تركيا ترد رسميا على الأسد: لن ننسحب من سوريا و مسار التقارب لم ينقطع
متابعة: أشرف التهامي
قال وزير الدفاع التركي يشار جولر، إنه لا يمكن تصور مغادرة سوريا دون ضمان أمن حدود تركيا، معتبرًا أن بلاده لديها “نقاط حساسة” تجاه هذا الموضوع.
وأضاف الوزير بحسب ما ترجمته وكالة “الأناضول” التركية عن لقاء متلفز للوزير، السبت 12 من أغسطس، أن بلاده ترغب في إحلال السلام في سوريا، مشيرًا إلى أن “صياغة دستور جديد لسوريا واعتماده، أهم مرحلة لإحلال السلام هناك”.
غولر اعتبر أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يبذل جهودًا حثيثة صادقة لإحلال السلام في سوريا على حد قوله.
وجاء حديث الوزير التركي بعد أيام من مقابلة أجرتها قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، مع رئيس الدولة السورية بشار الأسد، هاجم فيها تركيا وسياستها في المنطقة وسوريا على وجه الخصوص في 9 من أغسطس الحالي.
وعند سؤاله عن إمكانية لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال الرئيس الأسد إن الهدف بالنسبة له هو الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، مشددًا على أن اللقاء لا يمكن أن يتم “تحت شروط أردوغان”،.
السفير التركي السابق في سوريا، عمر أونهون، قال في 11 من أغسطس الحالي، إن ما قاله الرئيس بشار الأسد، في لقائه الأحدث، ليس جديدًا، موضحًا أن الرئيس الأسد كرر ما كان يقوله منذ أشهر، وما تكتبه الصحافة.
وخلال مقابلة مع صحيفة “إندبندنت” بنسختها التركية، أضاف السفير: “لم أر أي جديد في كلماته في هذا الصدد، لهذا السبب لا يمكنني القول لقد انتهت عملية التطبيع هذه، ولم تنته”، مشيرًا إلى أن الرئيس الأسد أوضح ما يعرفه الجميع.
ومنذ بدء خطوات التقارب بين الطرفين، يشترط الاسد في هذا الملف إعلان تركيا رسميًا، وبشكل لا لبس فيه، أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، والبدء الفعلي بالانسحاب، الأمر الذي تعتبره تركيا شرطًا “غير ممكن” في الوقت الحالي، لأن ذلك سيسبب فوضى و”مجازر” في المنطقة على حسب زعمها.
أبرز الردود على مطالب الرئيس السوري جاءت على لسان الرئيس التركي، عندما قال إنه لا نية لبلاده سحب قواتها من سوريا، معتبرًا أن الخطر لا يزال مستمرًا على حدود بلاده.
تركيا تتجاهل تصعيد الأسد.. مسار التقارب لم ينقطع
فتحت تصريحات الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال حديث خاص أجراه مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في 9 من أغسطس الحالي، الباب أمام تساؤلات حول إمكانية استمرار مسار التقارب التركي مع دمشق في ظل هجوم وتصعيد لهجة شنه الرئيس الأسد على تركيا بالمجمل، وعلى الرئيس التركي خصوصًا.
وردًا على تصريحات الرئيس التركي التي تشدد على بقاء القوات التركية في سوريا لمحاربة “الإرهاب” حسب زعمه، صعّد الرئيس الأسد لهجته ضد أنقرة، مؤكدا أن “الإرهاب الموجود في سوريا هو صناعة تركية، (جبهة النصرة)، (أحرار الشام) الإرهابيتين و أنهما تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتُموّل حتى هذه اللحظة من تركيا، إذًا عن أي إرهاب يتحدث؟ (في إشارة إلى أردوغان)”.
تصريحات الرئيس الأسد حلقة إضافية من سلسلة تصريحات يهاجم خلالها تركيا، بالتوازي مع مباحثات مسار التقارب التي تدفع بها وترعاها روسيا، فما يميز التصريح الأخير تزامنه مع مؤشرات توحي بتعثر المسار السياسي بين الجانبين، الذي لم يذهب خلال أكثر من ثمانية أشهر على انطلاقه أبعد من لقاءات على المستوى الوزاري وما دون ذلك لأطراف “الرباعية” (تركيا وروسيا وإيران وسوريا)، دون تطور ملموس على الأرض، رغم الحديث عن أجواء “إيجابية” أو “بناءة” بعد اللقاءات.
