“قل شكوتك”.. جارة في العمارة

كتبت: أسماء خليل

أبث إليكم مشكلتي التي باتت تؤرقني، ولا أعلم هل الوحدة ببعض الأزمان خيرّ للمرء من معرفة العالم؟!.. هل الاقتصار عبادة حينما يخشى المرء من فساد العبادة؟!.. لا أعلم ما الصواب وما الخطأ، لقد أصابني تخبط فكري غير مسبوق، ولا أجد حلًّا.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها السيدة “ل.ش”، عبر رسالة أرسلتها بالبريد الإلكتروني، راجيةً من الله تعالى أن تجد من يؤازرها في مشكلتها.

المشكلة

أنا زوجة في بداية العقد الرابع من عمري، حاصلة على مؤهل متوسط ولي ولدان مازالت الطفولة تحيطهما ببراءتها. أسكن بإحدى محافظات الوجه البحري٠

كنتُ أعيش مع زوجي حياة مستقرة إلى حدٍّ ما؛ إلى أن سافر لإحدى الدول العربية ليعمل مع شقيقه في أحد المصانع، لم أرفض في بداية الأمر؛ فلم أكن أعلم أن ذلك العقد سيسرق فرحتي بنفس الطائرة التي استقلَّها زوجي ومعها جزء من قلبي.

لكم عانيتُ من الوحدة والفراغ وبعدما كان زوجي معنا بشكل دائم أصبح يأتي بضع أيام بالسنة، ملأ أولادي نصفًا من حياتي ولكن يتبقى جزءٌ لا يستطيع أن يملؤه أحد غير زوجي.

كان زوجي يرسل لي حوالة شهرية بمبلغ من المال لأقتات بالحياة أنا وأولادي؛ فكنت أقتصُ منه إيجار الشقة لصاحب العمارة لاتفاق بينه وبين السكان أن يأتي بشكل شهري ليحصل الإيجار،، تعثَّر زوجي على غير عادته؛ فلم يُرسل لي الحوالة في الميعاد المعهود.

في بداية الشهر أتى صاحب العمارة كالمعتاد؛ فدار حوار بيننا تضمن الاعتذار عن عدم إيفائي ذلك الشهر بدفع الإيجار في الموعد المحدد، لا أنكر أن شيئًا لا أستطيع تفسيره بدأ يسري في كياني بمجرد الحوار العادي مع ذلك الرجل؛ فهو يحمل من المقومات ما يجذب به أي امرأة من جمال المظهر والجوهر بالإضافة إلى كلامه المعسول والثراء الذي ينعم به، حيث يستشعر ذلك الرائي بشكلٍ يسير جدًّا.

في تلك الليلة أرسل الرجل لي رسالة غرامية، ثم اعتذر أنها غير مقصودة؛ إلى أن أتتني الحوالة من زوجي، فتثنَّى لنا اللقاء والحديث مرة أخرى وتوالت اللقاءات البريئة والحوارات.

اعترف لي بحبه وأنه على استعداد بأن يربي أولادي ويتكفل بكل المصاريف المطلوبة للحياة،، سرعان ما ذهبتُ إلى أمي حاكية؛ فانهالت عليَّ لومًا قائلة : ” أهل زمان كانوا يصبروا على البعد ولو ١٠٠ سنة”.

ولكن لا شك في أنَّنِي أفكر الآن وبشكل جاد أن أطلب الطلاق من زوجي كي أهنأ بذلك الحب وأنعم بالسعادة التي تنتظرني، وخاصةً أنَّنِي بحثت عن زوجي في كل مكان داخل ذاتي؛ فلم أجِده.

خبِّريني سيدتي بالله عليكِ هل أنا على صواب أم خطأ، وماذا أفعل ؟!

