كاتب إسرائيلى: “قادة الدولة يخلقون وهمًا كاذبًا وقادة الجيش حمير”
كتب: أشرف التهامي
في مواصلة لمتابعة الداخل الصهيوني وما يدور فى الغرف المغلقة من صراعات بين أصحاب القرار من أعضاء حكومة نتنياهو، التى أظهرت التخبط والاحتقان، منذ بدء هجمات المقاومة، وافتضاح سخطهم العنيف وعنفوان غضبهم على بعضهم من جراء التخبط العسكري والسياسي وحالة الهذيان الأمني الذي يعيشه الكيان.
هذه المواقف السابقة التى عكسها الإعلام الإسرائيلى، والصحف العبرية الكبرى وباقى وسائل الكيان الصهيوني المؤثرة على الإسرائليين.
وعلى سبيل المثال كتب “رونن برجمان” الكاتب الإسرائيلي بصحيفة “يديعوت احرونوت” أمس 2023/12/23 ، مقالا” فاضخا عرض فيه ما ذكره مسؤول حكومي رفيع المستوى له (للكاتب) خلال الإسبوعين الأخيرين، دون ذكر اسم هذا المسئول لدواعي أمنية، حيث يقول الكاتب: “قال لي مسؤول حكومي اإسرائيلي رفيع المستوى: “في الأسبوعين الأخيرين، إنه “في كل مرة يجب أن أتحدث فيها مع مسؤولين أجانب عن سياسة الحكومة بحسب ما يملونه علينا من رسائل، أشعر بغثيان، واشمئزاز، ورفض، لنفسى والتقزز من نفسي، ذلك لأنني أردد رسائل الحكومة والجهاز الأمني وأعلم أن ما أقوله غير دقيق للغاية، وهذا هو بخس القرن”.
كما يصف قواد الجيش بـ “الحمير” فى فقرة يذكرهم فيها بتقاريرهم قبل حرب لبنان السابقة” ويسقطها على تقاريرهم الأخيرة قبل عملية “طوفان الأقصى”.
ويواصل الكاتب الإسرائيلى مقاله كالتالى:
“للعملية العسكرية هدفان:
1- تدمير البنية التحتية لحماس وقدراتها العسكرية وحكمها.
2- وإطلاق سراح المختطفين”.
هذه هي الرسائل التي يرددها الوزراء والمتحدثون ورئيس الحكومة والمؤسسة الأمنية بأكملها للجمهور وسائر العالم منذ الأسبوع الثالث من هجوم حماس.
يقولون إن «المناورة البرية هي الوسيلة الأساسية للضغط على السنوار للتوصل إلى صفقات لتحرير المختطفين، ولذلك يجب أن تستمر المناورة، سواء من أجل تحقيق الهدف الأول، وهو تفكيك الحركة، والثاني أيضًا -ممارسة ضغوط كافية على السنوار حتى يستسلم ويوافق على صفقة يمكن لإسرائيل أن تقبلها”.
لكن هذا التصريح يشبه في دقته تنبؤات الجيش الإسرائيلي قبل حرب لبنان الثانية، بأنه في حالة اشتعال وضع قتالي ضد حزب الله، فإن سلاح الجو وقوة نيران الجيش الإسرائيلي الأخرى سيكونان قادرين على تعطيل جميع مصادر إطلاق نيران التنظيم الشيعي على إسرائيل، “عدا كاتيوشا هنا وهناك على حمار”، كما قال ممثلو الجيش الإسرائيلي للحكومة قبل الحرب، وفي النهاية تبين أن هناك صواريخ كاتيوشا، وأكثر بكثير من “هنا وهناك”.. وكان هناك أيضًا حمار، ولكن ليس من المؤكد أنه كان يدبّ على أربع.
طالع المزيد:
– إسرئيل تكذب: كيف أظهرت حرب غزة مركزية الدبابة في الحرب الحديثة
في 26 (أكتوبر)، أي قبل أيام قليلة من الدخول إلى قطاع غزة، حذرنا هنا من تضليل الجمهور الإسرائيلي وكأنه يمكن تحديد هدفين للحرب. و كتبنا:
“لا تخطئوا… إسرائيل أمام خيارين فقط:
1- إما محاولة التوصل إلى صفقة إطلاق سراح أكبر عدد من الرهائن.
2- أو الخروج الى عملية برية.
عند هذا التقاطع، يمكن: الانعطاف يمينًا، في حملة تثبت أنه حان يوم الانتقام ودفع الثمن، على نحو يبرهن أن الفرق بين أهوال المحرقة في أوروبا في الأربعينيات، والهجوم الهمجي لإرهابيي حماس، هو جيش الدفاع الإسرائيلي، اليهودي الذي يحمل سيفه.
