ثورة في تصميم الحياة: “نوبل” تسلط الضوء على قوة البروتينات المصممة

كتب: عاطف عبد الغنى وأشرف التهامى

تخيل أنك تمتلك مجموعة من المكعبات الملونة، ويمكنك باستخدام هذه المكعبات بناء أي شكل تريده، هذا هو ما تفعله البروتينات في أجسامنا، فهي عبارة عن “مكعبات” جزيئية صغيرة تسمى الأحماض الأمينية، وعندما ترتبط هذه المكعبات ببعضها بطريقة معينة، تتشكل بروتينات ذات أشكال وأحجام مختلفة، وكل شكل من هذه الأشكال يعطي البروتين وظيفة محددة.

“نوبل” تكرّم ثورة في فهم البروتينات

وهذا العام 2024 ، حاز 3 علماء على جائزة نوبل في الكيمياء لاكتشافهم طريقة جديدة لفهم وتصميم البروتينات، هذه الجزيئات الضئمة هي أساس الحياة، وتتحكم في كل شيء بدءًا من الهضم وحتى مقاومة الأمراض، لذلك تم منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024 هذا العام لثلاثة باحثين عن تطورات تتعلق بفك رموز وتصميم هياكل البروتينات.
والعلماء الفائزون هم: ديفيد بيكر وسيحصل على نصف الجائزة، بينما سيتقاسم النصف الآخر ديميس هاسابيس وجون جامبر.
وبفضل اكتشاف العباقر الثلاثة، يمكن للعلماء الآن التنبؤ بشكل دقيق بكيفية طي البروتينات، وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض.
كما أن هذا الإنجاز الذى يفتح الباب أمام تطورات طبية هائلة، مثل تصميم أدوية جديدة وعلاجات أكثر فعالية للأمراض المستعصية.

بنية البروتينات 

رغم التنوع الهائل في وظائف البروتينات، فإنها جميعًا تُبنى من مجموعة محدودة من 20 حمضًا أمينيًا. هذه الأحماض الأمينية ترتبط ببعضها لتشكل سلاسل طويلة، ولكن الشكل الخطي لهذه السلاسل لا يكفي لتحديد وظيفة البروتين.

إن البنية الفراغية ثلاثية الأبعاد للبروتين، الناتجة عن طي السلسلة بطريقة معينة، هي التي تحدد كيفية تفاعل البروتين مع الجزيئات الأخرى وأداء وظيفته. هذا الطي المعقد يتطلب تناسقًا دقيقًا بين الأحماض الأمينية، حيث يجب أن تتوافق خصائصها الفيزيائية والكيميائية (مثل الشحنة، القطبية، الحجم) لتكوين بنية مستقرة وفعالة.

أي خلل في عملية الطي يمكن أن يؤدي إلى تشكل بنية بروتينية غير صحيحة، مما يؤثر سلبًا على وظيفة البروتين أو يجعله غير وظيفي تمامًا. هذه الظاهرة تلعب دورًا هامًا في العديد من الأمراض، حيث يمكن أن تتراكم البروتينات المطوية بشكل خاطئ وتؤدي إلى تلف الخلايا والأنسجة.

فك شفرة شكل البروتينات 

تخيل أنك تحاول فك رموز لغز ثلاثي الأبعاد، لكن بدلاً من قطع البازل، لديك سلسلة طويلة من الأحرف. هذه الأحرف تمثل الأحماض الأمينية التي تشكل البروتينات.

في الماضي، كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة الشكل النهائي لهذا اللغز هي بناء نموذج فعلي له، وهي عملية طويلة ومكلفة. كان العلماء يستخدمون أجهزة ضخمة مثل المجهر الإلكتروني لالتقاط صور للبروتينات، ولكن هذه العملية كانت بطيئة جدًا وصعبة.

ولكن، ماذا لو كان بإمكاننا تخمين الشكل النهائي للبروتين ببساطة من خلال النظر إلى تسلسل الأحرف؟ هذا ما حاول العلماء تحقيقه لسنوات عديدة. لقد نظموا مسابقات كبيرة لتشجيع الباحثين على تطوير برامج حاسوبية قادرة على التنبؤ بشكل البروتينات.

ديفيد بيكر وديميس هاسابيس وجون جامبر الفائزون بجائزة نوبل في الكيمياء 2024
ديفيد بيكر وديميس هاسابيس وجون جامبر الفائزون بجائزة نوبل في الكيمياء 2024

ديميس هاسابيس: عبقري الشطرنج الذى تحول إلى رائد الذكاء الاصطناعي

ديميس هاسابيس، هذا الاسم الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بواحدة من أبرز الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، هو قصة نجاح استثنائية. بدأ هاسابيس مسيرته كعبقري شطرنج، حيث أظهر موهبة استثنائية في اللعبة منذ سن مبكرة.