الحــــــــــــــــل

عزيزتي “ل. ش” كان الله بالعون.. أجد أنه من الأحرى أن أبدأ حديثي بحوار والدتكِ؛ فما أدرانا وبشكل محقق أن السابقين كانوا أكثر صبرًا على الاحتياج العاطفي من اللاحقين؛ فمن إذا الذين كانوا يملؤون حفلات أم كلثوم وعبد الحليم والحب قد لمع بأعينهم، فخلف الأبواب المغلقة ألف حكاية لا يعلمها أي أحد٠

وما بال المرأة إذا مات زوجها أو تمَّ طلاقها أو سافر عنها؛ كانت مُلامة في عَوذها لرجل بحياتها، والأكثر من ذلك أن المجتمع يحصُر كل احتياجاتها في العلاقة الحميمة سواءً بالقول أو بالنظرات المُهينة؛ وذلك تحديدًا على رأس مُنحنى الظلم الذي تعاني منه المرأة منذ قديم الأزل، إذ أن قيراطًا من الاحتواء والحب خيرٌ من أفدنة العالم.

عزيزتي، الآن لابد ممَّا ليس منه بُد، اتركي ذلك الرجل صاحب العمارة مباشرةً فما تشعرين به ليس سوي احتياج؛ وهذا الرجل ليس أهلًا لأن يمنحكِ سوى بعض المُتع الوقتية والسعادة المزيفة التي ستزول هي والكلام المعسول بزوال حداثة فرحته بكِ كأنثى وليس ككيان.

هذا بالإضافة لأنه لم يراعِ الأمانة التي تركها زوجكِ كجزء قابع في ممتلكاته.. إن صاحب العقار راعي وكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته،،وعليكِ أن تعلمي عزيزتي أن ذلك الرجل يعتبرُكِ مجرد نزوة؛ إذ أن الشيطان هو من يزين له أعماله الآن وكما قال الشاعر :” لذة العيش في المحرَّمِ”.

وحتى إن سلَّمنا جدلًا بأنه سيكون زوجًا جيدًا؛ فلن تخلو نظراته من توجيه تهمة الخيانة لكِ أبدًا، سواء بالكلام أو بالقصص المشابهة التي ستمر أمامكم بالمجتمع.

ضعي نصب عينيكِ تلك الجملة الشهيرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لتضعي ذلك الرجل في حجمه الحقيقي، وتبعديه عن تفكيرك كزوج؛ وهي “ لعن الله من خبَّب امرأة على زوجها”.. صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أي ملعون من حرض وأخذ امرأة من زوجها.. فهل تقبلين أن تكوني زوجة الملعون؟!.

لابد عليكِ الآن من مواجهة المشكلة الأساسية، وهي الغياب الدائم لزوجكِ؛ مما جعلكِ لا تجدينه الآن حتى داخل ذاتك.. واجهيه إمَّا أن يصطحبُكِ إلى محل إقامته أو أن يأتي فيصطحِبُ احتياجكِ وحبكِ وأيضًا شرفه.

حاولي مرارًا وصعِّدي الأمر إلى حكمًا من أهلكِ وحكمًا من أهله؛ فإذا لم ينتصح فلايُكلِّفُ الله نفسًا إلى وسعها؛ إذ أنَّ الزوجة إذا لم ترضَ بغياب زوجها أكثر من ستة أشهر، رفعت أمرها إلى القاضي؛ ليقوم بمراسلة ذلك الزوج وإلزامه بالعودة، فإن لم يرجع حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ، وقال الله تعالى : ” لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” سورة البقرة آية ٢٢٦.

ولابد عليكِ عزيزتي أن تتفهمي طبيعة شخصيتك؛ إذ إن علماء النفس يفرقون بين شخصية كل امراة عن الأخرى، على حسب احتياجها لوجود رجل بحياتها، فهناك امرأة تقدر على الحياة بدون زوج وتربي أولادها في سعادة وتشعر بكل قوة.

وعلى النقيض، فهناك امرأة أخرى لا تهمها المادة بقدر الوجود العاطفي لشريكها، وتلك لا تستطيع الحياة بدون زوج، وعليه فإذا كنتِ من النوع الثاني من النساء، فلا تظلمي نفسكِ، وكذلك لا تظلمي أولادكِ، فإن تيقنتي من خلال رؤيتكِ لقصص مشابهة أنهن رُزقن بزوج آخر راعى الله في أولادها، فلا بأس من الانفصال.

ولكن إذا ترسخ بيقينكِ عدم وجود رجل آخر- في ذلك الزمان- يراعي الله في أولادكِ، فاصبري واحتسبي، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم“ كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول”..صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى