تاريخ أغفله التاريخ: المساهمة الفلسطينية فى حرب أكتوبر 1973

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

كعادتى كلما كتبت مقالاً عن حرب أكتوبر 1973 بالذات أسلط الضوء على زوايا وأركان شبه معتمة تتخلل تلك الحرب العظمى لم تتناولها الأقلام كثيراً تكون وقائع غير مطروقة أو مجهولة بالنسبة للكثيرين أو لنقل لم تحظى بالشهرة الكافية خلال الحرب.

والآن.. حان الوقت للحديث عن المعارك البطولية التى خاضتها قوات المقاومة الفلسطينية على كل الجبهات لربط الماضى بالحاضر بخيط وثيق تاريخى وعلى الرغم من محدودية أثر الدور الفلسطينى على سير الحرب إجمالاً بالقياس إلى أدوار أخرى أكبر وأهم قامت بها قوات عربية أخرى خلال الحرب كالقوات العراقية مثلاً أو حتى الأردنية بدور اقل .

وحتما سيندهش الكثيرين حين يعلمون أنه كان للفلسطينيون دور خلال حرب أكتوبر من الأصل.

وآخرون سيأخذون الأمر على مأخذ السخرية لكن مع ذلك لابد من الحديث عن الدور الفلسطينى خلال حرب أكتوبر لأن نشر الحقيقة هى فى حد ذاتها تعتبر رسالة فوق أنها واجب مقدس.

الإسهام الفلسطينى فى الحرب كان تحت قيادة فلسطينية مستقلة تنسق مع القيادات العربية الأخرى..

وبالرغم من تواضع الإسهام الفلسطينى فى معارك الحرب الرابعة قياساً إلى حجم القوى المتحاربة وفاعلية أسلحتها المختلفة ، فلقد كانت به فاعلية وحيوية بالغتين، ومن هنا كان مدلولات سياسية خاصة أكثر منه ذا مدلولات عسكرية.

إن القوى البشرية الفلسطينية التى شاركت فى القتال وبالنظر إلى طبيعة دورها وأماكن تواجدها ومراكز إنطلاقها ليست محدودة على وجه الدقة كما أنه لايمكن حصرها كما هو فى القتال النظامى والجيوش النظامية ومع ذلك يمكن القول أن الإطار العام الذى يحدد مدى الإسهام البشرى الفلسطينى فى حرب تشرين يتكون من عنصرين أساسين :
الأول …. قوات فصائل حركة المقاومة الفلسطينية وقوات جيش التحرير الفلسطينى وقد قدر مجموع هذه القوات بخمس وعشرين كتيبة موزعة على الجبهات الثلاثة السورية / المصرية / اللبنانية
فحين قاتلت قوات جيش التحرير المتواجدة فى سوريا ضمن الخطة العسكرية النظامية قاتلت قوات الثورة وفصائلها على الجبهة اللبنانية قتال العصابات بكل مالها من مهمات وأدوار مختلفة

الثانى …. قوات الثورة ومناضلوها وكوادرها داخل الأراضى المحتلة كلها وبالنظر إلى تواجد مناضلى الثورة هؤلاء بين الجماهير الفلسطينية التى إرتفعت معنوياتها بالحرب فإن ما نفذ من عمليات داخل الأراضى المحتلة كان بمبادرة فردية وهو أمر زاد من رصيد القتال الفلسطينى فى الحرب.