بعد ذلك، انتقل إلى عالم البرمجة وألعاب الفيديو، حيث أسس شركات ناجحة. ومع ذلك، لم يكتفِ هاسابيس بهذا، بل توجه إلى دراسة علم الأعصاب، سعياً لفهم أعمق للذكاء البشري.

توجت مسيرة هاسابيس بتأسيس شركة DeepMind، التي ساهمت بشكل كبير في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل برنامج AlphaGo الذي هزم بطل العالم في لعبة Go.

جون جامبر: العقل المدبر وراء ثورة في علم الأحياء

د. جون جامبر، عالم الحاسوب الأمريكي، لعب دورًا حاسمًا في تطوير برنامج AlphaFold، وهو نظام ذكاء اصطناعي تمكن من التنبؤ بدقة بهياكل البروتينات. بعد دراسات عليا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، انضم جامبر إلى DeepMind حيث قاد فريق التطوير الذي حقق هذا الإنجاز العلمي الكبير.

بفضل AlphaFold، أصبح من الممكن فهم وظائف البروتينات بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الطب والصناعات الدوائية.

كيف يتنبأ AlphaFold بشكل البروتينات؟

تخيل أنك تحاول بناء مجسم ثلاثي الأبعاد من مجموعة من القطع، ولكن لديك فقط صورة مسطحة لكل قطعة. هذا هو التحدي الذي يواجه العلماء عند محاولة فهم شكل البروتينات.

AlphaFold هو برنامج ذكي يحاول حل هذا اللغز. يقوم البرنامج بفحص جميع القطع (الأحماض الأمينية) التي تشكل البروتين، ثم يقارنها بقطع أخرى مشابهة في بروتينات معروفة.

الخطوات التي يتبعها AlphaFold  

  1. المقارنة: يقارن البرنامج تسلسل الأحماض الأمينية في البروتين الذي نريد معرفة شكله بتسلسلات أخرى موجودة في قاعدة بيانات ضخمة.
  2. البحث عن أجزاء متشابهة: يبحث البرنامج عن أجزاء من البروتين لم تتغير كثيرًا على مر الزمن، فهذه الأجزاء هي الأهم وظيفيًا.
  3. بناء نموذج أولي: يستخدم البرنامج المعلومات التي جمعها لبناء نموذج ثلاثي الأبعاد أولي للبروتين.
  4. التحسين: يقارن البرنامج النموذج الأولي بنماذج أخرى مشابهة ويحسن منه باستمرار حتى يصل إلى النموذج الأكثر دقة.

ومعرفة شكل البروتين يساعدنا على فهم وظيفته وكيف يتفاعل مع جزيئات أخرى. هذا يمكن أن يساعدنا في تطوير أدوية جديدة وعلاج الأمراض.

التحديات المتبقية في مجال التنبؤ ببنية البروتينات

رغم التقدم الكبير الذي أحرزه برنامج AlphaFold في مجال التنبؤ ببنية البروتينات، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال بحاجة إلى حل مثل: التنبؤ بالتفاعلات، حيث لا يقتصر فهم وظيفة البروتين على معرفة بنيته ثلاثية الأبعاد، بل يتطلب أيضًا فهم كيفية تفاعله مع جزيئات أخرى، مثل الجزيئات الصغيرة (الأدوية) أو البروتينات الأخرى.

كما  يواجه AlphaFold صعوبة في التنبؤ ببنية البروتينات التي تختلف بشكل كبير عن البروتينات الموجودة في قاعدة البيانات، مما يحد من تطبيقاته في بعض المجالات.

وثالث تلك التحديات يتعلق بدقة التنبؤ، إذ أنه على الرغم من أن AlphaFold حقق دقة عالية في التنبؤ بالعديد من البروتينات، إلا أن هناك مناطق في البروتين لا يمكن التنبؤ ببنيته بدقة عالية.

الأثر على تطوير الأدوية  

على الرغم من هذه التحديات، فإن القدرة على التنبؤ ببنية البروتينات تعد خطوة حاسمة في تطوير الأدوية. ومع ذلك، فإن فهم التفاعلات بين البروتينات والجزيئات الصغيرة أمر ضروري لتصميم أدوية فعالة واختيارية.

