسينا ما حدث مع وجيه أباظة وغيره، هل يخبرنا “البرنس” علاء من أين أتى بثروته التى كونها فى حياة والده، حتى ولو كانت ملايين قليلة، وليست مليارات؟!.. القضاء لم ولن يدينه لأن الورق “متستف” والعدالة عمياء، والقاضى لا يعترف إلا بما أمامه من أوراق.
ومجلة “وروز اليوسف” هى التى نشرت تقارير وتحقيقات بعد 25 يناير 2011 عن شقيق “البرنس” الذى كان يتاجر فى ديون مصر، والأرشيف موجود ومترع بوقائع الفساد والإفساد، ولمن يريد الاستزادة، يسألنا ونحن على استعداد للإجابة والنشر.
وقولا واحد مبارك لم يخن وطنه وفى “عز” أزمته، كنت أقول هذا وأكرره، وأتلقى الاعتراضات وأرد عليهأ لكن سياساته على مستوى الداخل، ونخبته، وأسرته، ومتربحيه، ولصوص المرحلة، هم من أوصلوه لما آل إليه، وأوصلوا البلد من قبله إلى لحظة الانفجار فى 25 يناير 2011.
وفى كتابى “الثورة والمؤامرة” تفاصيل القصة من الشاطىء الأخر، تفاصيل المخطط، ووقوع مبارك ونظامه أسرى لهذا المخطط، وحيثيات إدانته الموثقة بوقائع تاريخية، ولا أعذره بالجهل، ولا الرعونة، ولا الطمع فى التوريث، ولا الاستهانة بالناس، وأفهامهم، وعقولهم، وإرادتهم.
وأخير وحتى لا أطيل أكثر فحكاية إطلاق “البرنس” على الأخ علاء، تضره أكثر مما تنفعه، لأنها سوف تذكّر الناس بشخصية أحمد مظهر ابن أفندينا، فى فيلم “رد قلبى” تلك الشخصية التى كرهناها وما زالنا وهى شخصية لها ظل فى التاريخ، وليست من نسخج خيال كاتب القصة يوسف السباعى أو غيره.
وفى النهاية لو الشعب المصرى نسى هذا الماضى القريب يبقى “لا مؤاخذة”.