القتال على الجبهة اللبنانية

بعد حملات النظام الأردنى العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية عامى 1970 / 1971 غدا جنوب لبنان مركز تجمع وتواجد أساسى لقوات الثورة الفلسطينية.
هذا من جهة ومن جهة أخرى أتاحت طبيعة الأرض الملائمة لظروف حرب العصابات وقرب التجمعات السكانية للعدو من الحدود ظروفاً موضوعية لتركز الوجود الفلسطينى فى جنوب لبنان وسهولة إنطلاقه ، وقد قدرت قوات الثورة التى قاتلت على هذه الجبهة بحوالى ( 10 كتائب مكونة من مختلف قوات فصائل الثورة ).
كما إنخرط فى صفوف المقاومة الفلسطينية عدد من المتطوعين وفدوا خلال سير الحرب من بعض الأقطار العربية وأهمها العراق.
وكان حصيلة القتال الفلسطينى على هذه الجبهة 160 بلاغاً عسكرياً أصدرها الناطق الفلسطينى خلال الحرب وقد شملت ساحة المواجهة المنطقة الممتدة من الساحل الغربى حتى نقطة إلتقاء الحدود السورية ـ اللبنانية فى سفوح جبل الشيخ
وقامت قوات الثورة ( كما كانت توصف بذلك خلال فترة الستينات والسبعينات ) أثناء ذلك بما مجموعه 207 عملية عسكرية
23 % منها عمليات قصف مدفعى وصاروخى ،
23 % عمليات تفجير ،
23 % عمليات هجوم ،
13 % كمائن ،
12 % إشتباكات ،
7 % إغارة وقنص ،
وذكرت بيانات الثورة الفلسطينية سقوط 59 شهيداً ، 43 جريحاً من المقاتلين أثناء قيامهم بمهامهم داخل الأرض المحتلة
من ناحية أخرى حاولت إسرائيل التقليل من حجم وفاعلية قوات الثورة الفلسطينية على هذه الجبهة ، إلا أنها إضطرت تحت وطأة ضربات الثوار الفلسطينين إلى تهجير المستوطنين من القرى والمستعمرات الحدودية الأمر الذى أضاف أعباء أخرى كبيرة على تنظيم مجهودها الحربى أثناء القتال.
وقد إعترف يوسف تكواه مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة فى مناقشات مجلس الأمن بأن 42 مستعمرة إسرائيلية قد هوجمت من قبل الفدائيين وأن 202 إشتباكاً قد وقع منذ بداية القتال.

القتال على الجبهة السورية

تقدر قوات جبش التحرير التى عملت على هذه الجبهة تحت إمرة القيادة العسكرية ب 5 كتائب أنيط ببعضها الدفاع عن مواقع أرضية على الجبهة وإحتلال المواقع المسيطرة والحساسة فيها ومواصلة صد قوات العدو .

أما الواجب الرئيسى الذى أنيط بهذه القوات ، فهو مهمات الإستطلاع والعمل خلف خطوط العدو ، وكانت قوات جيش التحرير قد جرى إعدادها وتهيئتها لهذه المهمات كقوة مظلات ولقد قامت هذه القوات بالفعل بالإنقضاض من الجو على مواقع وحصون العدو وبعض التلال ذات المواقع الإستراتيجية كما حدث فى تل الفرس يوم 7 أكتوبر 73 .

وقامت كذلك بإغارة على مواقع العدو ومرابض دباباته خاصة خلف خطوط العدو القتالية وذلك كما حدث فى تل الشعار يوم 11 أكتوبر 73 تل المال وتل المطلق يوم 12 أكتوبر وتل شحم يوم 16 أكتوبر كذلك قاتلت قوات جيش التحرير (قوات القادسية) فى معركة تل أبو الدهب وكانت حصيلة هذا القتال على الجبهة السورية سقوط 46 شهيداً ومفقوداً بينهم 6 ضباط وذلك إلى جانب 65 عنصراً جريحاً ووقع 5 منهم فى الأسر .

القتال على الجبهة المصرية

إقتصرت المشاركة على وحدات قوات عين جالوت التابعة لجيش التحرير الفلسطينى ، وكانت هذه القوات تحت إمرة وتصرف القيادة المصرية ، فإسندت لها واجبات قتالية كوحدات مشاة خفيفة مثلها فى ذلك مثل مختلف وحدات المشاة المصرية .

1- انتشرت هذه القوات فى المنطقة الواقعة بين كبريت وكسفريت أى جنوبى الدفرسوار على إمتداد نحو 25 كلم فى مواجهة البحيرات المرة ، وبعد أن عبر جسم القوات الرئيسية من الجيش الثالث إلى شرق القناة بقيت قوات عين جالوت مع مؤخرة الجيش ووحداته الإدارية إلى جانب وحدات عربية أخرى كويتية تقوم بمهماتها الدفاعية خلف منطقة العبور
2- إشتركت مجموعات من هذه القوات فى عمليات خاصة خلف خطوط العدو لقنص الدبابات أو الإغارة على مرابض مدفعية العدو أو لضرب قوافله وآلياته المتحركة
3- وقد سقط من بين هؤلاء المقاتلين حوالى 48 شهيداً و 70 جريحاً وعدد أخر من المفقودين

