أسماء خليل تكتب: زواج بلا شريك
بيان
إنه الزواج على الطريقة الحديثة؛ فَرَحٌ وزغاريد وأضواء ورقصٌ وغناء، ولكن بلا شريك.. ثيابٌ تمتطي البشر بلا أرواح، ويأتي العالم ليشاهدوا صندوق الفُرجة، ثم ينفض المولد وصاحبه مازال غائبًا.
هذا ما عليه المجتمعات الآن، زواجٌ لتطبيق سنة الكون، ثم اصطدام بالوحدة وعدم الألفة والمؤازرة، ويليه طلاق وانفصالٌ، وظاهر الحدث أنه بلا أسباب !!..
إن الزواج الحقيقي الذي نصت عليه جميع الأديان؛ هو الشراكة الفعلية في كل جوانب الحياة، هو عدم الشعور بالخوف من المجهول بحضور الآخر، هو المُساندة والعون حين الاحتياج، هو الإحساس بالشريك وما يهمه ويؤلمه أو يسعده، هو محاولة الأخذ بيد الآخر لعبور جسور الحياة التي باتت متثاقلة وصولًا إلى الجانب الآمن.
إذا كان الزواج عبءً على أحد الطرفين، فحتمًا ليس هو مقصود تلك المنظومة الحياتية، ولم تكن يومًا متكئة على قواعد راسخة، وإذا تتبعتَ بداية الخيط؛ ستجد أن المظاهر كانت من أهم أولويات تلكما الشريكين وحينما أحكم غلق الباب عليهما، لم يجد كلاهما الآخر.
عن قيس أن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بكى، فبكت امرأته، فقال لها: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيت!..ليس المقصود هنا أن يبكي الرجل حينما يرى زوجته تبكي، أو تئن المرأة حينما ترى زوجها حزينًا، ولكن المغزى هو المؤزارة، فقد كانت حياة السابقين أكثر إحساسًا ومشاركة، لذلك لم يكن بينهما فراق إلا بالموت.
ولكن في عصرنا الحديث، يرى الرجل زوجته وقد أعيتها شؤون الدنيا، ولا يكلف نفسه بالسؤال عن حالها، ولا يشجعها إذ هي ناهضة، وربما يُثبطها إذ هي يائسة.
لك أن تعلم عزيزي الطرف الأكثر قسوة بالعلاقة الزوجية؛ أن الربت على الكتف ليد من تحب تحمل إليك طاقة إيجابية، وتزيح عنك طاقة سلبية، وقد أثبت علم النفس أن التلامس بغرض المواساة ممن يحبهم المرء من والديه أو أبنائه أو زوجه؛ تخفف الضغط النفسي والعبء الدنيوي بشكل كبير جدًا.
في أحد مستشفيات بولاية فلوريدا، كانت هناك امرأتان مُصابتان بنفس نوع السرطان ومنطقة الإصابة بالجسد، إحداهما كان زوجها يشاركها كل شيء، وكلما انتهى من عمله يأتي إليها بشكل يومي في المستشفى، ويوجهها لتناول الدواء بشكل منتظم، ويـمازحها، ويخطط معها مستقبلهما بعد تعافيها، وكأن شيئا لم يكن.
تعافت تلك المرأة وخرجت سالمة بعد تلقت كل الجرعات الطبية، بينما المرأة الأخرى، لم تجد أي مشاركة لأحزانها مع زوجها، وكان بالكاد يزورها، في نفس اليوم الذي خرجت فيه المريضة الأولى مبتهجة، ماتت الأخرى وسط اندهاش الأطباء من انعكاس المشاركة وتزامنها مع الشفاء.
ما أجمل الزواج بمفهومه الديني، الذي أورده كتاب الله- سبحانه وتعالى- وليس أحرى من قول “سُكنى”، أي ملاذ يلجأ إليه كل طرف حينما يلهث بالحياة، فيحيطه الآخر بطوق النجاة لواذًا بالحب والدفء.
ولمن يدعي أنه لا وقت للمشاعر؛ فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رغم كل ما على كاهله من مسؤولية نشر الدعوة والغزوات والفتوحات الإسلامية، يسابق زوجته، وذكر أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- أنه دخل على ابنته عائشة، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- متكئًا على فخذها مستغرقًا بالنوم، فلم يوقظه.
حينما خلت البيوت من الشراكة الزوجية، خلا العالم من الشراكة المُجتمعية، فكيف لإنسان لا يستطيع أن يكون شريكًا ناجحًا لشخص واحد؛ أن يكون صديقًا أو جليسًا أو ونيسًا لبضع أشخاص!!..
حينما بات الناس فُرادى بالفكر والرأي والمشاعر والرِفقة، صار العالم متعطشًا جائعًا، يبحث عن رفيقٍ في دربٍ مُظلم، بينما شريكه الذي يُمسكُ المصباح، يُنيرُ به دربًا آخر.
اقرأ أيضا للكاتبة:
– أسماء خليل تكتب: «الترند وسنينه»
– أسماء خليل تكتب: أوهام وانبهار