تاريخ أغفله التاريخ: معركة جبل عتاقة فى حرب أكتوبر 1973

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

تعتبر معركة جبل عتاقة من ضمن سلسلة معارك ثغرة الدفرسوار التى دارت خلال حرب أكتوبر المجيدة وهى تُعد من عينة المعارك الصغرى المنسية رغم أهميتها حيث حجبت معركة السويس يوم 24 أكتوبر 1973 الرئيسية الكبرى كل الأضواء عن هذه المعركة التى تعد من المعارك الجانبية المنبثقة من معركة السويس.

وتبدأ قصة هذه المعركة بعد إتساع مجال معارك الثغرة وما بعد وقف إطلاق النار الأول يوم 22 أكتوبر 1973 الذى لم تلتزم به إسرائيل كعادتها وتجاهلته من اجل تحسين وضعها العسكرى على الجبهة المصرية وذلك بأن سعت إلى حصار الجيش المصرى الثالث المرابط فى سيناء بالضفة الشرقية وعزله عن قيادته وخطوط إمداده ومواصلاته فى غرب القناة توطئة لإعلان إستسلامه أو القضاء عليه بعد إحتلال مدينة السويس من ناحية أخرى على أمل وهمى كاذب بأن تنقلب هزيمة إسرائيل الإستراتيجية فى حرب أكتوبر إلى نصر واضح.

ومن أجل تنفيذ ذلك وفى محاولة سرقة النصر المصرى المبين صدرت الأوامر من رئاسة الأركان العامة الإسرائلية فجر يوم 23 أكتوبر إلى فرقة الجنرال / إبراهام آدان الإسرائلية المدرعة ـ وهو القائد الثالث من قادة عملية الغزالة (الثغرة) بكسر وقف إطلاق النار الذى تم سريانه فى اليوم السابق 22 أكتوبر وسرعة الزحف إلى الجنوب للوصول إلى مؤخرة الجيش الثالث ومدينة السويس بقصد إحتلالها وقطع إمدادات الجيش الثالث وقطع طريق السويس / القاهرة فى محاولة من العدو الإسرائيلى لتحسين وضعه التكتيكى المتأزم الهش فى الثغرة التى فتحها فى الجبهة المصرية منذ يوم 16 أكتوبر وقد فشل فى قهر الجيش الثانى الميدانى أو احتلال مدينة الإسماعلية فلم يكن أمامه بد من تعويض فشله فى نطاق الجيش الثانى والإسماعلية سوى السويس والجيش الثالث.

ولابد من الإشارة إلى أن نجاح العدو الإسرائيلى فى احتلال مرتفعات وقمم جبل عتاقة بالسويس قد ساهم فى إحكام حلقة الحصار حول مدينة السويس والجيش الثالث بعد أن وسع العدو من نطاق عملياته بالتقدم جنوباً لاحتلال ميناء الأدبية مع العلم أن العدو لم يهنأ لحظة بالسيطرة الكاملة والبقاء الآمن المريح على هذا الجبل المصرى الشامخ الذى دخل التاريخ العسكرى المصرى وقد عانى العدو من حرب إستنزاف طويلة موجعة حرمته من جنى ثمار تفوقه الذى حققه باعتلاء قمة جبل عتاقة.

لكن أين يقع جبل عتاقة جغرافياً فى مصر ؟

هو أحد جبال مصر، ويقع بين محافظتي السويس والبحر الأحمر، وهو عبارة عن سلسلة جبلية تطل على الضفة الغربية لبداية ذراع خليج السويس في البحر الأحمر والطرف الجنوبي لمجرى قناة السويس الملاحي ويشرف على مدينة السويس وطريق ميناء الأدبية ووادى حجول.

وتتولى إدارته محافظة السويس. ويرتفع 800 م عن سطح البحر ويطل على مصانع تستخدم موارد جبل عتاقه في وادي حجول كما تسقط الثلوج فوق هذا الجبل شتاء كما في جميع جبال مصر.

………..

معركة الهجوم المضاد المصرى الأول على مرتفعات جبل عتاقة:

لعبت مجموعة صاعقة الجيش الثالث الميدانى أدوراً بطولية رائعة خلال حرب العاشر من رمضان، وأثبتوا أنهم قادرون على العمل تحت أقصى الظروف، وهل توجد ظروف أقسى من هذه المهمة المكلفين بها ؟!، وهى التقدم من قطاع بير عديب بالسيارات تحت تفوق جوى معادى ثم الترجل وتسلق جبل عتاقة بإرتفاع 4500 قدم وقوات العدو تسيطر على قمته بالقوات والنيران ولم يطلب هؤلاء الأبطال أن يتم إبرارهم جواً كما فعل العدو .

ونظراً لدرايتهم التامة بجميع المسالك والدروب التى يمكن أن توصلهم إلى قمة الجبل تقدم الرجال تحت ستر ظلام الليل وتقدموا فى مجموعات قتالية صغيرة حاملين معهم أسلحتهم وذخيرتهم وعتادهم غير مبالين بثقل ما يحملون بل يحملون ثقل المهمة المنوطة بهم.

ومع أول ضوء كانت مجموعة استطلاع هذه الوحدة تقوم باستطلاع الموقف فوق الجبل، وحددت مكان وحجم العدو الذى قدر بوحدتين من المظلات والقوات الخاصة للعدو لحراسة عناصر الحرب الأليكترونية وتقدم قائد قوة الصاعقة المكلفة بالمهمة ووضع قراره لاقتحام هذه الوحدات وتنفيذ المهمة.

وقسّم قائد قوة الصاعقة، قواته بين مجموعات اقتحام ومجموعات ستر وتأمين وبدون أى مساعدة من المدفعية أو القوات الجوية وبصيحة الله وأكبر وتحيا مصر، فاجأ الأبطال قوات العدو مقتحمين مواقعه واشتبكوا فى قتال متلاحم وأحدثوا بقواته خسائر جسيمة فى الأفراد والأسلحة والمعدات وقاموا بتدمير بعض أجزاء وحدات الحرب الإلكترونية وكادوا يسيطرون على الموقف تماماً.

وقام طيران العدو بقصف الجبل بكثافة عالية من القنابل ذات الإنفجار السطحى ( نوع من القنابل ينفجر قبل وصوله إلى الأرض وتتطاير شظاياه فى الجو وتسقط كالمطر لتصيب أى قوات فى العراء ) .. وماهى إلا لحظات وإذا بالطائرات العمودية تبر مجموعة مجموعات أخرى من القوات الخاصة المعادية على هضبة الجبل ثم مجموعة أخرى من الطائرات العمودية تسقط عربات جيب مزودة بالهاونات والمدافع وأجهزة أخرى من الحرب الإليكترونية وإتخذ وإتخذ العدو أوضاعه لتأمين قواته وتمشيط المنطقة.

واستمرت قوات الصاعقة فوق جبل عتاقة فى قتالها مع قوات العدو حتى شارفت الذخيرة على النفاذ فقرر قائد الوحدة أن يتم انسحابها إلى سفح الجبل فى قطاع بير عديب لحين وصول الإمدادات من قيادة المجموعة وقام الأبطال بحمل جرحاهم وشهدائهم ولم يتركو على أرض المعركة شهيداً أو جريحاً .
وبعد رحلة التخلص من المعركة تحت ضغط العدو على أمل إعادة التجميع والعودة كانت هناك المفاجأة التى لم يكونوا ينتظرونها أبداً.. وهى أن العدو كان قد نجح فى اختراق قطاع بير عديب وهو فى طريقه إلى ميناء الأدبية ورغم هذا استطاع قائد الكتيبة بشجاعته الفائقة ودرايته الكاملة بجميع الدروب والمسالك أن ينسحب بقواته وشهدائه وقتلاه ليعود بهم إلى قيادة المجموعة سيراً على الأقدام.
لم تنتهى القصة عند هذا الحد حيث أن القوات المصرية لم تترك العدو لتكون له اليد العليا على جبل عتاقة وإنما قاتلت قتالا شرسا طويلا خلال شهرى نوفمبر وديسمبر لتنتزع منه السيادة جبل عتاقة من جديد وتلقى بالعدو عند سفحه.
ووفقا لرواية المقاتل طلعت أحد مقاتلى معركة جبل عتاقة استمرت المعركة على مدار شهر ونصف بعد وقف إطلاق النار الثانى يوم 28 أكتوبر حتى شهر ديسمبر 1973.

………..

