محمد أنور يكتب: الحرب شر لابد منه
بيان
تنبثق الحرب من حيث يكون الشر مامونا ،وتصب المحنة على من لايطيقها ،ثم لا تصيب الذين ظلموا خاصة بل تلف من جانبى الحياة لفا ؛ الحرب ضرورة اجتماعية ، ولن يخلو منها تاريخ الإنسانية إلا إذا رجع الناس أمة واحدة في تركيب مستحيل لا يتهيأ معه أبد الدهر ما يقسم هذه الأمة على نفسها.
إن ذلك التركيب الاجتماعي الذي يخلو من الحروب ، ولا يدع للأديان محلا على الارض ؛ يحسبون أنه صلاح في الطبيعة وهو يفسد الطبيعية كلها ،فما هو إلا خيال شعرى في تاريخ الحقيقة الإنسانية ، وما الحرب إلا البرهان الذى تقيمه الطبيعية أحيانا على فساد ذلك الخيال كلما أوشك الضعف الإنسانى أن يتوهمه حقيقة.
الحرب أكثر ما تكون ولادة للتاريخ ، ولو نظرنا من وراء النفوس الإنسانية الى ميادين القتال ، لرأينا ان الحرب التى تقوم بين الأحياء إنما هى حرب قائمة على مذاهب الحياة.
وما أعجب أن يكون القتل تنقيحا في قانون الحياة ، فلا تنظر من الحرب إلى هؤلاء المساكين والمتوجعين والأطفال ودموع النساء ؛ فذلك كله إلى نهاية ولا يبقى منه على الأرض شئ قل أو كثر.
ولا أجد أحمق مما ينظر ساعة الهدم إلى آثار الهدم ولا يعلم أن ذلك سبب لما بعده وأنه إذا لم يهلك يوم فى سبيل الغد هلك المستقبل كله.
يكون العقل أحيانا أول من ينهزم في الحرب كما نراه اليوم ، فيصبح العلماء والخبراء والمتفننون إلا أداة في إدارة حركة الموت هجوما ودفاعا ، وترى الصلوات والأدعية تتصاعد إلى الله وفيها رائحة الدم والنار ، وكأنها قنابل صنعت من العواطف!.
كم من الإسراف الأخلاقى ،وبقاء الناس منكبين على شهواتهم ، تناسوا نعمهم ، فجعلت هذه الحياة الإنسان حيوانا على شكل مخترع.
إن هذه الوحشية التي تعترى الناس في حروبهم ما هى إلا سببا في رجوعهم بعد ذلك إلى الإنسانية الخالصة التى أفسدوها ،وضربوا عليها الحدود من مصطلحات التمدن.
إن الحرب تدفن تاريخها الصحيح للمستقبل ، ولا تترك للحاضر إلا تاريخها المشوه ، أنها تلوث الحياة بدماء الرجال ثم تغسلها دموع النساء والأطفال.
إن الحرب ما هى إلا تصور لجميع ألوان الهلاك والخراب.