أ.د. هبة جمال الدين تكتب: إسرائيل والأسري المخلّصون وشق الطريق بمصر وسوريا
بيان
“الأسرى المخلّصون الذين تم أسرهم من قبل مصر وسوريا سيحلقون فوق سماء سوريا ويتجولون في قافلة بحرية تشق قناة السويس بمصر في رحلة تؤرخ وتوثق لبطولاتهم في معركة حرب أكتوبر 1973 خلال أيام 8 و 9 و 10 أكتوبر 2023، فالرحلة تشمل أسطولا وطائرة تحمل 150 أسيرا إسرائيليا.”
خبر نشرته مجلة الدفاع الإسرائيلية “يسرائيل ديفينس Israel Defense” وكأنها تكتب تاريخا جديدا وتعلن عن هدف جديد تسعى لاقتناصه من خزائن مصر وسوريا ، وكأننا أمام كيان يسعى لفرض سيادته وإرادته على الجميع ، مما يطرح عدد من التساؤلات الجد خطيرة:
– ما دلالة عبور الأسري الإسرائيليين في هذا التوقيت؟
– وهل عبور الأسرى سيكون مقدمة لمرحلة جديدة من مشروع كتابة وتوثيق التراث اليهودي في أوطاننا العربية؟
– هل عبور الأسري حال الموافقة الرسمية على ذلك سيكون النافذة للمطالبة بتعويضات لهم من الدولة المصرية والسورية؟
– هل عبور الأسرى مجرد اقتراح أم أنه أحد تبعات اتفاقات إبراهام؟
– ومن صاحب المقترح وهل لدينا أذرع مشابهة يمكنها المعاملة بالمثل؟
الإجابة على تلك التساؤلات تحتاج لنسج عدد من الخيوط وتجميع عدد من النقاط لتكتمل الصورة الأكبر التي يخفيها الكيان الصهيوني من هذه الخطوة المريبة. وقد لا نملك الإجابة عليها ككل ولكن قد يلمسها القارئ نفسه.
أولاً: الجهة صاحبة الاقتراح: كعادة الكيان الصهيوني يتم إطلاق أية محاولات مثيرة للرأي العام العربي والحكومات العربية من قبل جمعيات أو مؤسسات مجتمع مدني لتغسل يدها الحكومة الإسرائيلية وكأنه مطلب شعبي وقد حدث ذلك مع الإمارات والبحرين بعد توقيع اتفاقات إبراهام توجه إيدي كوهين كممثل عن أصوات مدنية وكأنه منفصل عن الحكومة برفع قضايا للمطالبة بتعويضات لليهود من قبل الحكومات العربية بسبب تهجيرهم المزعوم وفقا للرواية الصهيونية العارية من الصحة. وقد حدث نفس الأمر مع مصر والسعودية فجاء اقتراح المطالبة بتعويضات منهما من قبل الناشطة لفينا زامير وتبناها نتنياهو ورحب بالفكرة. وهذا بالفعل الذي تم في حالة هذا الاقتراح الملغوم فجاءت الفكرة وكأنها مبادرة من جمعيتي “Arim Bille” و”Erez” الإسرائيليتين وهما جمعيتان شكلها قادة الجيش الإسرائيلي المتقاعدين للتعبير عن حقوقهم. فالسؤال هنا لماذا لا تتجه جمعيات قدامي المحاربين بمصر وسوريا بمثل تلك الخطوات والمطالبة بتعويضات نتيجة جرائم الحرب التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون في حق الجنود المصريين والسوريين مثل حرق ودفن جنودنا أحياء خلال حرب 67 كما أقر يوسي ميلمان من قبل.
ثانياُ: تعويضات الأسرى: في عام 1992، دخل قانون تعويض أسرى صهيون وعائلاتهم حيز التنفيذ في إسرائيل. وفقًا لهذا القانون، يحق لأسرى صهيون المقيمين في إسرائيل أو أقاربهم الحصول على مزايا مختلفة من دولة الكيان الصهيوني. فهل ستكون بداية حملة تعويضات جديدة ضد الأسرى الصهاينة كمحاولات لخلق تاريخ جديد زائف يتمركز حول الرواية الصهيونية. أم أنه بداية للتأصيل بحق لا وجود له ليتم بالفعل داخل أرض إسرائيل لا خارجها ولكن أية أرض أرض الرب أرض الوعد –كما يتوهم الصهاينة- من النيل للفرات “الولايات المتحدة الإبراهيمية في ضوء دعم الإدارة الأمريكية توسيع اتفاقيات إبراهام”
ثالثاً، دلالة الاقتراح، وللوقوف على دلالة هذا الاقتراح المفخخ لابد أن نطرح عدد من الركائز الأساسية في العقيدة الصهيونية:
– إضفاء القدسية على الحروب الإسرائيلية: تدعي الرواية الصهيونية بوجود رباط وثيق بين (رب إسرائيل) و(حرب إسرائيل)، فالحرب عندهم عمل مقدس، قائدها – كما يزعمون- هو رب إسرائيل، وجنودها هم جنود الرب؛ وهو ما يضفي على هذه الحروب قداسة وشرعية من أجل تحقيق وعد الرب الذي يعلوا فوق الدين والمعاهدات والمواثيق الدولية خاصة في ظل حكومة متطرفة كالحكومة الحالية.
