د. ناجح إبراهيم يكتب: الدين الإبراهيمي
“طوال كل السنوات الماضية وأنا أرى ضياء الصدع بالحق ينطلق من قلب الإمام د. أحمد الطيب قبل لسانه” هذه الكلمات من نظم الدكتور ناجح إبراهيم يصف فيها جانبا من جوانب شخصية الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وحتى نتعرف على باقى رأيه فى الأمام علينا أن نطالع المقال التالى المنشور للدكتور تحت عنوان “الدين الإبراهيمي” على موقع صحيفة الوطن.
وتص المقال كالتالى:
قابلته بعد ثورة يناير، كان مهموماً حزيناً يفكر جلياً فى أمر البلاد والعباد، يرجو سلامتهم وأمنهم واستقرار مصر، قلت له: إن فيك لشَبهاً فى كل شىء من الإمام الراحل عبدالحليم محمود، فقال فى تواضع العلماء والحكماء: وهل أنال نعله؟ قلت وكأننى أقرأ المستقبل: ستكون مثله لأنك أشبه الناس به زهداً وورعاً وتصوفاً وذكراً وانصرافاً عن زخارف الدنيا، وكانت بدايته صعبة مثلك ثم جاء الفرج ونصر أكتوبر، وكان مع الأزهر من فرسانه وداعميه معنوياً، قال يا ليتنى شعرة فيه.
طوال كل السنوات الماضية وأنا أرى ضياء الصدع بالحق ينطلق من قلب الإمام د. أحمد الطيب قبل لسانه، فالدعاة لا ينطقون بألسنتهم، بل يسيرون إلى الله بقلوبهم، ومن هذه القلوب العامرة تنطلق الألسنة التى لا تتحدث كثيراً، فكلنا يعرف صمت الإمام العميق والطويل، فإذا تحدث أسمع، فهو نموذج للداعية والإمام بحق، رؤيته تذكرك بالله، وكلماته تقربك من الله ومن فهم الدين الصحيح، القبول فى الأرض يسير أمامه حيثما حلَّ وارتحل، أطالع أحياناً بعض كلماته الجامعة فلا أدرى أفيلسوف وحكيم يتحدث أم صوفى زاهد يروى ويشرح، إنه يذكرنى بحجة الإسلام أبى حامد الغزالى الذى جمع بين الفلسفة والتصوف والزهد بطريقة غير مسبوقة.
طالع المزيد| ناجح إبراهيم يكتب: التحرش بالدين .. وأنياب الفيلة
د. ناجح إبراهيم يكتب: فى ذكرى النبوة العطرة
د. ناجح إبراهيم يكتب: الحب مذهبي والرسل قدوتي
حاول الكثيرون أن يجدوا له ثغرة فلم يفلحوا، أو يضبطوه بشهوة أو شبهة فما وجدوا، فالرجل عصامى يدرك منذ بداية حياته أن جراحات الداعية ومبطلات الدعوة هى المال والنساء وحب الجاه، فإذا زهد فيها فقد أغلق على نفسه باب الشهوات والشبهات.
إذا عاينت إصدارات وتوصيات مؤتمرات الأزهر فى عهده تحسب أنها صادرة عن المجلس القومى لحقوق الإنسان وليس عن الأزهر، كما قال د. مصطفى الفقى، أكثر الدبلوماسيين المصريين علماً ودهاءً.
تراه عالمياً وهو يلتقى برؤساء العالم ويخاطبهم دون وجل، يرفض لقاء نائب ترامب فى عنفوان مجدهم وبأسهم؛ اعتراضاً على موقف ترامب من القدس، يركب فى أيام إجازته عربته القديمة من السبعينات.
تعالوا نتابع معاً كلماته الرائعة؛ ومن أجمل كلمات الإمام الأكبر الأسبوع الماضى فى ذكرى العاشرة لتدشين بيت العائلة المصرية: «كنا على وعى كامل وقناعة تامة بأن اللعب على أوتار الفتنة الطائفية لو ترك وشأنه فإنه ما يلبث أن ينزلق بالبلاد إلى حرب طائفية ستأتى لا محالة على الأخضر واليابس».
أما الفأس العظيمة التى هدم بها الإمام الأكبر الدعوة إلى الدين الإبراهيمى التى تتولاها إسرائيل وبعض الدوائر العربية المناصرة لها فهى قوله: «محاولة الخلط بين تآخى الإسلام والمسيحية فى الدفاع عن حق المواطن المصرى فى أن يعيش فى أمن وسلام واستقرار، وبين امتزاج هذين الدينيين وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما وبخاصة فى ظل المناداة بالدين الإبراهيمى، نسبة إلى إبراهيم، عليه السلام، وهؤلاء يريدون مزج اليهودية والمسيحية والإسلام فى رسالة واحدة أو دين واحد يجتمع عليه الناس، وهذه الدعوة مثلها مثل دعوة العولمة ونهاية التاريخ والأخلاق العالمية، هى دعاوى تبدو فى ظاهرها دعوة إلى الاجتماع الإنسانى وتوحيده إلا أنها هى نفسها دعوة إلى مصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الإنسان وهو حرية الاعتقاد والإيمان وحرية الاختيار».
ويقول الإمام فى قوة وحزم لا يلين ولا يهاون: «نحن لا نعرف شيئاً عن هذا الوليد الإبراهيمى الجديد، واجتماع الخلق على دين واحد ورسالة سماوية واحدة أمر مستحيل فى العادة».
ويصدع قائلاً: «معاذ الله أن يكون انفتاح الأزهر، الحارس للإسلام عقيدة وشريعة وتراثاً على الأديان السماوية، تذويباً أو تفريطاً».
ومن روائعه فى أيام «كورونا»: «كيف يكشف الله الغمة عن الأمة والذين يتمنون عودة المقاهى أكثر من الذين يتمنون عودة المساجد؟!». ويقول: «حين تغسلون أيديكم خوفاً من كورونا أكملوا الوضوء خوفاً من الله».
ومن نورانياته: «الذى أُرسل رحمة للعالمين لا يمكن أن يشجع أو يرضى أو يقر شقاء الإنسان وقتل الإنسان وإسالة دم الإنسان ظلماً وزوراً وبهتاناً».
تحية للإمام العظيم د. الطيب الذى يمثل نموذجاً إسلامياً إنسانياً فريداً سيقف التاريخ أمامه طويلاً كما وقف من قبل أمام أمثاله من الأئمة العظام.