رفعت رشاد يكتب: الهند أم العجايب
بعيون أديب، وعقل مفكر، وريشة فنان، يقدم الكاتب الكبير رفعت رشاد لوحة مكتوبة عن الهند “أم العجائب” حسب الوصف الذى اقتبسه الكاتب عن الراحل الكبير صلاح جاهين.. مقال يستحق القراءة منشور فى صحيفة “الوطن” ونعيد نشره فى التالى:
ترجم الفنان صلاح جاهين حالة الهند بأنها «أم العجايب»، وإن كانت هذه المسألة ليست اختراعاً خالصاً له، فالعالم عامة وأوروبا خاصة نظروا وما زالوا ينظرون إلى الهند على أنها «أرض العجايب».
كانت الهند وما زالت على مدى التاريخ فى الطليعة فهى واحدة من أقدم الحضارات ويجادل الآثاريون نظراءهم بشأن الأقدم فى حقبة ما، هل هى الهند أم سومر أو بابل أم مصر.
يجادلون بعضهم بشأن العمارة فى الحضارات الثلاث وبشأن طبيعة المجتمع وكل ما يتعلق بالحضارات العريقة التى ظهرت وشمخت فى وقت كان هناك أماكن وقارات فى العالم جاهلة ومستغرقة فى ظلام عميق.
شغلت الهند العالم قديماً وحديثاً، فالإسكندر الأكبر لم يهدأ بالاً إلا عندما ملك الهند واليونان، أطلق اسم الهند على تلك البلاد التى تحيط بنهر السند الذى تحور إلى هندو ثم أطلق اليونان الاسم الذى ما زالت بلاد السند تحتفظ به حتى الآن.
وفى عصر الاستعمار كانت الهند مقصد كل القوى الاستعمارية، بل إن كريسوفر كولومبس اكتشف أمريكا بينما كان قاصداً الذهاب إلى الهند حيث توالت الحملات الاستعمارية والبعثات الأوروبية لاكتشاف تلك القارة، فالهند ليست دولة موحدة أو أمة مثل مصر أو بابل أو إنجلترا وإنما هى شبه قارة جغرافياً وهى قارة ثقافياً تضم العديد من الأعراق والأديان والفلسفات واللغات.
وقد خضعت الهند ما يقرب من ألف عام للحكم الإسلامى المغولى وبعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1947 انقسمت بين المسلمين والهندوس وصارت هناك دولة باكستان وبعد ذلك انقسمت إلى دولة ثالثة هى بنجلاديش.
من أهم سمات الحضارة الهندية التى يرجع البعض تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، الفلسفات والأديان الروحية التى شغلت الحكمة والأخلاق مساحة كبيرة فيها.
ولم تتخلف الهند على مدى تاريخها عن ركب الحضارة رغم أنها أحياناً مرت بها كبوات كالاحتلال الإنجليزى لها واعتبارها درة التاج البريطانى لدرجة أنه تم تعيين نائب للملك البريطانى يتولى حكمها، ولما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر كان هدف نابليون قطع الطريق بين إنجلترا والهند درة التاج البريطانى.
عانت الهند من الاحتلال الإنجليزى سنوات طويلة امتص فيها الاستعمار ثرواتها وكان أهم تلك الثروات الملح.
حرصت إنجلترا على السيطرة على مصادر الملح وأماكن تصنيعه وحرمت على الهنود امتلاك زمام الملح فى بلادهم، وكان الملح وسعى الهنود للسيطرة عليه بداية الثورة التى أشعلها سلمياً المهاتما غاندى.
قرر «غاندى» أن تكون السيطرة على الملح للهنود وقال إن المحيط الذى يستخرج منه الملح اسمه المحيط الهندى! فكيف لا نتحكم فيما نملك؟.
وسار ومعه جماعة تزايد عددها حتى وصلوا إلى الآلاف لمسافة تزيد على 500 كيلومتر ليصلوا إلى شاطئ بحر العرب على المحيط الهندى ويمسك غاندى بحفنة ملح ويعلن أن هذا الملح ملح الهند وسيصبح ملك الهند، وبعد كفاح حصلت الهند على استقلالها.
قدمت الهند للعالم العلماء والمفكرين والشعراء الذين حصلوا على جوائز نوبل، وكان منهم شاعر الهند الكبير طاغور الذى عاصره غاندى وهو الذى أطلق على غاندى لقب المهاتما أى الروح العظيمة.
وفى الزمن المعاصر صارت الهند رابع دولة فى العالم تصعد إلى القمر وهو ما يدل على تقدم علمى كبير كما أن اقتصادها صار من الاقتصادات الكبيرة فى العالم، وهى فى صناعة البرمجيات فى مركز الصدارة.
ما زالت الهند تدهش العالم بكل ما فيها، وهكذا الحضارات الراسخة لا تموت، قد تنهك أو تكبو.. لكنها لا تموت.