أسماء خليل تكتب: الطموح وتعاظم المعيشة

بيان

في الحين الذي تنازلت فيه كثير من الأسر حول العالم عن أشياء من أساسيات الحياة، تجد هناك البعض الآخر مازال يلهث لتحقيق كمالياتها، بل وربما هم من محدودي الدخل.

ولكم تداخل مفهوم تحقيق الطموحات مع مفهوم آخر، متواجد منذ سنوات، ويسري وسط البيئات كالنار في الهشيم؛ وهو “تعاظم المعيشة”، لقد بات كل شيء يُسمى بغير اسمه ليتناسب مع الرقي العصري الحديث، فتلاشت الأحلام البسيطة الرقيقة وسط الحداثة.

مُسميات لأشياء.. برندات.. مأكولات حديثة الأنواع والأسماء.. مدارس خاصة وأجنبية.. مستشفيات ومراكز طبية لها أسماء من نوع آخر .

أصبح المرء يعيش وسط حياة مُتكلفة اخترعها لنفسه، بها عظمة في كل شيء، وإلَّم يكن كذلك فهو يريد أن يكون كذلك..فأصبح السخط وعدم الرضا مُتملكًا من كل جوانب حياته.

فهو يرغب كشاب منذ أن يتعرف على ابنة الحلال، والعكس كذلك؛ أن يؤسس شقته على أحدث طراز ممكن، حتى إذا كان ذلك عن طريق الاقتراض والدين، وإذا أتاه زائرون يريد أن يبدو في أحسن صورة، ولو لم يكن ما يرتديه ملابسه، مرورًا بكل مواقف الحياة.

يأتي المولود، فيتم تسميته بأسماء مخالفة للمعتاد، أسماء لابد أن تدل – من وجهة نظرهم – على رُقي معيشي وترف، يدخل الابن المدارس، ولا بأس أن تكون مدارس “إنترناشيونال”، رغم أن دخل الأسرة السنوي بالكاد يكفي المعيشة وأقساط المدارس، ما كل هذا التكلف الذي أثقل الحياة؟.

البساطة أصبحت تعني التخلف والنظرة المُتدنية والاستهجان، أن تقيم حفلًا بسيطًا، هذا يعني أنك فقير ويُعيرك المجتمع حتما، أن ترتدي ملابس بسيطة..أن تتناول مأكولات تكلفتها رخيصة أمام الناس..أن تشتري لوازم حياتك من محلات رخيصة الأسعار…إلخ؛ فهذا يعني أنك “بيئة”.

كم تعطلت مصالح وزيجات ومشاريع؛ بسبب النظرة المجتمعية، ومازال الإنسان في تصميم على ترك البساطة رغم أنفه، لماذا؟!..لا أحد يعلم..

وتتوالى الطموحات التي تعمل على “تعاظم المعيشة”، ويظل المرء يلهث إلى أن ينال جزءً منها، وربما ينل، لكنه ما يلبث دائرًا في ساقية الحياة، مربوطًا بأمنيات وأهية ربما تكلفه عمره.

ويظل المرء مُشتتًا في البيئة؛ كي لا يُصبح يومًا بيئة!.

اقرأ أيضا للكاتبة:

أسماء خليل تكتب: البوصلة بيد مَنْ ؟!

زر الذهاب إلى الأعلى