“قل شكوتك”.. كائن من الدرجة الثانية

كتبت: أسماء خليل

حينما تتحقق الأمنيات في غير حينها؛ تذبُل فيذهبُ ريحُها الطيب.. تلك مأساتي التي باتت تؤرقني مع أعز إنسان تمنيتُ رضاه يومًا، ولكن أتي الرضا في غير أوانه.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى “ص.ع”، التي أرسلتها عبر البريد الإلكتروني، لتبث فيها مشاعرها الداخلية، التي لا تعدو عن كونها مجرد مشاعر محسوسة، ولكنها تتملكها كواقع ملموس.

المشكلة

أنا المُعذبة التي تبدو أمام العالم وكأنها بلا مشاكل على الإطلاق، بينما العكس تمامًا هو الصحيح؛ فأنا“ ص.ع” زوجة أوشكتُ أن أتم العقد الرابع من سِنِي عمري، حاصلة على ليسانس ألسن بتقدير امتياز، لديَّ ثلاثة أبناء، قاربوا على إتمام العقدين من عمرهم، وأعيش بأحد محافظات الوجه البحري.

منذ نعومة أظفاري وأنا مُدللة لأبٍ كان يملك مشروعًا استثماريًّا وأم ربة منزل متفرغة لرعايتي أنا وأخوتي الخمس، كنا أسرة سعيدة فقد رزق الله أبوي بالمال والبنون والحب، فكانت هي الدنيا، وبمروري فيها تقدم لي شاب مهندس يكبرني بست سنوات، كان أبوه وأمه موظفَين بأحد المؤسسات الحكومية ولديه أخ يصغره يعمل كمحاسب.

تعلَّقَ قلبي بذلك الفتى الذي تمنيته زوحًا ريثما رأيته، فقد كان حسن الطلة، مُريح الحديث، كلامه معسول، وتمت الأفراح، بالليالي المِلاح وسط حضور المدعويين، ومآدب الطعام وسط الكرم الذي اتصف به أبي.

ولكن ما حدث فاق توقعاتي؛ فمنذ أن وطأت قدمي بيت زوجي، وأشعرني أنني عبء عليه، لم أكن أعلم لماذا!.. فكنت أحبه جدًا، واعتقدت أنني أستحق منه أن يبادلني نفس الأحاسيس، فكما يصفني العالم بأنني جميلة رقيقة فياضة المشاعر، اعتقدتُ أنني لا أستحق منه ذلك.

كم كنت أقول له أشركني بمشاكل عملك أو أي شيء تمر به ويضايقك، فكان يأبى ذلك؛ فقد كان يعمل بأحد الشركات الخاصة، وأحيانًا كانت الشركة تنهي مشروعاتها فيظل عدة أشهر بلا عمل ثم يلتحق بشركة أخرى، ولكن كان راتبه يكفينا.

ومن جهة أخرى، كان دائم العصبية على أتفه الأمور، لا يقُدر ما أقوم به من أعمال منزلية، مرورًا بإنجابي لأبنائي والأعباء التي أصبحت على كاهلي، من رعاية البيت بالكامل.

كان يُغدق بالهدايا على أخيه وأولاد أخيه، و يعطي أبويه الكثير من الأموال، بينما أنا حينما كنت أحتاج أي شيء لنفسي كان يتأفف ويعطيني إياه على مضض، بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي كان يعاملني بها، من جفاف وعدم ود، يومًا بعد يوم تعمقت مشاعر دفينة داخلي بالغُصة في قلبي تجاهه.

كم كنتُ أحبه، بل أعشقه، وأتمنى أن يبادلني يومًا ربع قدر الدلال الذي كنت أدلله به، كانت وسادتي تشهد على أحلامي التي كنت أحلم بها كل يومٍ، فقد كنتُ أنسج بخيالي أن زوجي يعود من العمل يربت على كتفي ويقول لي كلمة حب، ويقدر ما أفعله من جعلي لبيته سكنًا آمنًا، بجدران قوية وأبناء متفوقين، وحفاظي على الخيط الرفيع بيني وبين أهل زوجي.

أتي اليوم الذي تحققت فيه الأحلام، ولكنها أحلام باهتة ليست أحلامي، مُسببة بسبب؛ فمنذ خمس سنوات قابلتُ صديقة لي، وانبهرتُ بما هي عليه؛ فقد عمِلت كمترجمة في أحد الشركات الأجنبية بالمراسلة بوساطة شركة مصرية، واستغلت خبرتها الدراسية، فقد كانت حاصلة على نفس شهادتي، أبهرتني الفكرة بخاصة ما كنت أشعر به من فراغ عاطفي.

طلبتُ منها تيسير العمل لي مثلها، فرحبت وساعدتني وعملنا سويًّا، كم أعجِبَ بنتاج أعمالي الكثير، تفوقت واجتزت خطوات كبيرة في زمن قليل، وكم زاد راتبي جدًّا، وأغدقتُ على بيتي وأولادي بالكثير، وأضحيتُ في كثير من الأحوال لا أطلب من زوجي مصاريف لسداد المدارس أو بعض النفقات.