في 16 من مارس الماضي، خلال زيارته الخامسة إلى روسيا منذ بدء الاضطرابات السورية، عزا الرئيس الأسد مسألة الخلل الأمني على الحدود السورية- التركية إلى ما أكد إنها “سياسة أردوغان”، معتبرًا أن مسألتي الأمن واللاجئين، كمشكلة تركية، هما من إنتاج حزب “العدالة والتنمية” بقيادة الرئيس التركي.
وحين شارك لأول مرة منذ عام 2010 في القمة العربية التي جرت بجدة، في 19 من مايو الماضي، أشار الرئيس الأسد إلى ما وصفه بـ”خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”، ورغم هذه التصريحات، تواصلت اللقاءات السياسية ضمن “الرباعية”، وصولًا إلى لقاء نواب وزراء الخارجية الذي جرى في أستانة، بالتزامن مع مباحثات “أستانة”، في 20 و21 من يونيه الماضي، وكانت تلك اللقاءات أحدث ما جرى في إطار مفاوضات التقارب، ما يمنح تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة وقعًا مختلفًا بالنظر إلى مؤشر زمني، ومؤشرات أخرى متبادلة، لا توحي بتقدم ملموس يبرر مواصلة اللقاءات في هذا الصدد.
بمعزل عن تصريحات الرئيس الأسد
تصريحات الرئيس الأسد لاقت امتعاضًا تركيًا غير رسمي واستنكارا حكوميًا، إذ استعادت وسائل إعلام تركية هجوم الرئيس الأسد على تركيا، واصفة تصريحه بـ”الوقح” حسب وصفها .
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، اعتبر أن مسار التقارب التركي مع الدولة السورية قائم بمعزل عن تصريحات الرئيس الأسد، وإن كان يمضي ببطء شديد، لكنه في الوقت نفسه يمضي في إطار “الرباعية”، والأمور لا تزال معقدة فيما يتعلق بالانسحاب التركي من شمال غربي سوريا.
“تصريحات الرئيس الأسد لم تأتِ بجديد بخصوص الوجود العسكري التركي في سوريا، ويبدو أن موقف الرئيس الأسد لفرض شروطه على تركيا أضعف مقارنة بما قبل الانتخابات التركية، حسب قوله ومن الواضح أن المسار لا يرتبط فقط بتركيا وسوريا، فهناك حسابات مرتبطة بروسيا والعلاقات الروسية- التركية، وهي دافع قوي لاستمرار المباحثات بين أنقرة ودمشق”.
إعادة انتخاب أردوغان
وأوضح محمود علوش، الباحث في العلاقات الدولية أن إعادة انتخاب الرئيس التركي، رجب طيب أدروغان، رئيسًا لتركيا لخمس سنوات مقبلة، جاء خلافًا لآمال السوريين بتغيير سياسي في تركيا يمكن أن يدفع بمسار علاقات الجانبين، وفق تصريحات أطلقها في موسكو، منتصف مارس الماضي.
وأشار الباحث إلى أن لقاء وزراء خارجية “الرباعية” المقبل حين ينعقد قد يعطي دفعة لعملية المفاوضات بين أنقرة ودمشق، لكن هناك بعض التعقيدات أمام المسار، وهو أمر معترف به، وعلى رأس هذه التعقيدات أن تركيا ليست بوارد الموافقة على طرح مسألة مستقبل وجودها العسكري في سوريا للنقاش، لعدة أسباب، منها تشكيك تركي بقدرة الدولة السورية على استعادة السيطرة على الأرض حسب زعمه ، إلى جانب تخوف من عودة شكلية للدولة السورية إلى مناطق سيطرة “وحدات حماية الشعب” (الكردية) الانفصالية ، ما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز إدارة هذه “الوحدات” الانفصالية لتلك المنطقة.