الهجوم المضاد الثانى على جبل عتاقة :

كان الوصول إلى المنطقة الجبلية هو أول مشكلة تواجه كتيبة المظلات التى كلفت بالتمركز فى جبل عتاقة وشن عمليات الاستنزاف من هناك ضد القوات الإسرائلية فى المنطقة .
وكان اختيار كتيبة مظلات بالذات يأتى بسبب إمكانية وصولها إلى المنطقة بوسائل غير متاحة للقوات التقليدية ، وكانت الوسيلة المفترضة لنقل هذه الكتيبة بوصفها من قوات الإبرار الجوى هى الإبرار الجوى بالمظلات أو تنقل بطائرات هليكوبتر ، ولكنها اختارت هذه المرة أصعب وسيلة.. وتقرر أن تشق طريقها براً إلى قمة الجبل.
وكان الاستطلاع الجوى للعدو قد أكد أن جبل عتاقة مانع طبيعى يحمى ظهر القوات الإسرائلية فى المنطقة .. ولكن الذين عبروا القناة وخط بارليف عبروا الجبل واخترقوا الصخور ووصلوا إلى قمة عتاقة ( ليركبوا ) العدو الذى أصبح تحتهم.
ولم يكن هناك طريق إلى الجبل.. ولكنهم صنعوا طريق، ولم يكن من الممكن استخدام الوسائل الميكانيكية نظراً لوعورة الجبل فإستخدموا أيديهم فى شق وتمهيد الطريق الذى بلغ طوله 12 كلم .
واحتلوا القمم دون أن يشعر العدو بهم .
وبدأت عمليات نقل الأسلحة والذخيرة، وكان من المستحيل استخدام أى نوع من السيارات فى عملية النقل، وبدأ على الفور فك المعدات والأسلحة والمدافع ونقلها على أجزاء إلى مواقع الكتيبة فوق صخور الجبل الوعر .
واستخدمت القوات هناك قوافل الدواب فى نقل المعدات والأسلحة والذخيرة .. وظلت قوافل البغال والجمال هى الوسيلة الوحيدة لإمداد الرجال فوق الجبل .
وفى هذه الفترة عادت مجموعات الاستطلاع التى كانت قوات المظلات قد أرسلتها لإستطلاع العدو فى المنطقة وجمع المعلومات عنه، والتى عاشت وسط قوات العدو 5 أيام دون أن يشعر بها، ولتعود بمجموعة ضخمة من الصور الفوتغرافية تشمل جميع مواقع العدو ومراكز نيرانه.. وبخرائط تفصيلية مجسمة لتوزيعات قواته فى المنطقة.

وبدأ على الفور الإعداد لمعركة إستنزاف طويلة .. ووزعت القوات فوق الجبل وأعدت مواقع المدفعية والهاونات ونقط إنطلاق الصواريخ وبدأت المعركة .
فوجئ العدو بالنيران تأتى من بين الصخور وكأن جبل عتاقة كله يلفظ الجحيم ..
واتجهت أنظار العدو ـ لأول مرة ـ نحو الجبل الذى كان قد إطمأن إليه من قبل ورصد مواقعنا فوق أعلى قممه وبدأ يوجه إليها النيران .. لكنه بقى لا يعرف لماذا لم تنال ضرباته من قوات عتاقة وكان وراء ذلك سر من أسرار خطط الخداع التى وقع العدو ضحية لها.
لم تكن مواقعنا التى وجه العدو نيرانه إليها إلا مواقع هيكلية صنعت من صخور الجبل، أما المواقع الحقيقية فكانت وسط الجبل بعيداً عن المواقع الهيكلية .
وكان بعض أفراد الكتيبة يتجهون بعد أول ضوء وقبيل أخر ضوء إلى هذه المواقع الهيكلية يحملوت معهم حمالات التعيين ـ الطعام ـ ويقومون بتمثيل عمليات توزيع التعيين الوهمى على الأفراد الذين لم يكونوا سوى كتل متراصة من الأحجار تبدو فوقها خوذ الصلب مطلة من الخنادق الوهمية ! وبعد كل إشتباك كان بعض الأفراد يتجهون إلى المواقع الوهمية ويتحركون هناك ويحملون نقالات الإسعاف وكأنهم يقومون بإخلاء أحد الجرحى !
وظل العدو يوجه نيرانه إلى هذه المواقع الهيكلية تاركاً مواقعنا الحقيقة متفرغة لضرب مصادر نيرانه وكان توجيه العدو نيرانه نحو المواقع الهيكلية يكشف بسهولة عن مصادرها أمام مدفعيتنا وصواريخنا الخارقة للدروع ويسهل كثيراً واجبها الذى ظلت تؤديه ليل نهار أكثر من شهر ونصف إستغرقتها اشتباكات عتاقة .
وكان هناك أكثر من خديعة أخرى.
لقد تم تجهيز عبوة متفجرة وزعها أفرادنا على أماكن متفرقة وسط الجبل وتم توصيلها بأسلاك التفجير لاستخدامها فى خداع العدو، وعندما زادت حدة الاشتباكات بدأ العدو فى فى ضرب الجبل بالمدفعية عيار 125 ملم ومع طلقات مدفعية العدو كان يتم تفجير بعض هذه العبوات ويرصدها العدو من بعيد ويتصورها نتيجة ضرب مدفعيته وقد جاءت بعيداً عن الأهداف ويعود العدو إلى تصحيح ضربات مدفعيته وقد جاءت بعيداً عن الأهداف وتعود طلقاته أكثر بعداً من الأولى وترتبك وحدات مدفعية العدو وتتوقف عن الإنطلاق.

ومع عودة الإشتباكات يكتشف العدو أنه لم ينال شيئاً من قوات عتاقة وتعود الجمال تحمل المزيد من الدعم والذخيرة لقوات عتاقة ، وتظل قوافل الدواب تنقل الحمولات من نهاية الطريق ـ الذى مهد الرجال وسط الجبل لمسافة 12 كلم ـ لتوصلها إلى مواقع الرجال وسط صخور الجبل.
وفكر العدو فى أن يقوم بإنزال قواته أعلى الجبل بالطائرات الهليكوبتر عبر ( الإقتحام الجوى الرأسى ) وتم التصدى له بالصواريخ ولم يجد العدو أمامه سوى تقديم الشكاوى إلى قوات الأمم المتحدة والتى بلغت 27 شكوى ضد ( كوماندوز عتاقة )، قدم بعضهم إلى مراقب الإمم المتحدة القائد الإسرائيلى نفسه الذى كان يعرض عليهم يده المصابة بإحدى شظايا نيران عتاقة.. وعندما فشل العدو فى استخدام الهليكوبتر ، وإنعدمت قدرته على الحركة لجأ إلى إعادة تجميع القوات فى المنطقة، وأصبحت الأهداف الجديدة تشكل صيداً دسماً لقوات عتاقة التى بدأت فى استخدام سلاح جديد على المنطقة نقلته البغال إلى أعلى الجبل ، وكان هذا السلاح الجديد هو الصواريخ التى شاركت فى العمليات منذ المرحلة الأولى للعبور .. والأسلحة المضادة للدبابات والتى يصعب استخدامها من أعلى إلى أسفل ولكن مع قليل من التطوير والتجهيز تنطلق من أعلى الجبل لتصيب مدرعات العدو ودباباته التى أعد تجميعها فى المنطقة .

وأمام إلحاح العدو فى طلب النجدات دفعت القيادة الإسرائلية وحدات مظلات إلى المنطقة فى محاولة لإقتحام الجبل بعملية هجومية تجذب بها قوات عتاقة إلى عمليات دفاعية بدلاً من مهاجمة الدبابات الإسرائلية ومناطق تجمع قوات العدو .

وبقيت المظلات الإسرائلية أسفل الجبل فى مواقع دفاعية ضاعفت من خسائر العدو ولم تقلل منها .

وتتطورت عمليات الصواريخ لتصيب دبابات العدو وعرباته المجنزرة ونقط ملاحظتة وتجهيزاته الهندسية ومراكزه الإدارية وتشوينات ذخيرته مع كل اشتباك كان العدو يخسر مابين 20 أو 25 فرداً وما بين 2 و 3 دبابات أو عربات حتى المخندقة منها (داخل خنادق) وتولى قناصة المظلات صيد الأفراد خلال كل اشتباك ظلت المعركة مستمرة 45 يوماً تستنزف العدو وتشكل عنصر ضاغطاً فى مباحثات الفصل بين القوات ، وقدرت خسائر العدو فى المنطقة بحوالى 450 فرداً بين قتيل وجريح .

وعندما قدمت الكتيبة كشف خسائرها فى هذه الإشتباكات كان الكشف يضم سطراً واحداً يسجل أن كل خسائرها طول الـ 6 أسابيع من الإشتباكات هو جمل واحد ،،،،،،
إنتهت رواية المقاتل / طلعت أحد أبطال معركة جبل عتاقة

قصة بطل مصرى خاض قتالا غير عاديا فى عتاقة وأدى له القائد الإسرائيلى التحية !

لكن هناك بطل أخر ذكر قصته موقع المجموعة 73 مؤرخين وهو البطل الشهيد الملازم أول / محمود على الجيزى الذى استشهد وهو يخوض آخر معاركه بالقرب من سفح جبل عتاقة رغم أنه لم يكن من القوة الأساسية المكلفة بالدفاع عن أو استرداد جبل عتاقة

المقاتل ملازم أول محمود علي الجيزي الذي تلقى التحية العسكرية من العدو بعد استشهاده

المقاتل ملازم أول محمود علي الجيزي
المقاتل النقيب محمود علي الجيزي

لم يعرف الكثيرون حتى أصدقاء “الجيزي” عن كيفية استشهاده حتى جاء أحد الضباط الإسرائيليين ليروي لزميل له يدعي “أحمد حسام شاكر” أحد ضباط البحرية المصرية وصديق للملازم “الجيزي” فيروي قصة استشهاده “لشاكر” لتنكشف كيفية استشهاد البطل والذي كان مسجل اسمه في سجل المفقودين خلال الحرب.

وعقب انتهاء الضباط الإسرائيلي من سرد قصة استشهاد “الجيزي” قام بتقديم التحية العسكرية للشهيد ” الجيزي ” الذي ضرب أروع الأمثال في الشجاعة والأقدام وعدم التردد ولو للحظة في التضحية بروحه من أجل الوطن .
كان “ الجيزي” ضمن القوات البحرية الخاصة التابعة للمجموعة صاعقة 39 والتي قامت بحماية منطقة “الأدبية” من محاولة إنزال بحري إسرائيلي يهدف إلى الوصول إلى السويس عن طريق الخليج ، وذلك أثناء عمليات أكتوبر 73 .

ويوم ” 24 أكتوبر ” و أثناء هجوم العدو الإسرائيلي علي مدينة ” السويس ” من خلال ” الثغرة ” ، كان ” الجيزي“ متمركزاً بأحد استراحات مهندسي السماد على الطريق في المنطقة بين الأدبية وجبل عتاقة ، و تصدى كعادته بشجاعة وشراسة لقوات العدو في معركة عنيفة لم تكن القوي فيها متساوية ولا القوي العددية ولا حتى في الأسلحة ، إلا أنه ظل يقاتل العدو الإسرائيلي على مدار 11 ساعة متواصلة حتى قرروا هدم ” المحجر” الذي كان يتخذه مقر له في هجومه على معسكر العدو بالزيتية في السويس حيث كانت قوات العدو تتمركز للهجوم على السويس من هذا المعسكر أو من تلك “الثغرة”.

ولم يكن أحداً سواء من زملاء ” الجيزي ” أو القيادات يعرف مصيره هل هو استشهد أم تم أسره والذي كان متواجداً باستراحة ” السماد ” بالسويس والتي دمرها العدو بأكملها ، مما جعل القوات تسجله في سجل المفقودين لمدة أربع سنوات حتى ظهرت الحقيقة عن طريق ضباط إسرائيلي ينتمي لقوات العدو التي هاجمت الشهيد ” الجيزي ” وشاركت في قتله.
وأوضح الأخير في حديثه انه كان ضابطاً من قوة العدو و التي كانت معسكره داخل محاجر جبل “عتاقه” حيث استطرد الضباط حديثه قائلا “ أننا كنا نكتشف كل يوم مقتل مجند من قوتنا حتى وصل عدد من تم قتلهم إلي ” 11 ” جندي من قوة المعسكر ، وقتها قرر قائد المعسكر الإمساك بخفير المحاجر لحل هذا اللغز الذي عذب كل أفراد المعسكر طوال أحد عشر يوم ، وتحت وطأة التعذيب أفاد الخفير باختباء أحد أفراد “الكوماندوز” المصريين في المحجر، فقمنا وقتها بمحاصره المحجر وبدأنا نشتبك مع الشهيد “ الجيزي فقاوم ببسالة حتى آخر طلقه من رشاشه ورفض التسليم فقمنا باستخدام جميع أسلحتنا الثقيلة لتدمير المحجر ونجحنا في القضاء على الضابط المصري ، والذي تبين من أوراقه أن اسمه “ محمود علي الجيزى” وأنه ينتمي للصاعقة البحرية المصرية ، ولقد أظهر بطولة من النادر أن تتكرر في الحروب وأظهر شجاعة بالغة لم ولن تكرر ولن يأتي الزمان بمحارب ومقاتل مثله مرة أخري ، لذلك كنا حريصين بداية من قائد القوة إلي أخر مجند بها علي أن ندفنه بما يليق ببطولته وأن نؤدي له التحية العسكرية أثناء مراسم الدفن .