الـقتال على الجبهة الأردنيـة

الحكم الأردنى لم يكتفى بعدم فتح خطوط النار مع العدو والإسهام فى حرب أكتوبر / تشرين بجدية وفاعلية حقيقيتين بل عمل على إغلاق هذه الحدود فى وجه قوات الثورة الفلسطينية لمنعها من العمل ضد إسرائيل وهو الأمر الذى جعل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تصدر فى اليوم الثالث للحرب بياناً تتهم فيه النظام الاردنى بالتواطؤ .
وإلى جانب ذلك قامت اللجنة التنفيذية بجهود لإقناع الحكم الأردنى بدخول 5 آلاف فدائى للقيام بعمليات محددة فى الأرض المحتلة عبر الحدود الأردنية وقام وفد من المنظمة بزيارة عمان يوم 15 أكتوبر ليواجه هذه المرة برفض صريح من قبل رئيس الحكومة الأردنية .
غير أنه بالرغم من كل الصعوبات نجحت بعض الوحدات الفدائية بالوصول إلى أهدافها بالأرض المحتلة وأعلن العدو من جانبه ذلك فقد أعلن ناطق عسكرى إسرائيلى فى اليوم التالى للحرب عن قصف إحدى المجموعات الفدائية لثلاث مستعمرات إسرائيلية فى غور بيسان بالصواريخ.

كما اعترف بقصف مستعمرتى غادوت وشامير . وأعلن عن قصف مدينة سمح جنوبى طبرية يوم 15 أكتوبر بالصواريخ الثقيلة.

كما أعلن الإسرائليون فى وقت لاحق أنه تم نسف مضخة المياه ومجمع الكهرباء فى إيلات . وقد سقط على الجبهة الأردنية 15 شهيداً وجريحاً فلسطينياً

المقاومة داخل الأرض المحتلة

مع بداية القتال ظهيرة يوم 6 أكتوبر أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بياناً دعت فيه العمال العرب فى الأرض المحتلة بمقاطعة معامل ومزارع العدو حتى لايتاح له المزيد من زج قواه البشرية فى أرض المعركة.

وأجمعت التقارير التى وردت من الأرض المحتلة فيما بعد بما فيها تقارير الصحف الإسرائيلية أن مقاطعة العمال العرب كانت شاملة خلال فترة سير العمليات الحربية .

وشهدت سجون ومعتقلات العدو العديد من التمردات من قبل الفدائيين الأسرى لدى العدو ، الأمر الذى دفع بسلطات السجون الإسرائيلية إلى التنكيل بالمناضلين المعتقلين فى سجون بئر سبع كما قامت سلطات الإحتلال خلال فترة الحرب بإعتقال أكثر من 500 مواطن عربى لخشيتها من إحتمال تحركهم ضدها وإضطرت كذلك إلى إعلات الضفة الغربية منطقة عسكرية مغلقة.

أما على الصعيد العسكرى فقد أصدر الناطق العسكرى الفلسطينى فى الفترة الواقعة بين 6 و 24 أكتوبر بلاغات عسكرية تتضمن مامجموعه القيام 78 عملية عسكرية كان من أهمها ما إعترف به الإسرائليون فى اليوم التالى للحرب وهو الهجوم الذى شنته إحدى المجموعات الفدائية على معسكر للمظليين فى (الكويدره) .

وقد اعتمدت أغلب تلك العمليات على وسائل التخريب البدائى مثل إلقاء المسامير فى الشوارع، وحرق المزروعات والمحاصيل فى المزارع التابعة للمستوطنات الإسرائيلية القريبة فى مناطق جنين وطولكرم وفك مسافات طويلة من قضبان السكك الحديدية فى غزة وسيناء، وقطع أسلاك الكهرباء والهاتف بالإضافة إلى إلقاء قنابل المولوتوف على عدد من دوريات وسيارات العدو.

إن ماقامت به قوات الثورة الفلسطينية خلال حرب 1973 يظل فوق ذلك كله من طبيعة مهام ودور الجندى المجهول فى كل الحروب الوطنية الكبرى .

