رفعت رشاد يكتب: الهوية الوطنية
من المصطلحات التى شاعت فى الآونة الأخيرة “الهوية” و “الوطنية” ، وارتبط المصطلح الأخير تحديدا بلفظ الدولة، وعلى الرغم من شيوع المصطلحات لم يتوقف كثيرون للبحث فى معانيها.. هذا المقال للكاتب الكبير رفعت رشاد يفعل، يبسط المعانى بقدر ضخامتها، ويوصلها للقارىء سهلة ميسرة، المقال منشور فى صحيفة “الوطن” ونعيد هنا نشره.
تشغل مسألة الهوية الوطنية حيزاً كبيراً فى عملية بناء الدولة الحديثة، الهوية الوطنية عبارة عن وعاء كبير يشمل كل أفراد وفئات المجتمع وأديانه وأعراقه ولا يفرق بين أحد منهم، وهى أساس دولة المواطنة التى تسعى وتهدف إليها الدول فى الزمن الحديث والمعاصر.
وبناء هوية وطنية للدولة مسألة حيوية خاصة بعد مرور الدولة بعملية مخاض جديد مرت به وواجهت خلاله تحديات كبيرة هددت بتفككها وتشرذمها وارتفاع حدة الصراع بين فئاتها المختلفة التى كانت تشحذ قواها فى ذلك الوقت للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب أو المغانم.
إن عملية الخروج من المخاض الذى تعرضت فيه الدولة للخطر أهم مراحل ترسيخ قواعد الدولة الجديدة وتمكين بنيتها الأساسية الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من الثبات للارتكاز والبناء عليها بعد ذلك بشكل متين.
إن الهوية الوطنية دستور غير مكتوب لأبناء الأمة يكمن فى عقل وفكر كل فرد والجميع يحفظه ثقافة وتقاليد وسلوكاً وعادات واعتزازاً وفخراً بتاريخ طويل مشترك.
هى بوتقة تصهر فيها ملكات المجتمع المتعددة والمتنوعة وإمكانيات أفراده وتحول كل تلك الإمكانيات إلى قوة وطاقة متجددة وتنمية مستهدفة وتحول الخلافات والتشرذم والصراعات إلى قوى موحدة وتنبذ كل ما يفتت المجتمع أو يجعله فى حالة من التوتر تصيبه بالارتباك والاضطراب وجمود الفكر.
كان موضوع الهوية الوطنية أحد محاور الحوار الوطنى ودارت حوله مناقشات مطولة نظراً لأهميته فى مرحلة تسعى فيها الدولة لبناء مجتمع جديد ينطلق معوضاً خسائر كثيرة تعرض لها خلال السنوات الماضية.
وقد سعت الدولة إلى توفير عناصر منظومة بناء الهوية الجديدة، فهى تعترف بشكل مسلم به بكل عناصر مكونات المجتمع والتى تنتمى إلى أديان أو فئات أو ثقافات أو عقائد سياسية مختلفة مقدرة أن ذلك أساس لانتقال المجتمع من حالة إلى أخرى تكون أفضل وأكثر استقراراً وثباتاً.
ولا تلتفت الدولة إلى حجم أو قدرة فئة من فئات المجتمع وتعتبر أن كل موجود على أرض الوطن وينتمى إليه صاحب حق فى كل ما تملكه الدولة وعليه نفس الواجب الذى على كل مواطن آخر.
تحمى الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية لكل مواطن وحرية إنشاء المؤسسات الثقافية والدينية لأتباع الأديان المختلفة وإتاحة الفرصة لكل فرد فى المشاركة فى فعاليات العمل السياسى بدون تمييز، وكذلك الالتحاق بأى عمل يتبع الدولة بدون إبعاد.
إن الهوية الوطنية ضمان لحصول كافة المواطنين على حقوقهم التى تؤكد لهم أن مكانتهم فى الحاضر والمستقبل مصونة وأن انصهارهم فى مجتمعهم ووطنهم يصب فى مصلحة الكل ويساعد على إخراج الطاقات وبلورتها لتكون قوة كبيرة تدفع بالبلاد إلى الأمام.