التحليل النهائى لمعركة جبل عتاقة : 
حيث يقفز سؤال هام: ما الذى كان يريده العدو الصهيونى من سيطرته على جبل عتاقة فى السويس …؟؟.
الإجابة المباشرة على هذا السؤال توضح أن العدو قام بإبرار قواته فوق الجبل بقصد الإستيلاء على محطة إنذار إليكترونية مصرية وقد نجح فى ذلك بحسب ماذكره المؤرخ العسكرى جمال حماد فى كتابه المعارك الحربية على الجبهة المصرية .
( مع العلم أن الإسرائليون يذكرون أنهم سبق وأغاروا بقواتهم المحمولة جواً من قبل على جبل عتاقة يوم 14 أكتوبر بالتحديد ومرات أخرى ـ ندوة حرب أكتوبر التى أقيمت بالقدس المحتلة عام 1975 )
ومن المعروف عسكريا أن جبل عتاقة بقممه العالية يعتبر مركز إستطلاعى ومراقبة متقدم لقوات العدو ويمكن من خلاله السيطرة بالنيران من أعلى فوق قواتنا فى شرق أو غرب القناة ويمنع أى محاولة لتطويق قواته وحماية ظهرها فى الثغرة حيث يعتبر حداً إستراتيجياً طبيعياً أو حائط مانع علوى يشكل جدارا ًحامياً عند مدخل البوابة الجنوبية للثغرة ويقلل من مخاطر تعرض القوات الإسرائلية للحصار أو الهجوم عليها من أعلى أثناء إدارة العدو لمعركة اقتحام مدينة السويس يوم 24 أكتوبر وما بعده من إتمام حصار قوات الجيش الثالث شرق القناة فضلاً عن قدرته على إيقاع أضرار بالغة بقواتنا والتأثير على سير عمليات القوات المصرية بالمنطقة بمعنى أن جبل عتاقة بعدما كان عينا لقواتنا على العدو تحول إلى عينا على قواتنا للعدو !.

وعلى سبيل المثال بمجرد أن نجح العدو فى احتلال جبل عتاقة حتى قام بنصب قطع مدفعية مضادة للطائرات عيار 40 ملم موجهة ردارياً وفى يوم 25 أكتوبر 1973 تمكنت هذه المدفعية المتمركزة فوق جبل عتاقة وفوق جبال شبراويت أيضاً من إسقاط 6 طائرات هليكوبتر مصرية من مجموع 9 طائرات كانت تقوم بمحاولة إمداد قوات الجيش الثالث المحاصر فى سيناء !!.
لكن بعد أن التقطت القيادة المصرية أنفاسها وأعدت الخطة شامل لسحق الثغرة كلها ( وللأسف لم تنفذ ) تغيرت الأمور وحشدت قوات ضخمة جديدة أطبقت بدورها على العدو الإسرائيلى فى الثغرة وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم وخاضت ضده حرب إستنزاف جديدة وقد نجحت فى إجلاء العدو عن قمة جبل عتاقة حتى تم الجلاء التام عن غرب القناة إذ أن ثغرة الدفرسوار يمكن وصفها بأنها ( كالخسوف الطارئ على طلعة البدر الرائق ).

…………………………………………………………………………………………………..

المراجع : 

1 ــ حرب أكتوبر بين الحقيقة والإفتراءات ـ العميد أ.ح / محمد إبراهيم عبدالغنى 1988
رئيس فرع عمليات الجيش الثالث الميدانى فى حرب أكتوبر
2 ــ الساعة 1405 الحرب الرابعة على الجبهة المصرية ـ صلاح قبضايا 1974
3 ــ المعارك الحربية على الجبهة المصرية حرب أكتوبر 1973 ج 2 ـ جمال حماد 1989
4 ــ حوار منشور بموقع المجموعة 73 مؤرخين مع السيد اللواء طيار / محمد صلاح عارف
5 ــ قصة الشهيد الملازم اول / محمود الجيزى على موقع المجموعة 73 مؤرخين
6 ــ ندوة حرب أكتوبر التى أقيمت فى القدس عام 1975 وحضرها حايم هيرتزوج وأخرون
صورة لجزء من جبل عتاقة.

اقرأ فى هذه السلسلة:

تاريخ أغفله التاريخ: حرب الأيام الأربعة فى لبنان 1972

تاريخ أغفله التاريخ: عندما قررت إسرائيل غزو حى العباسية بالقاهرة !

زر الذهاب إلى الأعلى