أو يمكن أيضًا الاتجاه إلى اليسار، واحترام قول الرمبام أن لا فريضة أهم من فريضة افتداء الأسرى، هو أعلى قيمة إنسانية ويهودية للتكافل وإنقاذ الأرواح، وبالتأكيد في مكان عانى للتو من الكثير من الموت.
“الطريقين متضادان، تتعارضان في الاتجاه، في النتيجة، في الاختيار، الواحدة تلغي الأخرى”
في حينه، كل من له عينان تريان كان يعلم أن “الطريقين متضادان، تتعارضان في الاتجاه، في النتيجة، في الاختيار، الواحدة تلغي الأخرى”… وكان من الواضح آنذاك أن “الفرصة غير المسبوقة التي منحها العالم لإسرائيل في ظل الفظائع في غلاف غزة سوف تنفد، و”في النهاية، حتى الرئيس بايدن سوف يملّ”. لقد كتبنا أن: “التحرك البري يجب أن يكون قصيرا ولا يمكن أن يستمر لمدة عام، كما قال الجيش الإسرائيلي بحجة الحاجة للوصول إلى الهدف.
مَن خطط في حينه للبقاء عاماً في غزة، أو ظن أن ذلك ممكن، هو شخص ساذج جداً، أو تنقصه معلومات عامة عما حدث لإسرائيل في الجولات السابقة، أو ما حدث في أحداث مماثلة في العالم. لأنه لم يكن هناك شك في أن العالم لن يسمح لإسرائيل بالبقاء في غزة. الضغط الدولي، إلى جانب الثمن الباهظ في عدد المقاتلين القتلى من جيش متعثر، يراوح مكانه، ومكشوف أمام الإرهابيين الذين استعادوا تجميع صفوفهم، سوف يجبران الجيش الإسرائيلي على الانسحاب، قبل ذلك بكثير.
قادة الدولة يخلقون وهمًا كاذبًا
لم يثِر أحد تقريبًا في الجمهور الإسرائيلي احتمال أن يكون قادة الدولة يخلقون وهمًا كاذبًا، وأنه عمليًا يمكن أن تنهي إسرائيل جولتها القتالية من دون تحقيق الهدف الأول للحرب – دون التدمير الكامل لمنظومة الصواريخ، ودون تدمير كبير لشبكة الأنفاق تحت الأرض، ومع المسّ الجزئي للغاية بمجموعة يحيى السنوار وكبار مساعديه السبعة، الذين تم القضاء على اثنين منهم فقط حتى الآن.
كان واضحًا في حينه أنه سيكون من الصعب للغاية تحرير المختطفين بقوة السلاح، وأن جيش الدفاع الإسرائيلي سيصل في النهاية إلى أقصى حد وهو أن يحاصر آخر قلعة تحت الأرض للسنوار وضيف، وعندها، في ظل ظروف ضغط حقيقي على زعيم حماس، سيحاول الوصول إلى نوع من الصفقة.
لقد حقق الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية إنجازات هائلة في الحملة البرية.
إن مجرد اطلاقها، بعد عقد من الخوف منها، ناهيك عن القيام بذلك بعد الضربة الرهيبة والمذلة في 7 أكتوبر، هو أحد أهم هذه الإنجازات.
ومقارنةً بتوقعات مبكرة بأعداد أعلى بكثير من القتلى، وحقيقة أن جزءًا كبيرًا من القوات هم من جنود الاحتياط الذين بالكاد تدربوا في السنوات الأخيرة، ومع الفوضى العامة (لم يتم قتل المختطفين الثلاثة من فراغ)، والقتال في المناطق المأهولة واستنزاف الوحدات في عملية برية تدوم منذ فترة طويلة – فإن عدد القتلى رهيب وفظيع، ولكنه لا يزال أقل بكثير مما كان متوقعا في ظل هذه الظروف.
ولكن الحقيقة هي أيضا خيار. ولم يضِف مجلس الوزراء موضوع المختطفين كهدف ثانٍ للحرب إلا في 16 أكتوبر ، وبعد ضغط شعبي.
العملية البرية، كما كرر ممثلو الحكومة والجيش الإسرائيلي مراراً وتكراراً، ستساعد في إطلاق سراحهم. إن تجربة أسابيع القتال تثبت مدى عدم دقة الاعلان بأن المناورة البرية ستكون عامل تسريع لإطلاق سراح الرهائن، سواء عسكريًا او بالتفاوض.