الخلاصة أن برنامج AlphaFold يمثل إنجازًا علميًا كبيرًا، ولكنه ليس الحل النهائي لجميع المشاكل المتعلقة ببنية البروتينات. هناك حاجة إلى مزيد من البحث والتطوير لفهم التفاعلات المعقدة بين البروتينات والجزيئات الأخرى، وتحسين دقة التنبؤ ببنية البروتينات الغريبة.

بناء بروتينات جديدة من الصفر

هل تصدق أنه يمكننا تصميم بروتينات جديدة لم تكن موجودة من قبل؟ هذا ما فعله العلماء باسل الدحيات وستيفن مايو في عام 1997. استخدموا أجهزة الكمبيوتر لتصميم بروتين صغير ثم قاموا بصنعه في المختبر.

كان هذا إنجازًا كبيرًا، لكن الطريقة التي استخدموها كانت تعمل فقط مع البروتينات الصغيرة. بعد ذلك، تمكن العلماء من تصميم بروتينات أكبر وأكثر تعقيدًا.

 إن القدرة على تصميم بروتينات جديدة تفتح الباب أمام العديد من التطبيقات، مثل تطوير أدوية جديدة وعلاج الأمراض.

ديفيد بيكر: رائد مجال تصميم البروتينات الحسابي

ديفيد بيكر، عالم الكيمياء الحيوية، لعب دورًا حاسمًا في تطوير مجال تصميم البروتينات الحسابي، لقد كان رائدًا في استخدام الحاسوب لتصميم بروتينات جديدة بخصائص محددة.

 طور بيكر وزملاؤه برنامجا أطلق عليه اسم روزيتا، هذا البرنامج يمكنه التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات بناءً على تسلسل الأحماض الأمينية. ولكن الأهم من ذلك، يمكن استخدام هذا البرنامج عكسياً لتصميم تسلسل أحماض أمينية ينتج عنه بنية بروتينية مرغوبة.

وتأتى أهمية هذا الإنجاز فى أن القدرة على تصميم البروتينات، تمثل خطوة مهمة نحو هندسة الكائنات الحية وتطوير حلول مبتكرة لمختلف التحديات التي تواجه البشرية، إضافة إلى إنجازات أخرى بارزة تتمثل فى الآتى:

التصميم من الصفر: كان أول من صمم بروتينًا لم يكن موجودًا في الطبيعة باستخدام برنامج روزيتا.
التحقق التجريبي: تمكن من تأكيد أن البروتينات المصممة حاسوبيًا تتطابق مع البنية المتوقعة.
فتح آفاق جديدة: مهد الطريق لتطوير العديد من التطبيقات في مجالات مثل الطب والصناعة.

 دور الذكاء الاصطناعي   

لقد شهد مجال تصميم البروتينات تطوراً هائلاً في السنوات الأخيرة. بفضل التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن تصميم بروتينات جديدة بخصائص محددة مسبقًا.

وتستخدم برامج مثل “روزيتا” خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات بناءً على تسلسل الأحماض الأمينية.
كما يمكن استخدام هذه البرامج لتصميم تسلسلات أحماض أمينية تنتج بنية بروتينية مرغوبة.
ويتم تحسين هذه البرامج باستمرار بفضل البيانات الجديدة والتقنيات المتقدمة.

التطبيقات المحتملة:

ومن التطبيقات المحتملة لهذه البرامج تطوير الأدوية من خلال تصميم بروتينات جديدة يمكنها الارتباط بأهداف علاجية محددة، وفى مجال الهندسة الحيوية، تصميم مواد جديدة ذات خصائص فريدة، وفى الطب الحيوي، تطوير علاجات جديدة للأمراض.تقبلية:

على الرغم من التقدم الكبير الذي تم تحقيقه، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال بحاجة إلى حل، مثل: التنبؤ بالتفاعلات: فهم كيفية تفاعل البروتينات المصممة مع الجزيئات الأخرى، والتصنيع على نطاق واسع، وهذا يستلزم تطوير طرق فعالة لإنتاج البروتينات المصممة بكميات كبيرة.

أسبوع نوبل 

يشهد هذا الأسبوع تتويجًا لأبرز الإنجازات العلمية لهذا العام من خلال حفل توزيع جوائز نوبل. وقد شهدنا حتى الآن إعلان الفائزين بجائزتي نوبل في الطب والفيزياء، وهما جائزتان تعكسان التوجهات البحثية الحالية.

كما سيتم الإعلان عن الفائزين بجوائز نوبل في الأدب والسلام خلال الأيام القليلة القادمة، مما يجعل هذا الأسبوع حدثًا ثقافيًا وعلميًا بالغ الأهمية.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى