“قل شكوتك”.. صورة للحلال في الحرام

كتبت: أسماء خليل

أنا ألوم شخصًا ما، أعتبُ عليه ما فعله بي، أتعجب كيف مرت عليَّ كل تلك الأحداث السلبية؛ ذلك الشخص هو نفسي، التى مابرحتُ أجلدها بسياط الضمير، ولكني لا أعلم لماذا أستمر في توبيخها رغم أنها استفاقت منذ زمنٍ ليس بالبعيد.

تلك هي مقدمة الشكوى التي أرسلتها السيدة“ش.ط”، عبر البريد الإلكتروني، من خلال رسالة تبث فيها آلامها النفسية التي تنهش في جسدها، راجيةً من الله سبحانه أن تجد من يساندها في تلك الحياة، ولو بالكلمة.

الشكوى:

ها أنا ذي المرأة المستيقظة من الغفوة، بل الغفوات المتلاحقة التي انتابتني عبر مروري بالحياة؛ فأنا زوجة بالسابعة والثلاثين من سِني عمري، أعيش بأحد مدن الوجه القبلي مع زوجي وابني وابنتي، وهما بطريقهما لإتمام العقد الثاني من عمرهما.

كنتُ فتاة عادية، نشأتُ في أسرة ميسورة الحال لأبٍ مزارع بأحد القرى الريفية، ويمتلك بضع الأفدنة من الأرض الزراعية، وأم تساعد أبي في الحقل وتربية بعض الحيوانات، وأمتلك أخًا وثلاثة أخوات، وقد حصل الجميع على مؤهل متوسط، وأنا أيضًا حصلت على دبلوم صناعي، ومن وسط أخوتي كنت أنا الصغرى وتزوجنا جميعًا.

ما إن انتهيتُ من سنوات الدراسة؛ حتى تقدم لي الخطاب، ومن بينهم شاب موظف يكبرني بسبع أعوام، وافق عليه أبي وتزوجنا واصطحبني معه لأحد المدن المجاورة لقريتنا.

كانت حياتي تسير على ما يُرام، زوجي يذهب للعمل بشكل يومي، وأنا أقوم بأعمال المنزل، وأرعى شؤون زوجي، ثم أنجبت أولادي وبدأ جزء من اهتمامي يتوجه إليهم.

كنت أحاول قصارى جهدي أن أكون زوجة ناجحة، ولكن زوجي كان يشعرني – بشكل دائم – أنني زوجة فاشلة، رغم أن كل من حولي يثنون على ما أقوم به في كل حياتي الزوجية، وأنا – بشكل شخصي – أشعر بالنجاح، ولكني لا أنكر أنه زعزع ثقتي بنفسي.

إلى هنا ليست ثمة مشكلة جوهرية أعتدها تعرقل استمرار الحياة الزوجية، إلى أن كنت ذات مرة ممسكة بهاتفي؛ إذ وجدتُ رسالة من أحد الأشخاص يحاول التحدث معي، قلت لنفسي أنا أرفض ذلك رفضًا باتًّا؛ من منطلق الحرام والعيب، إلا أن نفسي أمرتني بالسوء، قائلة لي لا بأس فقط ردي مجرد رد لتري ماذا يريد الرجل.

فوجدته يحاول التودد إليَّ، ففي البداية أثنى على جمالي من خلال صورة كانت لي مع أولادي بعيد ميلاد أحدهما، وأكد لي أنني أملك جاذبية وطبعًا هادئًا وروحًا نقية، قلت له عيب ما يحدث هذا إنني زوجة.

بتُّ ليلتي أفكر فيه وفي كلامه الذي أصابني بالحسرة على حال حياتي الزوجية، متسائلة: لماذا لا يقول لي زوجي تلك العبارات الجميلة الرقيقة، ويشعرني دائمًا أنني فاشلة قبيحة؟!.

لكني لا أعلم – رغم مقاومتي لنفسي – إلا أنني اشتقتُ لسماع الكلام الذي أثر في نفسي بالغ التأثير، وجعلني أشعر بحالة من السعادة لا أعلم مصدرها.

