عاطف عبد الغنى يكتب: نحن وإيران والخدعة الكبرى
بيان
أتصور أن أجهزة الدولة المصرية، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، تتحسب لعودة العلاقات المصرية الإيرانية كاملة، وهناك خطوات، وإشارات واردة من طهران فى هذا الاتجاه.
علاقات مصر وإيران على مستوى القيادة والحكام، معقدة، وغريبة. لا تعرف الأجيال الجديدة أنه فى عام 1936 جرت مصاهرة ملكية، حيث تزوج شاه إيران محمد رضا بهلوى من الأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد وشقيقة الملك فاروق، وجاءت الثورات فى مصر وإيران لتخلق التوترات، وتأزم العلاقات بين الدولة الفارسية، ومصر.
كانت ثورة يوليو 1952 أولا فى مصر، التى ساندت المعارضة الإيرانية لحكم الشاه، وكانت الضربة التي تلقاها الغرب بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، وصعود نجم عبد الناصر، الذى رأت فيه طهران أنه يأتي على حسابها، وتحّول قلقها إلى فزع بعد أن وصل المد القومى العربي، الذى يقوده عبد الناصر إلى مداه بقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م.
وتبدلت الأدوار مع ثورة الأمام الخومينى الشيعية التى تحمل اسم الإسلامية، والتى كان من أهم مبادئها، وآليات عمل أجهزتها، تصدير الثورة للعالم الإسلامى، وبالطبع مصر ضمن هذا العالم.
ودخلت ثورة الخومينى فى عداء صريح مع مصر بسبب استضافة الرئيس السادات للشاه محمد رضا بهلوى، وأسرته، وإكرام وفادتهم ردا على جميل الشاه حيث ساعد مصر فى حربها المصيرية فى أكتوبر 1973، وتم قطع العلاقات مع مصر 1979 بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وتعمقت الجراح بعد إطلاق إيران اسم قاتل الرئيس السادات على واحد من شوارع طهران.
وفى بداية العشرية الأخيرة من القرن العشرين، فى عهد الرئيس حسنى مبارك عادت العلاقات بين مصر وإيران على مستوى “قائم بالأعمال”، لكن ظلت مصر متحسبة لمحاولات التمدد الشيعى الإيرانى فى المنطقة، وأمامها نماذج مما حدث – بسبب ذلك – فى دول عربية مجاورة مثل البحرين، والعراق، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، واليمن.
وجاءت ثورة 25 يناير 2011، لتسفر بوضوح عن توجهات إيران الحقيقية نحو مصر، فلما صعد الإخوان، للحكم، منحوا طهران مساحة من الحرية للحركة فى الداخل المصرى، وبقدر ما كان ذلك مقلق للمصريين، وأجهزة الدولة الأمنية، كان كاشفا للأطماع الإيرانية على المستويات السياسية، والأيدلوجية، والاجتماعية.
وفى سياق أخر كشفت التحركات الإيرانية الخلايا الشيعية النائمة فى بعض القرى والمحافظات المصرية، والتى حاول الشيعة التمدد فيها، بإقامة الحسينيات وانتشار الملاطم المشهور بها الشيعة.
وفى أدبيات الشيعة مكان ومكانة، كبيرة لمصر فى عصر الظهور، والمقصود به ظهور المهدى المنتظر، محمد بن الحسن بن علي المهدي الإمام الشيعى الثانى عشر الذى دخل السرداب طفلا، ليخفوه عن أعدائهم من العباسيين، واختفى فيما يسمى الغيبة الكبرى منذ عام 328 هـ، وينتظر الشيعة ظهوره وقيادته لهم إلى اليوم.
ولهذه الرجعة عدد من الشروط، المعنوية، والمادية، وأول هذه الشروط وأهمها من وجهة نظرهم: وجود النظرية أو الأطروحة الكاملة لعملية التغيير، ووجود القائد الذى يتولى هذا التغيير، وبمعنى أخر وجود الأيديولوجية الفكرية الكاملة والقابلة للتنفيذ في كل الأمكنة والأزمنة والتي تضمن الرفاهية للبشرية جمعاء، وهذا ما تم بالفعل بوجود الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية الخاتمة.
ورأى الحكام من شيعة إيران، فى أحداث الربيع العربى، ومصر الكبرى بالذات مخايل كثيرة تناسب ما يبحثون عنه لظهور مهديهم المنتظر، وعن مصر وردت عدة أحاديث في عصر ظهور الإمام، وهى أحاديث ضعيفة ومسيسة بالأساس، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم إلى مصر وقد خلطها بعضهم بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي، وأحاديث تمدح نجباء مصر وأنه سيكون منهم وزراء للإمام المهدي، ومنها ما يذكر أن الإمام سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام.
وتوافد – أيام الثورة والفوضى – رجال أمن ودين من إيران طافوا الميادين، ومزارات آل البيت، وجمعوا حولهم بعض المريدين، والمناصرين، والشيعة من المصريين، وهذا دأب الأغلبية حيت يتشيعون فيدينون بالولاء الأيدلوجى للفقيه ودولته.
الإخوان النفعيين البرجماتيين، لما وصلوا للحكم، اندفعوا أيضا نحو طهران، فى بحثهم عن كل ما يرفع شعارات إسلاموية، حتى ولو اختلفوا معه فى المذهب أو التوجه، فعلوا ذلك مع الإسلاميين فى تركيا، وفى فلسطين، وأينما وجدوا.
الخطورة فيما سبق وفى الآتى هو فكرة تحول الولاء (الوطنى) للمتشيعين، إلى ولاء أيدلوجى شيعى، ومن جانب أخر امتداد عقائد الشيعة فى مذاهب ونحل هى بالفعل خطر على الدول الوطنية، وعلى الإسلام والمسلمين، ومن هذه الملل والنحل، البهائية، والقديانية، والأحمدية التى خرجت من رحمها، وما شابهها. حيث تشيع الخرافات والأساطير، وتتخذ الدولة الاسعمارية الحديثة من هذه الكيانات، نموذجا لوأد الدولة الوطنية، لصالح ما تسميه دول السلام العالمى، وهى دول على المشاع لا ترفع علم، ولا تنضوى تحت رمز من رموز الدولة، ولا يحمل أبنائها سلاحا، ولا ينتظمون فى جيش. فهل تتصور أن تكون بلدك على هذا المثال، وقريبا منك إسرائيل مثلا تملك سلاحا نوويا.. فكر بروية فى الخدعة الكبرى.