محمد أنور يكتب: كوكب القيم وكواكب الفضائل
بيان
أرى أن القيم تشبه كوكب الشمس في حقيقتها الواضحة، وأرى الفضائل كالكواكب التي تدور في فلكها، كما تدور الأرض حول الشمس لتنشئ الليل والنهار، والصيف والشتاء والربيع والخريف، كذلك أرى الفضائل في دوارنها حول القيم تعطى الحياة ألوانا مختلفة من الأخلاق.
تقوم حياتنا البيولوجية على صلتها المباشرة، بالأرض لا بالشمس، كذلك حياتنا الأخلاقية تقوم على صلتها المباشرة بالفضائل لا بالقيم، لأن القيم ثابتة واضحة كالشمس في حركة حول نفسها، والفضائل متحركة، متغيرة، متطورة، فلكل عصر تعبيراته وفضائله، وحركة الفضائل في فلكلها تجعل الخير الذي عندك اليوم، شرا عند آخرين.
تقوم حياتنا الإنسانية على المعرفة، والأخلاق، وهم التعبير النهائي لمطالب كل عصر خاصة الأخلاق، فأنت مستقيم ما دمت تأخذ بفضائل عصرك، ومنحرف بقدر تجنبك هذه الفضائل، وهناك الأمثلة الكثيرة على ذلك، اقربها مثالا كيف كانت مشكلة مشاركة المرأة في الحياة العامة في مجتمعاتنا العربية ؟ وكيف تحول هذا الإثم إلى فضيلة؟!
أصبح الناس يتسابقون إلى هذه الفضيلة، ويعلمون بناتهم، ويؤوملون الوظائف، فرحين مطمئنين، وهذا أقرب مثالا لتطور الفضائل وتغيرها من رذيلة إلى فضيلة.
تعتبر الصفات النفسية للحياة هى الفضائل، فالحياة نفسها، لها دستورها الأخلاقى الذى تسير عليه، وتلزم كل مافيها باحترام أخلاقيات الكون، ولذا فإن وراء كل نعيم ومتعة في فضيلة فعلتها، الا تقايض على هذه الفضيلة بشئ، فالفضيلة هى اللذة الباقية، والتى تترك في ضميرك ابتهالا، وفى نفسك بهجة، وتزيد من إتصالك بالحياة، واحتراما لها ولنفسك، ولذلك حين نحيا حياة فاضلة ونشارك بعضنا البعض هذه الحياة، فهنا تحقيقا لمباهج اللذة، والفرحة بالوجود كله.
ترتبط سعادة كل إنسان بالبر الذي يفعله، وترتبط شقاوته بالألم، نتيجة لأخطاءه الأخلاقية، فالسعادة والخير فى تحويل رذيلة إلى فضيلة، فن عظيم في إدراك الفضيلة وصياغة حياة فاضلة.
وتتمثل مسئوليتك الأخلاقية في تقدريك لوقع الخطأ وقدرتك على إصلاحه، وإدراكك لقيم الفضيلة وسعيك لتحقيقها، وأعلم أن قدرتك بعيدة الحدود جدا، وأن الحياة لا تشترى جاهزة، و إنما تصاغ وتشيد، بالإدراك والمعرفة والإرادة الذكية والقوية، وإذا فعلت الفضيلة ابتغاء ذاتها ربحتها، وإذا فعلتها ابتغاء شئ آخر خسرتها، إذن فالفضيلة ابتغاء ذاتها ربح لا يكتنفه خسران أبدا.