والصفقة التي توصل إليها الجيش الإسرائيلي وتم تنفيذها كانت مطروحة بالفعل على الطاولة بعد وقت قصير من دخول القطريين إلى الحدث.
.. بذلت المؤسسة الأمنية جهوداً كبيرة في محاولة تحديد مكان المختطفين والوصول إليهم في عملية إنقاذ. نجحت مرة وفشلت مرة أخرى. لم يتم تنفيذ العديد من العمليات بسبب الخوف من نقص المعلومات الاستخبارية أو المخاطرة الكبيرة لجميع الأطراف.
وتحدث المختطفون الذين عادوا إلى مدى تعرض حياتهم للخطر جراء قصف الجيش الإسرائيلي. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه لا توجد معلومات قاطعة عن الحالات التي قُتل فيها المختطفون بالقصف الإسرائيلي، لكن هناك شبهات بان هذا حصل، قد نتأكد من صحتها في المستقبل.
هل “كان السيف على رقبته”؟
وفي خان يونس تحديداً، عندما “كان السيف على رقبته”، كما كتب أحد المعلقين، كان من المفترض أن ينبطح السنوار، وفق نظرية هدفين للعملية أحدهما يدفع الآخر، ليخضع للضغوط الإسرائيلية مع اقتراب السيف لرقبته، ويوافق على الشروط التي رفضها في السابق. لكن عمليًا، حدث العكس تماماً. لقد استنفدت إسرائيل العملية البرية، وهي لا تزال بعيدة عن السنوار. هي التي انبطحت، وتخلت عن المخطط الأصلي، وهي مستعدة لصفقة مختلفة تمامًا، ربما مثل تلك التي رفضتها بحق في تلك الليلة. وفجأة تغير خط المعلقين وأعلنوا أن “حماس لم تغلق الباب».
أي باب؟
من أغلق؟
بالذات حماس هي التي أغلقته، أغلقت مدخل مجمّع أنفاق السنوار، وأغلقت الباب أمام تلك الصفقة.
وعد إسرائيلي، مشروط بضمانات من الدول الأخرى
الآن السنوار يجيد اللعب، أنه يشعر قويًا، كأنه على ظهر الحصان، في ظل الضغوط الأميركية على إسرائيل، ومع حظائر أنفاقه المليئة بكل الخيرات، والمخطوفين الذين يحيطون به.
لقد تصلب أكثر في الشروط ووصل إلى النقطة الأساسية بالنسبة له: وعد إسرائيلي، مشروط بضمانات من الدول الأخرى، بوقف كامل للقتال من جانب إسرائيل، دون تحديد وقت، بالاضاقة الى إطلاق سراح السجناء الخطيرين للغاية، في مقابل صفقة. ويدعي المسؤولون الإسرائيليون أن هذه المطالب منفصلة عن الواقع، لقد أهنتم السنوار (متهكمًا).
خلاصة القول:
لقد ألحقت إسرائيل الضرر بحماس، لكنها بعيدة كل البعد عن هزمها. وإذ أنها تتحصن تحت الأرض، فليس لديها حاليًا أي مصلحة كبيرة للتوصل إلى صفقة. هناك من يعتقد أن إسرائيل أصبحت فجأة مهتمة بالصفقة لأنه بات واضحًا للجميع أنها ستضطر خلال أسبوعين إلى التوقف عن المناورة تحت الضغط الأمريكي. وحتى الصقور في المؤسسة الأمنية، الذين طالبوا بمواصلة المناورة، يجب ألا يعارضوا الصفقة. بل على العكس تماماً:
فالصفقة ستكون نهاية متفائلة للحرب، وأكثر لطفًا مما لو طلب الأميركيون من إسرائيل ببساطة التوقف والانسحاب.
إذن ما هي خطة إسرائيل؟
– سألتُ المسؤول الحكومي الرفيع المستوى، فقال: “إن الضربة الفظيعة التي تلقيناها في السابع من أكتوبر خلقت شعوراً لدى الكثيرين في القيادة بأن ما حدث فظيع وشنيع للغاية، لدرجة أن ذلك يحررهم من الحاجة إلى التخطيط للمستقبل البعيد.
المطلوب فقط ضربهم بلا هوادة، وبعد ذلك نفكر ماذا بعد ذلك، “وماذا بعد؟
“الخيارات التي سيواجهها في الأسابيع المقبلة قادة الدولة والمؤسسة الأمنية هي اختيارات شيطانية قاسية.
لكن أسوأ شيء هو قبول هذه الخيارات من دون الاعتراف أولًا بالوضع الذي جاء بهذه الخيارات، بالواقع”.