وفي اليوم التالي، أرسل الرجل لي رسالة، حاولت الابتعاد، حاولت وحاولت ولكن كل جهودي باءت بالفشل، فقلت لنفسي سأرد عليه لأوبخه على محاولته استمالة قلبي، وريثما أنا أقرأ رسائله إذ باغتني بالكثير من الرسائل التي تؤكد أنه يريد التواصل معي بصورة شريفة كأخوة، وأنه من الحرام أن أظل بلا أحد يؤازرني بالحياة ويشعرني بجمالي وأنوثتي؛ وظل يقنعني ويؤكد لي، أنه توسم في شخصيتي الصلاح والأخلاق الحميدة.

وافقت وأقنعتُ نفسي زيفًا أن تلك العلاقة أخوَّة ولن تعدو عن ذلك، أصبحتُ أنتظره بشكل يومي، وأنتظر رسائله التي في ظاهرها البراءة، ولكن باطنها محاولة استمالة قلبي نحوه، وقد كان.

أحببته جدًّا لدرجة أنه لو غاب يومًا أبكي، إلى أن جعلني أرسل له صور عارية، وقابلته عدة مرات كنا نذهب لأحد النوادي ودور السينما ويشتري لي الهدايا التذكارية، ولم يكن هناك هدفًا محددًا من تلك العلاقة داخل نفسي.

إلى أن جاء يوم، واتصل بس حزينًا متألمًا، يحدثني بأن شقته سوف يتم الحجز عليها لأنه يمر بضائقة مالية، وقد جمع مبلغًا من المال ومتبقي جزء.

لم أنم تلك الليلة، وفي الصباح الباكر ذهبتُ إلى الصاغة وبعتُ أغلى وأثمن خاتم لي، كان زوجي قد اشترى لي خاتمًا صغيرا وأنا بكل ادخاري في سنوات طويلة زدتُه من الجرامات وأصبح ثمينًا، حدثتني نفسي أن تلك صدقة جارية عني، أن أقرِض أي إنسان في ضائقة.

قابلته وأعطيته ثمنه، كم شكرني جدًّا، وأكد لي قدر الحسنات التي سأحصل عليها جراء ما فعلت من خير، فقد تم إنقاذ شقته من الضياع.

وبعد مرور شهر، دعاني لأخرج معه للتنزه ففعلت، وبينما نحن سائران إذ اتصل به أحدهم يبلغه بوصول حوالة مادية له، فاصطحبني وذهبنا ليصرف تلك الحوالة، وفي أثناء سيرنا صرف الكثير من الأموال في شراء الهدايا ومستلزمات منزله؛ فهو يعيش مع ابنه الوحيد، حيث إنه مطلق.

لم يفكر أو يقترح عليَّ أن يعيد المبلغ المالي الكبير الذي أخذه مني مقابل الخاتم، حزنت جدًّا، ورجعت منزلي مصدومة مكتئبة، لأنني بدأت في عقد مقارنة بين ذلك الرجل الذي خبَّب علي زوجي، وبين زوجي نفسه الذي يعطيني“الباسورد” لهاتفه، ويلقيه أمامي وليس لديه أي أسرار أو علاقات، زوجي المكافح الذي هنأني ولم يجعلني أدُق باب العمل لأكون سيدة الدار.

وهنا بدأ الإيمان يتغلغل داخل صدري، وبدأت أصلي وأستغفر الله – سبحانه وتعالى – باكيةً، عساه يغفر لي ويتوب عليَّ، ثم مسحت كل صوري ومحادثاتي إذا كان هناك ما تبقى منها.

وبعدها هاتفت الرجل وطلبت منه المبلغ الذي أخذه مني، فسرعان ما باغتني قائلًا: “تلك الأموال التي معي من أجل مصاريفي وولدي”، فقلت له اعطني هذا المبلغ مُقسطـًا على عدة أشهر من راتبك؛ فرفض.

ثم فاجأني قائلًا: “ إنه في بعض الدول تعمل المرأة وتعطي زوجها وهو فقط يتفرغ لتدليلها”.. إنه أبلعني أكثر رسالة صفعتني بحياتي، مفادها أنه قضى معي ذلك الوقت مقابل هذا المال الذي أخذه مني.

أنا لا أنام الليل، لقد قصدتُ أن أقرضه المال لأفك عنه ضيقته، فكرت كثيرًا في أن أذهب لابن عمه هو رجل أمين ويحترمه كثيرًا وأحكي له ما حدث ليرد لي نقودي، أرسلتُ تلك الرسالة مصاحبة لدموعي التي لم تجف بعد، ماذا أفعل بحق الله ؟!.

الحـــل:

عزيزتي “ش.ط”.. كان الله بالعون.

هناك بعض المواقف أو الأزمات التي نمر بها في حياتنا، نتمنى من الله- سبحانه وتعالى- أن يتم حلها أو إزاحتها عنا ولو خسرنا الكثير من الأموال، ها أنتِ ذي في موقف مشابه، لقد كنتِ في غابة وظهر لكِ أسد؛ أفلا يكفي ثمن خاتم من ذهب مهما غلا ثمنه، لكي ينقذكِ من براثنه وتعودين لبيتكِ سالمة غانمة.

كم من الأموال يكفي مقابل فضيحة مُحققة، أو خراب بيت، حاولي تدبير أمركِ وادخري القليل على القليل، وفي يوم من الأيام قومي بشراء مائة خاتم.

لقد أنقذكِ الله- سبحانه وتعالى- رغم خيانتكِ لزوجك مع وغد أحمق، لا يهمه سوى المتع الوقتية التي إلى زوال، ولابد عليكِ أن تُدركي مدى الجُرم الذي تقوم به أي امرأة تسول لها نفسها إرسال صورها لآخر أو مقابلته، ولو على سبيل التنزه، فأي امرأة تمارس الخيانة أمرها موكول إلى الله.

عزيزتي..هناك جانب مُشرق في حكايتك وهو توبتكِ وعودتكِ لرب العالمين نادمة، استمري ولا تتواني عن الاستغفار، وتصدقي بأي شيء وكوني حسنة الأخلاق معطاءة، وأكثري من الصلاة، عوضي تلك السيئات بحسنات ليبدلها الله تعالى لكِ من فضلهِ.

ولكن هناك نصيحتان؛ الأولى لكل زوج، والثانية لكل وغد..فأما بالنسبة للزوج، فدائما وأبدًا ستكون نصيحتنا له بعدم إهمال زوجته؛ إذ أن الإنسان إذا امتلأ قلبه بالأحاسيس الجميلة، وأتي من يمنحه بعضًا منها، فإنها ستفيض عن حاجته وحتمًا لن يتقبلها لأنه ليس بحاجة إليها.

ولكن الإناء الذي به جزء فارغ، سيتقبل المزيد، حتى وإن كان رثًّا راكدًا، وهذه ليست ذريعة لأي امرأة تسول لها نفسها الخيانة، ولكن فقط للتذكير بالسنة الكونية والنوبية بضرورة الإحسان والرفق بالمرأة وعدم إهمالها.

وأما الثانية فلأي رجل مطلق أو أرمل، لا تتسول بضعًا من المشاعر المسروقة بتخبيب أي امرأة على زوجها، فإن ذلك منهي عنه وله درجة عالية من التحريم واللعن، ولكن عليك أن ترى نقاط ضعفك وتقوِّمها، وتحاول بدء حياتك من جديد مع امرأة أخرى في الحلال تتفهم طبيعة شخصيتك.

وأما بالنسبة لأي زوجة، فعليكِ التيقن من أنه لا يوجد بالعالم زوج أفضل من شريكِ إلا من رحم ربي؛ فالجميع ظاهره غير باطنه، فالتصنع هو السمة السائدة لكل العلاقات الإنسانية السطحية، والمعاشرة هي التي تظهر بواطن الأمور.

فعلى كل زوجة التحلي بالصبر والحكمة، والعِلم بأن الزوج هو الجنة أو النار بالنسبة للزوجة، وعليها أن تراعي الله- سبحانه وتعالى- تعالى فيه، وتحفظ غيبته حتى وإن كان ظالمًا، وإن أخطأ فلتعامله كابنها، فهل لأم أن تلقي ابنها بالطرقات حتى وإن أخطأ؟!.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

“قل شكوتك”.. كائن من الدرجة الثانية

“قل شكوتك”..“سي السيد” في ثوبٍ آخر

زر الذهاب إلى الأعلى