هالة الحلفاوى تكتب: القضية الفلسطينية والعرب.. إلى أين؟
بيان
يمر العالم العربي هذه الأيام بلحظة استثنائية، وفارقة!
ومن المؤسف، والمخجل أن وطننا العربي لم يعد فيه الآن من يستطيع أن ينكر حالة “التيه” التي يعيشها العرب، منذ سنوات، وقد جاءت الحرب الهمجية والوحشية الإسرائيلية على غزة، لتكون كاشفة لما يعيشه العرب من ضعف وهوان.
إن حيرة العالم العربي، أمام مشهد الحرب الأخيرة على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، تعكس حجم الأزمة التاريخية التي يعانيها العرب، كما تكشف عن عمق المأزق الحضاري الذي يواجهه وطننا العربي، حيث يقف عاجزا أمام آلة الحرب الشرسة التي فرضت على الشعب الفلسطيني جحيما من الدم والدمار والخراب غير مسبوق ليس في العصور الحديثة فحسب، بل في التاريخ الإنساني كله، وهو ما يشير إلى تخاذل عربي يدعو للأسى والحزن.
كما يشير إلى حالة التردي والتراجع الحضاري العربي، ومدى التخلف الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي يعيشه العرب، ولا أدل على ذلك من استغاثته بالغرب الاستعماري (أصل المشكلة الفلسطينية)، ولجوئه إلى القوى التي صنعت إسرائيل في منطقتنا، لتكون عائقا أمام تطلعاتهم نحو الحرية والاستقلال والتقدم.
وعندما نفكر في أسباب هذه الحالة، لا نجد أمامنا من تفسير سوى الفساد والاستبداد اللذين يضربان “الحالة” العربية، ويصيبان الموقف العربي كله بالعجز والشلل، إضافة إلى التنكيل بالأبرياء المدنيين، تشريدا وسحقا للثائرين ضد الطغاة سجنا وطردا، مع غياب تام لقيادة مستقيمة فكريا وذات مصداقية ورؤية واضحة للإصلاح والنهوض بالواقع العربي، ونقله مما هو فيه من “التيه” إلى “حالة” حضارية أرقى، وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ لم يعد أمامنا في المشهد العربي سوى نسخة محدثة عن ملوك الطوائف الأندلسية.
الأزمة الفلسطينية – في عمقها التاريخي – ليست إلا انعكاسا لحالة العجز العربي عن الارتفاع إلى مستوى القضية “المركزية” و”المحورية” و”الرئيسية” للعرب، (قدس/فلسطين) ثانية القبلتين وثالثة الحرمين! .
أريد أن أوضح لمن لا يفهم شيئا خارج الانفعال الذي يجعله لا يفكر خارج إطار حس القطيع المنتشر حاليا، أن ما يجري في غزة هو عملية إبادة جماعية بحق أهلها وبمشاركة الغرب، وصمت إيران، وميليشياتها، وضعف العرب، واختطاف “حماس” للقرار الفلسطيني، بل واختطافها الشعب الفلسطيني نفسه، بما يعنيه ذلك من مسؤولية كاملة عن المأساة الراهنة.
والكل يلعب ويستثمر جرح أهالي غزة، هذا الاستثمار لا يشمل أكثر الدول والميليشيات والمؤسسات فحسب، بل حتى الأفراد ومن بينهم المثقفون والإعلاميون.
وتتأكد ظنوننا يقينا، عندما نرى في هذه المزايدات والمناقصات جزءا من الترويج لأنفسهم داخل القطيع الذي يتملقون أقوى من فيه.
في الحقيقة، وبعيدا عن العواطف الجياشة والشعارات الرنانة، ما حقيقة حماس؟!.. حماس حركة فلسطينية مسلحة تحكم قطاع غزة، تعهدت بتدمير إسرائيل وتأسيس دولة إسلامية.
وخاضت حماس حروبا عدة مع إسرائيل منذ توليها السلطة في غزة عام 2007 .
لن أتحدث عما فعلته حماس كحكومة، لتحسين حياة الناس في غزة طوال تلك الفترة من 2007 إلى 2023، ولكن سوف أسأل عما فعلته حماس لتوفير الحماية الواجبة للمدنيين في “دولة حماس الإسلامية!”.
لماذا لم تعمل حماس على بناء ملاجيء أو مشاريع الخزن الاستراتيجي لتوفير الدواء والغذاء، خصوصا أنها في مواجهات دائمة مع إسرائيل.
وهل من المعقول أن ينهار النظام الصحي في القطاع، وينفذ الغذاء والدواء بعد 3 أيام من الهجوم الإسرائيلي؟.
في حين قامت حماس ببناء شبكة طويلة من الأنفاق الخرسانية لحماية أفرادها، وقد أنفقت على تلك الأنفاق الملايين من أموال الشعب الفلسطيني، بينما تركت المدنيين بدون ملاجيء ولا غذاء ولا دواء مكشوفين في العراء تحت “رحمة” إسرائيل!.
لقد غادر الأمل بلاد العرب، ولم يعد هناك شيء يقال عن هذا إلا “لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
ويا أيها “التاريخ”، كم من الخطايا ترتكب باسمك، ويا أيتها النزعة “الماضوية” كم من الأخطاء تتكرر بفعل سيطرة قوى تدعي أنها تنطلق من “الدين” بينما هي تتاجر باسم الدين، وتتلاعب بعقول الأغلبية من المتدينين الذي يصدقونها، بينما ينبغي أن تظهر قوى تتاجر في المستقبل، وتستثمر في كرامة الإنسان، وتراهن على ضمان حقوقه الأساسية.
وعليه أقول: أن واجب كل مثقف وإنسان واع ألا يتضامن أو يدعم أي عقل ما زال مغسولا ومتحمسا للعنف الذي تحرض عليه هذه القوى المدمرة.
لقد ظلت “حماس” تتاجر بالدين إلى اليوم، وتتجاوز عندما تصر على أن ترى في الدين وطنا، وعندما تعتبر الدين هو الوطن، ولا أملك إلا أن أشير إلى المقولة الخالدة للكاتب والمفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد، رحمه الله:
“وجد الوطن في التاريخ، قبلما يوجد الدين، وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء للوطن، فهو ولاء زائف ليس من روح الله، والوطن وعاء الدين وسناده”. روزاليوسف، 30 أكتوبر 1951.