– تقديس الأسرى “أسير صهيون” واختلاق حق زائف للمطالبة بحقوق غير قائمة: يتم تقديس الأسير الصهيوني في العقيدة الصهيونية ففي إسرائيل يعد أسير صهيون يهودي سُجن أو طُرد بسبب نشاط صهيوني في بلد يُحظر فيه هذا النشاط. وهذا ما وصفه الحاخام يهوذا اللاوي في عبارته «يا صهيون ما تسأل عن خير سجناءك». حيث قصد آنذاك رئيس الكنيست السابق، يولي أدلشتين، والرئيس التنفيذي السابق للوكالة اليهودية، ناتان شارانسكي، فقد كانا أسرى صهيون في الاتحاد السوفيتي. وقد يدلل ذلك حرص الحكومات اليهودية المتعاقبة على استرداد الأسرى الصهاينة من جنودها كحالة الجندي جلعاد شليط من قبل وغيره الكثيرين ورفضهم تسليم الأسرى العرب حتى رفات الشهداء الفلسطينيين من أجل مزيد من الإيلام و إمعانا في الإذلال والغطرسة.
– التاريخ الصهيوني المقدس:
في الواقع أن مرور الأسري بقناة السويس أو بسماء سوريا يهدف لخلق واحياء ذكرى يتم تدشينها ليصبح حدث سنوي يتكرر كل عام يؤصل لذكري صهيونية تاريخية وفقا للرواية الصهيونية المدعية، وهنا علينا الوقوف والتأمل حول ما هية التاريخ اليهودي وما خطورته ودلالاته. في الواقع إن الكتابات الصهيونية لا تفرق بين التاريخ المقدس والفعلي ليتحول خبرة حياة بعض الفرق علي سبيل المثال كحياة العبرانيين لتاريخ مقدس وتكتمل قداسته بتدخل الإله دائما في التاريخ –وفقا لروايتهم- لينصرهم وهنا يأتي الحلولية الكمونية لتنتقل فكرة القداسة وإحلال الاله في الشعب وتاريخه وتحول الصهاينة لأمة من القديسين والكهنة والأنبياء. ويجعل التاريخ الصهيوني الإنساني والمقدس علي السواء بدأ من مطلق الهي لا يقبل النقاش وهو عهد الرب لإبراهيم وينتهي بمطلق اخير وهو نهاية التاريخ وظهور الماشيخ “معركة هرمجدون”.
وهنا ستتحول الذكري لذكري مقدسة قياسا بذكري الهولوكست ويصبح مع الوقت أية محاولة لإعاقتها هي معاداة للسامية ومع الوقت سيتم المطالبة بتعويضات للقديسين الضحايا في إطار الفكر الصهيوني المتمركز حول “احتكار دور الضحية”. وهذا ما اعتبره د عبد الوهاب المسيري – في موسوعته عن اليهودية والصهيونية- واسماه بـ “التاريخ من خلال الكوارث” كعبارة تستخدم للاشارة للمحاولات الصهيونية للتاريخ أو ما يسمى بكتابة “التاريخ اليهودي” حيث يركز على ما يحل بالجماعات اليهودية من كوارث ويبدأ هذا التاريخ بالخروج من مصر إبان الفراعنة ثم سقوط الهيكل الأول والسبي البابلي وسقوط الهيكل الثاني والهولوكوست الذي يعتبر قمة الكوارث التي يتمركزون حولها. والتواريخ التي تستخدم الكوارث محورا أساسيا تحاول أن تجعل اليهود ضحية مقابل الأغيار الذين لا يتم الاعتراف بأية حقوق لهم في ضوء التمركز حول الذات الصهيونية بمعنى رؤية الأمور منفصلة عن إطارها التاريخي الواقعي منفصلة الصلة عن القوى والعوامل المحركة وكأن لهم قوانينهم الخاصة التي لا تنطبق علي غيرهم .
فالصهيونية تتمركز حول التاريخ الصهيوني وكأنه مركز واحد دون سواه. ناهيك عن محاولات نتنياهو ركوب الموجة الأزموية التي تعصف ببلاده بسبب سياساته الجائرة على ما يسمى بالحياة الديموقراطية بإسرائيل وتغوله على القضاء لحماية نفسه من خطر السجن وهنا جاء اختيار التاريخ المرتبط بالكوارث التي تساعد على تماسك الهوية و الاصطفاف المجتمعي في ظل انقسام داخلي للشارع الإسرائيلي.
رابعا اتفاقات إبراهام: وإذا انتقلنا لاتفاقات إبراهام التي تلوح بالأفق في ضوء تصريحات أمريكية بدعمها وتشجيع انضمام دول أخرى لها، سنجد أن بداية الحديث عن الأسرى والجنود الصهاينة تم احياءه على أرض عربية إسلامية في ضوء احتفالات السفارة الإسرائيلية لدولة الإمارات في مايو 2022 باحياء ذكرى ضحايا المعارك الاسرائيلية من الإسرائيليين الرابعة والسبعين، وقد ذكر السفير الإسرائيلي خلال إحياء الذكري “السفير أمير حايك” سنستمر في مرافقة الجرحي والاسري وهو ما تم الآن، كمحاولة لنقل الأسرى عبر مصر وسوريا تحت شعار الأخوة والإنسانية والأسرة الإبراهيمية الواحدة، مع مفارقة وجود حكومة متطرفة عنصرية تمارس سياسة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والآن نجدها تقترب من الشعب المصري والسوري تحت شعار نقل الأسرى فأية أسرى وأية رسالة ترغبون فيها.
هذا الخبر ما هو إلا فخ ملغوم هدفه مزيد من الابتزاز وخلق تاريخ زائف ليس له وجود أو كيان مستغلة انشغال النظم العربية بمشاكلها الداخلية لتنسج شرك جديد ، سرعان ما تصفه بالقدسية وتطالب بتعويضات لا طائل لنا بها، مغيرة للحقائق ومدعية المظلومية. فعلينا الحيطة والحظر ورفض ومنع أية محاولات للعبور أو الممر. فلا يوجد ذكري لكم لدينا.
…………………………………………………………………………………………..
الكاتبة: أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومي، وخبيرة في الشؤون الإسرائيلية.