كما أن هناك قلقًا تركيًا من أنه في حال دخلت الدولة السورية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة الارهابية ، قد تكون هناك موجات لجوء جديدة من سوريا إلى تركيا، وسيكون صعبًا إقناع اللاجئين بالعودة إلى سوريا، وهذه المسائل لا تشجع الجانب التركي على التفكير بالانسحاب، وهناك انتخابات بلدية تركية بعد أشهر، والحديث عن لقاء يجمع أردوغان بالأسد يندرج في إطار الخطاب الداخلي التركي.
“الكل يعلم أن من الصعب توقع لقاء بين أدوغان والأسد بأي حال، فاللقاء يعني المصالحة، والمصالحة مستبعدة إلى حد كبير بسبب الخلافات الكبيرة بين الجانبين، لكن مسار التقارب مرهون بالعلاقات التركية- الروسية، وقد تحقق زيارة بوتين المرتقبة إلى تركيا دفعًا في مسار التقارب، وهي مصلحة سياسية مشتركة ومفيدة للأسد أكثر من تركيا”.
توجه الأنظار إلى لقاء أردوغان وبوتين
وفي 28 من يوليو الماضي، نقلت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية عن مصدر لم تسمِّه في الدائرة الدبلوماسية الروسية، أن اجتماعًا لوزراء خارجية أطراف “الرباعية” قيد المناقشة حاليًا، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن.
المصدر الروسي اعتبر أن العملية (في إشارة إلى التقارب) مستمرة، وأن مسألة اللقاء قيد النقاش، لكن للوصول إلى نتائج من الضروري توافق جداول أعمال الوزراء.
الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو، أوضح أن تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة تبدو كرد فعل لا أكثر، وعلى المستوى الرسمي التركي لم تصدر ردود، وهذا يدل على أن أنقرة لا تهتم بتصريحات الأسد هذه، وتعي أن الحاكم الفعلي هم الروس، والمخاطب الأساسي في هذا المسار هم الروس، وما سيحكم على اللقاء بين أردوغان والأسد في المرحلة المقبلة هو اللقاء الذي سيجمع الرئيسين، التركي والروسي، خلال الأيام المقبلة على حد قوله.
واعتبر الباحث أن تراجع وتيرة التقارب ما بعد الانتخابات التركية مرهون بفتور العلاقات بين تركيا وروسيا، وما يدفع أنقرة أصلًا إلى التقارب يقترن بالضرورة بملفات أساسية، منها محاربة “الإرهاب” وعودة اللاجئين، وتعزيز العلاقات التركية مع موسكو، فالعلاقة مع الدولة السورية أمنية، ويمكن التعامل معها عبر أجهزة الاستخبارات لدى الجانبين.
“الظاهر من تصريحات الرئيس الأسد أنه أغلق الباب أمام مسار التطبيع، لكن هذا مستبعد، لحاجة الدولة السورية إلى تركيا، وحاجة تركيا إلى تنفيذ بعض الخطوات المتعلقة بعودة اللاجئين وموضوع الإرهاب، ومكافحة التنظيمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، ومن الطبيعي أن مسألة التطبيع التركي مع الدولة السورية ستكون حاضرة على طاولة مباحثات أردوغان وبوتين حين يلتقيان”.
غير مستعدة للانسحاب
فيما قال طه عودة أوغلو، الباحث في الشأن التركي إنه في 17 من يوليو الماضي، أكد الرئيس التركي أن بلاده غير مستعدة للانسحاب من الشمال السوري، كونها تعمل على “مكافحة الإرهاب” هناك، وأضاف أن الأسد طالب بمغادرة تركيا المناطق التي تتمركز فيها شمالي سوريا، لكن لا يمكن لهذا الشيء أن يحدث، كونها تحارب “الإرهاب” هناك، ما يعيد مسار التقارب إلى نقطة الانطلاق وما سبقها أيضًا من تأكيدات الدولة السورية المتواصلة التي تقرن تقدم عملية التقارب مع أنقرة بالانسحاب التركي، مع استمرار اللقاءات السياسية في هذا الصدد، التي يتبعها تأكيد على النطاق ذاته.