وقد أهلها هذا الإسهام المرتفع المستوى والدرجة إلى تعزيز ثقة جماهير الشعب الفلسطينى بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة شرعية وحيدة تعبر عن أمانيه الوطنية وتعمل لأجل تحقيقها.
وأشاد كلا من المشير عبد الغنى الجمسى والرئيس الجزائرى هوارى بومدين ببطولة الدور الفلسطينى خلال الحرب من خلال تصريحات كلا منهما

.. أضــواء

– عرضنا الدور الفلسطينى خلال حرب أكتوبر وتعريف مكانته ومواقع عمليات المقاومة وأهميتها بين مختلف عمليات القوات العربية المشتركة التى خاضت حرب أكتوبر بالمشاركة مع مصر صاحبة الدور الأول فى الحرب ضد إسرائيل تليها سوريا شريكة مصر وظهيرها الأساسى فى خوض قتال السادس من أكتوبر

– جدير بالذكر أن حرب أكتوبر سقط فيها شهداء من كل العرب وليس من مصر وسوريا وحدهما إذ سقط الشهيد المصرى والسورى ورقد بجوارهما جنب إلى جنب الشهداء العرب الأخرون من العراقيون والفلسطينيون وحتى الأردنيون والكويتيون والمغاربة ومن كل جيش عربى شارك فى حرب أكتوبر المجيدة.

لقد قدم المصريون وباقى العرب خلال حرب أكتوبر 1973 المظفرة حوالى عشرين ألف شهيد ـ غير الجرحى بالطبع ـ منهم حوالى 256 فلسطينى تقريباً
– لاشك فى أن الفلسطينيون كان يمكنهم تحقيق تغيير جذرى فى مجرى الحرب ومجرى التاريخ نفسه لو كثفوا من عملياتهم داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة بالذات بأكثر مما فعلوا بحيث كانوا سيجبرون الجيش الإسرائيلى على حجز الكثير من وحداته داخل الكيان الصهيونى نفسه للتصدى للفدائيين الفلسطينين الذين يقطعون أوصال دولته ويحطمون عظامها من داخلها.

ومن ثم تُحرم باقى قوات العدو التى تقاتل على الجبهتين الأخرتين المصرية والسورية من تدفق مزيد من قوات العدو إليهما لدعم باقى جيوشه بهما بما سيخفف بالتبعية من ضغط القوات الإسرائلية على الجيشين المصرى والسورى ويضعف من أثر صمود العدو العسكرى فى الجبهتين المصرية والسورية ورد فعله نتيجة إضطراره لتقليص حجم قواته العام وتوجيهها لحماية كيان دولة العدو المهدد بمزيد من عمليات التخريب الشديدة المؤثرة على خطوط مواصلاته وسائر منشأته الحيوية الأخرى نتيجة تصاعد حدة تصعيد المقاومة وضراوتها بأكثر مما حدث بالفعل.
– يتحمل الملك حسين بدوره المسئولية التاريخية فى عدم فتح الجبهة الاردنية أثناء حرب أكتوبر 73 فإن ذلك قد قلل من مساحة نصر أكتوبر 73 بصورة عامة ومنع الفدائيين الفلسطينين من توجيه هجمات صاعقة مباشرة إلى قلب إسرائيل
ولو تلاحمت قوات الثورة الفلسطينة مع الجيش الأردنى لكان سيفضى إلى شطر الجبهة الإسرائيلية نفسها من منتصفها إلى نصفين نصف شمالى ونصف جنوبى ويقطع خطوط الإمدادات والشرايين التى توصل وتربط عقد مواصلات الجيش الإسرائيلى فى إسرائيل ولو حتى لفترة قصيرة مؤقتة تتيح لباقى الجيوش العربية مد نطاق عملياتهما لتحرير الجولان بالنسبة للجيش السورى بالكامل فى وجه مقاومة إسرائلية أقل تركيزا وقوة وكذلك تتيح للجيش المصرى تمديد نطاق زحفه داخل سيناء إلى مابعد خط الممرات الثلاثة بما يفتح الطريق لإسترداد سيناء بكاملها.
.. لو.. ولو …إلخ .. ولكن ماذا نقول …؟؟ فإن التاريخ لايعترف أبداً بكلمة ” لو ” .

…………………….

الـمـــــراجـــــــع :

1- كتاب حرب الساعات الست وإحتمالات الحرب الخامسة ـ عبد الستار الطويلة طبعة 1974
2- كتاب الشرارة طريق النصر قصة حرب تشرين الأول 1973 – دار الصياد اللبنانية – 1974
3- الحرب العربية الإسرائلية الرابعة . وقائع وتفاعلات مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحربر الفلسطينية – 1974

اقرأ فى هذه السلسلة:

تاريخ أغفله التاريخ: الجديد فى الحرب الجوية على الجبهتين السورية والمصرية فى أكتوبر ٧٣

تاريخ أغفله التاريخ: معركة جبل عتاقة فى حرب أكتوبر 1973

زر الذهاب إلى الأعلى