رفعت رشاد يكتب: أمريكا والهيمنة الإعلامية
الإعلام .. عنوان أحدث أجيال الحروب الاستعمارية، وأخطر أسلحتها.. وعنوان الغزو الحديث، الذى يتم السيطرة من خلاله على عقول الشعوب، بعد غسلها، ثم حشوها بأفكار المحتل بداية من التدمير إلى الاستعباد الفكرى الكامل.. ما هو سر قوة الإعلام؟! هذا ما تجيب عليه المقالة التالية للكاتب الكبير رفعت رشاد المنشورة فى صحيفة “الوطن” ونقدم فى التالى نصها:
لا تهدأ الأمور أبداً فى مجال الإعلام الأمريكى، خاصة فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعى التى تتطور فيها الأوضاع بين لحظة وأخرى.
آخر الأحداث إطلاق تطبيق «ثريدز» الذى تملكه شركة «ميتا» صاحبة «فيس بوك» وأشقاءه من المواقع الأخرى.
أحدث ظهور «ثريدز» ضجة عالمية كبيرة لأن الهدف من صدوره ضرب «تويتر»، تطبيق النخبة، الذى يطلق فيه السياسيون والنجوم فى العالم تصريحاتهم التى يؤثرون بها على مجريات الأحداث.
فور صدور «ثريدز» حصل على مشاركين بمئات الملايين، وهو ما جعل إيلون ماسك، صاحب «تويتر»، يعلن أنه يعد لتطوير «تويتر»، لكنه لم يفصح عن طبيعة ذلك التطوير.
الإعلام لم يعد قاصراً على الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية ولا على القنوات الفضائية والإذاعات الأثيرية، صار الإعلام الفردى أو إعلام المواطن أقوى تأثيراً فى ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعى التى تتعامل بمئات المليارات من الدولارات وتسيطر على شريحة كبيرة من سوق الإعلانات.
أصبح الصراع بين تلك المواقع العملاقة يشبه الصراع بين الدول الكبرى للسيطرة على العالم، فقد صارت السيطرة على العالم تتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى التى تتجاوز أى حواجز جغرافية أو سياسية أو ثقافية أو لغوية، وهو ما يوفر لها قوة غير مسبوقة لا تضاهيها قوة أى أسلحة.
كانت الدول المتقدمة منذ بدايات الاهتمام بالإعلام الذى كان يقتصر فى بداياته على الصحافة المطبوعة، تدرك مدى أهمية هذا السلاح وتأثيره غير المقارن، فاهتمت بصنع قواعده والحرص على تطويره.
ولنتذكر فى مصر أن نابليون عندما جاء بحملته جلب معه مطبعة لكى يستخدمها فى طباعة جريدة تخاطب المصريين وتؤثر عليهم، فهو كان يؤمن بأن الجريدة أقوى من كتيبة مدفعية.
وكان للبلاشفة الروس فى بدايات القرن العشرين فضل كبير على الإعلام ورائده قائد الثورة لينين، حيث استفادوا كثيراً من جريدته «الشعلة» والمنشورات التى كانوا يلقونها بالملايين على التجمعات العمالية والتى استطاعوا من خلالها حشد الجماهير خلفهم.
وعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى كان الرئيس الأمريكى ويلسون محرضاً على تأسيس قواعد الإعلام الحديث، وكلف لجنة بتنفيذ ذلك فقامت، بقيادة بيرنز، بوضع أسس علم العلاقات العامة الذى يشمل فى داخله علم الإعلام الذى شهد تطويراً كبيراً من خلال والتر ليبمان.
ومن خلال تلك اللجنة وإعلامها استطاع ويلسون إقناع الشعب الأمريكى أن مصلحة بلاده فى خوض الحرب العالمية التى كانت الخطوة الأولى لسيطرة أمريكا على مفاصل القوة الدولية ولتصبح القوة العظمى الأكبر.
وكان هتلر وصديقه جوبلز مدركين تماماً لقوة الإعلام وصنعا من خلاله قوة تأثيرية غير مسبوقة ساهمت فى إرباك أعدائهما والإيهام بمضاعفة القوة الألمانية.
كان علماء الإعلام فى غالبيتهم من الأمريكيين، وهم الذين صاغوا نظريات الإعلام والاتصال فى وقت مبكر منذ الخمسينات والستينات، وكان بعضه أبكر قليلاً فى الأربعينات.
وكان الأمريكيون هم من ابتكروا مصطلح القرية الكونية وأن العالم صار تلك القرية التى يعرف فيها الناس كل ما يدور فى أنحاء الكوكب فى لحظات، وكان ذلك من خلال نظرية تحمل رؤية لعلماء فكروا ودرسوا ووضعوا تصورات سار عليها العالم بعد ذلك بخطوات متسارعة وقفزات غير مسبوقة حتى صار الموبايل يحمل كل الإعلام وكل العالم فى الجهاز الذى لا يزيد بحال عن حجم كف طفل صغير.
صار الإعلام – بجانب وسائل أخرى عديدة – أهم وسائل أمريكا للهيمنة على العالم بدون أى سلاح حربى.