تغير زوجي تمامًا، وبدأت أحلام الربيع تتحقق، ولكنها أتت بالخريف، فلم أشعر بها، تحققت الأحلام وقد بتُّ أكره ذلك الزوج الذي كونت تصرفاته البغيضة لي حاجزًا بيني وبينه.

أصبح يأتي من العمل يتحسس وجودي، ويحادثني بالكلام المعسول الذي أوشكتُ أن أناساه، وبات وجههُ باسمًا، وأصبح في البيت متعاونًا، لقد كان يومًا يحسب لي بالورقة والقلم كل ما صرفته بينما كنتُ أمر بوعكة صحية، وبعد شفائي قال لي انظري لقد صرفت كل ذلك المبلغ.. لقد حفر ذلك المشهد في نفسي قدرما حفرته كثير من المواقف.

ليس بقلبي خادم الفانوس السحري، الذي يستطيع بأمر مني تغيير بوصلة مشاعري، فقد أصبح يراني الآن بعد كل تلك السنوات من العذاب لأنني امتلكتُ المال والنجاح.

فقط أشعر أنني أرى الزهور الجميلة وسط الخريف، بقطرات مائه وبرده الخفيف ورياحه التي تهب على أوراق الورود فتبددها، ليس بإمكاني الآن منح حبي لمن خذلني لسنوات.

حياتي الزوجية ماتزال مستمرة، ولكنها بلا روح، أعيش فيها فقط كممثلة أقوم بآداء دور على مسرح الحياة، أريد الطلاق بأي شكل الآن، وحقًّا طلبته من زوجي، فهل أنا مُحقة فيما أفعل ؟!..

الحل

عزيزتي“ص.ع” كان الله بالعون ..

بمرورنا في الحياة، يحل أشخاص في حياتنا مكانة أعضاء أجسادنا، التي في حين بتر أحدها يتأثر سائر الجسد، كذلك الآن زوجكِ منكِ عزيزتي، لقد أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتك وذكرياتكِ وحاضركِ، ومستقبل أسرتكِ بأكملها.

فزوجكِ الآن ليس ملكًا لكِ، ولكنه الجانب الأكبر من الدار، فلا تتسرعي في أمر الطلاق.

عزيزتي، إن بعض الرجال لا يشعرون أن هناك قيمة للمرأة، ويعتقدون – نتاج التربية الخاطئة – أنها كائن من الدرجة الثانية، بل ولا يشعرون أن لوجودها داع من أساسه.

فهم يظنون في أنفسهم أن الرجل هو كل شيء بالمجتمع، لأنه هو الذي يكد ويكدح، ولا يقدرون أن أعباء وأعمال المنزل، التي تمثل أعظم وأصعب وظيفة، هي عماد أي بيت ناجح.

وبغض النظر عمَّا يفعله بعض الرجال، من إغداق الأموال على أهله، والتقطير على زوجته، أستطيع القول بأن هناك حالات كثيرة جدا من النساء تعانين من تلك الحالة.

ولا أريد وصفها بالمعاناة، ولكن دعي زوجكِ يساعد من يريد بكل أريحية، ولا تخنقيه بتصرفاتكِ، واطلبي من الله – سبحانه وتعالى – أن يبارك لكِ على قلبكِ الطيب الذي يساند زوجكِ على بر رحمه.

ولكن كان عليكِ التمسك بحقوقكِ، وطلب ما تريدين منه طالما أنه مقتدر، وكذلك شرح له أن مساندتكِ في مرضكِ هي واجب عليه، وعلى الزوج الوقوف بجانب زوجته، وإمتاع زوجته على الموسعِ قَدَره والمُقتُرِ قَدَره.

قديمًا لم تكُني يومًا فتاة أحلام زوجكِ السابقة، لقد كنتِ طوق يخنقنه باعتمادكِ عليه في كل شيء، كما تعتقد الكثير من النساء والبنات، أن الزوج عليه كل شيء في الحياة.

ولكن زوجكِ كان يتمنى فتاة لها شخصية استقلالية قوية غير اعتمادية، فهو لم يكن محتاج لأموالكِ قدرما يحتاج لوجودكِ معه كإنسان نِد له، ويوجد الكثير من الرجال هكذا.

عزيزتي.. لا تضيعي وقتكِ في التفسير والتحليل والمعاتبة، فأنتِ الآن وبعد أكثر من خمسة عشر عامًا بالحياة الزوجية، وبإصراركِ على حلمكِ؛ يؤمن زوجكِ بوجودكُ وقدراتكُ ويعيد النظر إليكِ من جديد، فلا تدعي الفرصة تضيع من بين يديكِ، واطلبي منه التدلل والتعبير عن الحب وكل شيء، وحاولي أن تعوضي ما فاتكُ من سنوات وأنتِ لا تفهمين زوجكِ وتقدرين مواهبكِ وقدراتكُ.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

“قل شكوتك”..“سي السيد” في ثوبٍ آخر

“ قل شكوتك ”.. زوجان على الطريق

زر الذهاب إلى الأعلى